في الحاجة إلى السياسة

2024.03.20 | 17:30 دمشق

في الحاجة إلى السياسة
+A
حجم الخط
-A

السياسة هي فن صنع القرار المجتمعي وتوزيع السلطة في المجتمع. في جميع جوانب الحياة، لا يُعفى أي إنسان من العمليات السياسية. وتكتسي السياسة أهمية حاسمة بالنسبة للتقدم الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، والتنمية.

وفيما يلي أسباب تجعل السياسة مهمة وكيف تؤثر على حياتنا؟

تساعدنا السياسة على فهم حقوقنا. السياسة هي الأساس الذي تقوم عليه حقوق البشر في المجتمعات. إذا لم تكن هناك سياسة، لن يكون لدى البشر مقياس واضح لمعرفة حقوقهم كمواطنين في أي بلد أو مجموعة. هذا قد يؤدي إلى حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان. لذلك، من المهم أن توجد وثائق وقواعد سياسية تحمي حقوق البشر وتوعي الناس بما يستحقونه في الحياة السياسية والاجتماعية.

قوة النظام السوري المفرطة ضد السوريين، والتي وصلت إلى حد إعلان الحرب المفتوحة ضدهم، والتي كانت على كل مستويات الحياة البشرية، لم يسمح للسوريين بالرد عليها عسكرياً، فكانت السياسة بديلاً ناجعاً للسوريين أدى إلى إدانة النظام بشكل مؤلم، فالحراك السياسي فعل ما لم تفعله القوة العسكرية، فقانون قيصر، والقانون المتعلق بمكافحة تجارة المخدرات، وغيرها، ما هي إلا تتويج للحراك السياسي للسوريين. بالإضافة إلى أن هذا النشاط السياسي كان له الدور الأبرز في فهم حقوق وواجبات السوريين وكيف يمكنهم الدفاع عنها.

تؤثر السياسة على كل جانب من جوانب الحياة اليومية. إليك المشهد التالي: تخيل "أنك تعيش في دولة يحكمها القانون من كل جانب، تعمل في أحد الأماكن المشهورة فيها، ولديك أمل في الحصول على مقعد في الجامعة. عند استيقاظك، قد تدرك أن الحكومة قد اعتمدت التقويم الصيفي/ الشتوي، وإذا ما حاولت الاستماع إلى الراديو المحلية (التي لا تستطيع العمل دون ترخيص من الحكومة)، يمكنك الاستماع إلى النشرة الجوية الممولة حكومياً.

تسحب نفسك من السرير الذي من المفترض- حسب القانون- أن يكون مصنوعاً من مواد غير قابلة للاحتراق لاحتساء قهوة الصباح (ينبغي أن تاريخ الصلاحية والمكونات مكتوبة على العلبة وفقاً للقانون أَيْضًا). وإذا ما تهورت وقررت تدخين سيجارة ستجد أن الحكومة أصرت على كتابة تحذير صحي على العلبة. كل ذلك ما عدا تنظيمات السير وقانون التوظيف- وما عليك إلا أن تكمل القصة بنفسك". لماذا؟ نظرًا لأن الحكومات والكيانات السياسية تمتلك سلطة وضع القوانين والأعراف التي تحكم حياتنا اليومية، فمن المهم أن نعرف أن السياسة هي الأساس في تحديد العمليات السياسية والمجتمعية. فهذا يساعدنا على اختيار أفضل طريقة للتعامل مع المشاكل.

في مجتمع كالمجتمع السوري الحالي، تعد السياسة المنصة الأساسية لإيصال أصوات الناس إلى العالم. توفر السياسة منصة مباشرة للناس للتعبير عن اهتماماتهم وأولوياتهم المجتمعية. في حين أن بعض المواطنين قد يكونون راضين عن النظام السياسي للمجتمع، قد يشعر البعض بالتهميش والحرمان في المجتمع وقد يبدأون في الاحتجاج من أجل تغيير أكبر وجذري. هذه القدرة على التعبير عن الآراء بحرية هي جانب حاسم في السياسة وتسلط الضوء على قوة السياسة في تعبئة الناس لإحداث تغيير ذي مغزى.

أحد الأمثلة على هذه الحالة هو الثورة السورية في مرحلتها الأولى، والتي كانت تطالب بالحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ثم التعبير عن الرغبة في تغيير النظام السياسي الجاثم على الصدور منذ عقود، والذي يمارس القمع، والفساد، والتمييز، والاستبداد. هذا الحراك كان يستخدم وسائل سلمية مثل التظاهرات والإضرابات والعصيان المدني والإعلام، لإيصال صوته إلى العالم والمطالبة بحماية المدنيين ودعم الثورة. هذا الحراك كان يمثل تعبيرًا حقيقيًا للسياسة كوسيلة للتغيير الإيجابي والمشاركة الشعبية.

السياسة تحدد القوانين والقرارات. فالمؤسسات الحكومية والسياسية هي صانع القرار الرئيس عند تحديد القوانين والمراسيم المجتمعية. والقرارات التي تصنعها تلك المؤسسات كثيرة جداً ومتنوعة، سواء كانت داخلية أو خارجية. فالمؤسسات السياسية أو النظام السياسي يتحرك في عالمين، عالم السياسة الوطني وعالم السياسة الدولي.

عالم السياسة الوطني، يتدخل النظام بتحديد نوعية الكتب المخصصة للطلاب في مختلف مراحل الدراسة، ويتدخل في عدد ممرات الدراجات الهوائية في الحارة. بينما في عالم السياسة الدولي يتحرك النظام السياسي في مجال واسع نسبياً، ويخوض مع المجتمع الدولي في العديد من القضايا الإقليمية أو الدولية، كقضية المناخ مثلاً، أو قضايا الإرهاب الدولي. القرارات السياسية التي تتخذ في كل مستوى تؤثر على الآخر، فمثلاً، قررت الحكومة الانضمام إلى اتفاقية دولية تتعلق بالمناخ، فهذا يؤثر على السياسة البيئية الوطنية، أو قررت زيادة الإنفاق على التعليم، فيؤثر هذا على السياسة الثقافية الدولية.

إن السياسة موضوعٌ حي. إنها تساعدنا على رؤية ما وراء الأحداث والظواهر والقضايا، وتمنحنا رؤية مزايا وعيوب الإيديولوجيات الموجودة اليوم، وفيها تصبح الكتب المدرسية قديمة يوم نشرها. لأن المشهد يتغير كل يوم، ولكن يصفها الكثير من الشباب السوري بأنها فن من فنون الخداع والكذب فقط، وَدَائِمًا ما تتدهور هذه الكلمات في أشداقهم، فيضيّقون واسعاً. وفي النهاية، يتركون الاهتمام بها، ويتوجهون لشؤون حياتهم الخاصة، لافتراضهم المسبق بعبثية الاهتمام والمشاركة السياسية وأن لا طائل من ذلك.

وفي النهاية، لا يمكن أبداً إحداث أي تغيير حقيقي دون الاهتمام بالسياسة وتوعية أنفسنا والناس بها وكيف تدخل في كل جوانب الحياة، وبالتالي، فإن إدارة الناس والجماعات هي من أسمى المسؤوليات، وهي غاية في الصعوبة خاصة في بيئة الثورات (كونها بيئة فوضى). وهذه الإدارة تحتاج لمن يملك عقلاً راجحاً ومنطقاً معقولاً، ووعياً سياسياً بعيداً عن نظرية المؤامرة، وحشر النفس في الزاوية.