في استعصاء "المسألة السورية"

2022.02.12 | 05:22 دمشق

1-1-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يبدو أن هناك أية رغبة داخل الإدارة الأميركية بالتعامل مع المسألة السورية كأحد أولوياتها، إذ ما زالت كورونا والاقتصاد ثم الصين والآن أوكرانيا وقليل من أفغانستان يحتلون الأولوية، تبدو إدارة بايدن سعيدة تماما بترتيب الأولويات في الملف السوري كالتالي:

إبقاء الوضع كما هو عليه وهي استراتيجية بحد ذاتها، فالعنف لم ينخفض في سوريا منذ عام ٢٠١٢ كما هو عليه الآن وهو ما يبرر وجود القوات الأميركية بالحد الأدنى منعا لعودة داعش.

ثانيا التركيز على الوضع الإنساني والسماح بدخول المساعدات الإنسانية

ثالثا القيام بأنشطة "شفهية" حول دعم القرار ٢٢٥٤

ولذلك أصبحت المشكلة برأيي مضاعفة، وهو وضع شبيه بما كان يقال عن "المسألة الشرقية" في بدايات القرن التاسع عشر حيث احتار العالم في التعامل مع تركة الدولة العثمانية حينذاك في عقودها الأخيرة ووجدوا الحل الوحيد هو بتقسيم المنطقة العربية وتحويلها إلى دول مستقلة كي تستطيع التعامل مع ذاتها، على اعتبار أن الدول الصغيرة تحمل مشكلات أقل في إدارتها مع صعود دور الدولة المركزية في نهاية الحرب العالمية الأولى.

ليس هناك سياسة أميركية مُختلفة تجاه سوريا بين ترامب وبايدن، رغم الاختلاف في التعبير فقط

فالصراع في سوريا أصبح صراعا دوليا بكل المعايير من حيث عدد الجيوش وتدخلاتها، وبهذا المعنى يجب أن تتفق هذه الدول المتصارعة على الحل حتى يمكن تطبيقه وهنا ليس للسوريين دور أو ناقة ولا جمل كما يقال.

من جهة أخرى من يدفع التكلفة هم السوريون لكنهم لا يستطيعون التأثير على هذه القرى كي يجدوا حلا لمشكلتهم.

فليس هناك سياسة أميركية مُختلفة تجاه سوريا بين ترامب وبايدن، رغم الاختلاف في التعبير فقط، لذلك عندما ننظر إلى كيفية تقييم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، أعتقد أنها تقابل بكلمة واحدة هي الفشل؛ فشل أخلاقي في سوريا فلا أزيد عمّا قاله مبعوث الإدارة الأميركية إلى سوريا السابق السفير فورد عندما استقال بعد ثلاث سنوات من موقعه، وقال إني استقلت لأني لم أعد أستطيع أن أدافع عن موقف الإدارة الأميركية، لأنه موقف عملياً لا يلتزم أخلاقياً مع القيم الأميركية ولا سياسياً على المدى البعيد بجهة تزايد عدد القتلى والشهداء، وتزايد الأزمة إلى مستوى إقليمي أكبر، وفي نفس الوقت هو فشل أخلاقي في سوريا.

وبالمناسبة من رَكَّزَ على الموضوع الأخلاقي في الفشل الأخلاقي هي مندوبة الولايات المتحدة سامانثا باور السابقة في إدارة أوباما، والتي تخدم الآن كرئيسة لوكالة الولايات المتحدة للتنمية، فقد كتبت أهم الكتب في التاريخ الأميركي فيما يتعلق بالـ “Genocides” وعندما نستخرج المقاطع التي كتبتها ونُقارِن موقفها حالياً في الأزمة السورية تجد حجم التناقض حيث تقول في أحدث الكتب التي نشرتها في 2009، بأن الموقف الأخلاقي يجب أن يَتقدَّم في السياسة الأميركية عندما تُرتكَب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. نجد أن هذا الموقف يغيب تماماً في البعد الأميركي اتجاه السياسة السورية في الوقت الحالي.

وبسبب افتقار المنطقة العربية إلى نظام إقليمي أو مُؤسّسة إقليمية تستطيع من خلالها ضبط عملية الانتقال فجامعة الدول العربية ليست ديمقراطية بأي شكل من الأشكال، وهي التنظيم الأضعف تقريباً. ولذلك نجد العودة إلى النظام التسلطي الذي نبذته الشعوب العربية منذ عام 2011.

ربما أفضل ما يمكن أن يفعله السوريون اليوم استمرار الضغط على الدول المختلفة بطرق مختلفة

حتى استخدام الأسد للسلاح الكيماوي الذي اعتبره الرئيس أوباما خطاً أحمر يجب أن يتم معاقبته، ضاعت التقارير واللجان في دهاليز الأمم المتحدة وفي أروقة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، لذلك نستطيع القول إنَّ الإدارة الأميركية بالرغم من وعودها فيما يَتعلَّق بمساعدة السوريين في حقهم في تغيير نظامهم السياسي أو في مساعدة السوريين في وقف هذه الأزمة الإنسانية فشلت فشلاً تاماً على المستوى الأخلاقي وعلى المستوى السياسي.

وعليه ربما أفضل ما يمكن أن يفعله السوريون اليوم استمرار الضغط على الدول المختلفة بطرق مختلفة حتى ينعقد مؤتمر سان مارينو، أو الطائف أو في أي مكان بالعالم تكون حصيلته حلا جذريا للمسألة السورية، لكن هذا اليوم لا يبدو بالأفق القريب للأسف.

ولذلك ربما يطول الصراع إلى أمد غير مسمى إلا في حال تغير داخلي كبير في سوريا أو روسيا وهو محتمل بكل الأوجه، ولذلك علينا خفض التوقعات بأن حلا نهائيا سيكون قريبا، والتركيز على قضايا جزئية تبقي فكرة النصر حاضرة دون الحسم من مثل قضية التطبيع مع النظام، أعتقد أننا كسبنا هذه القطعة وأجبر الكثير من المسؤولين الأميركيين والعرب على الخروج علنا ورفضهم لهذا التطبيع، هذا نصر جزئي لكنه مهم وبانتظار تفاعل المشكلات الداخلية التي يعيشها النظام مع نفسه والتركيز عليها بشكل كبير وعلى رأسها مشكلات السيادة ومشكلات أمنية واقتصادية.