icon
التغطية الحية

فيلم"جاكي شان" في الحجر الـأسود يروج لسوريا آمنة ويمسح جرائم النظام

2022.08.05 | 16:41 دمشق

طاقم تصوير الفيلم الصيني Home Operation في سوريا - المصدر: فاينانشال تايمز
طاقم تصوير الفيلم الصيني Home Operation في سوريا - المصدر: فاينانشال تايمز
فاينانشال تايمز- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أخذت قافلة المركبات التي ترفع أعلام الصين تعبر بشكل متعرج بين الشوارع الملآى بالركام في إحدى الضواحي السورية في الوقت الذي بدأت فيه أعمدة الدخان تتصاعد من بعيد، وظهر رجال يرتدون بزات عسكرية مموهة وكوفيات خلف أكياس الرمل عندما أخذت أصوات القصف تدوي في الخلفية.

لقد تعرض حي الحجر الأسود للقصف حقاً، إلا أن المشهد كان تمثيلاً، وهو مقطع من فيلم آكشن صيني جديد تم تصويره في تلك المنطقة ليسرد ما جرى من أحداث في عام 2015 عند إجلاء المئات من المواطنين الصينيين وغيرهم من الأجانب من اليمن بعد بدء الحرب فيها.

كانت تلك العملية أول عملية إجلاء يساعد فيها الجيش الصيني دولاً أخرى على إخراج مواطنيهم عند وقوع أزمة، ولهذا يتوق منتجو فيلم Home Operation/ عملية محلية، وبينهم نجم هونغ كونغ السينمائي جاكي شان، لتسليط الضوء على شجاعة الدبلوماسيين في بيكين الذين ترأسوا عملية الهروب تلك.

إلا أن مرحلة التصوير التي انطلقت خلال الشهر الماضي، أثارت سخط من كانوا يقيمون في حي الحجر الأسود، الذي كان في وقت من الأوقات معقلاً للمعارضة، قبل أن يسوى بالأرض خلال الحرب السورية الوحشية، مما أثار تساؤلات حول مدى أخلاقية الاستعانة ببيوت مدمرة كخلفية لإنتاج فيلم ضخم.

يقول عبد الله، 25 عاماً، وهو أحد من كانوا يقيمون في ذلك الحي: "من المؤلم بالنسبة لي رؤيتهم وهم يتجولون بحرية في مدينتي في الوقت الذي لا أريد فيه شيئاً من الدنيا سوى أن أعود إلى هناك".

إن العلاقات الدبلوماسية بين بيكين ودمشق تعطينا فكرة عن سبب تصوير هذا الفيلم الذي أخرجه سونغ يينكسي في سوريا، إذ بالرغم من أن نظام بشار الأسد عاش عزلة كبيرة خلال العقد الماضي، إلا أن الصين بقيت من الدول القليلة التي حافظت على علاقاتها مع هذا النظام.

الإمارات والإنتاج السينمائي في سوريا

يذكر أن شركة يينكسي للإنتاج الفني افتتحت أخيراً مكتباً لها في دولة الإمارات التي بدأت تضغط من أجل إعادة تأهيل الأسد على الرغم من ارتكابه لجرائم كثيرة بحق الشعب السوري على مدار الحرب السورية التي امتدت لأحد عشر عاماً.

إذ بعد الترحيب بهذا المشروع بوصفه أول مشروع صيني-إماراتي مشترك، أعلن سفير الإمارات في الصين عن المشروع في شهر تشرين الأول حيث ذكر بأنه يشمل: "قطاعي السينما" في كلا البلدين.

إلا أن ناشطين حقوقيين حذروا من هذا الفيلم لكونه يسهم في تطبيع العلاقات مع النظام بعدما حول الحجر الأسود ومناطق كثيرة في سوريا إلى ركام.

إذ تقول هبة زيدان وهي باحثة سورية رفيعة لدى منظمة هيومان رايتس ووتش: "يسهم هذا الفيلم في تبييض صورة الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد، ومحو سجل تاريخ الأحداث بالنسبة لكل ما جرى في الحجر الأسود".

سوريا آمنة للتصوير

غير أن هذا الفيلم يعتبر أساسياً ومهماً من أجل الترويج للرواية التي ينشرها النظام بأن سوريا أصبحت آمنة لعودة المدنيين، إلا أن دبلوماسيين أجانب ومحللين ومنظمات حقوقية ترفض تلك المزاعم.

 

A scene being shot in Hajar al-Aswad

مشهد من الفيلم الصيني الذي صور في الحجر الأسود

 

يذكر أن ملايين السوريين نزحوا خلال الحرب، وبعضهم نزح أكثر من مرة، وسواء في الداخل السوري أو في دول الجوار، ما يزال الكثير من السوريين يتعرضون لخطر الاعتقال أو الإخفاء القسري أو الموت في حال عودتهم إلى سوريا.

بيد أن مخرجي فيلم Home Operation يرون بأن الوضع آمن بنسبة أكبر في سوريا مقارنة باليمن وذلك بالنسبة لتصوير الفيلم، بما أن الأخيرة تعرضت أيضاً لحرب مستعصية. وتعليقاً على ذلك تقول زيدان: "إنه لأمر خطير أن يتم الترويج لسوريا على أنها أكثر أماناً من اليمن وأسلم لتصوير الفيلم... وذلك لأن سوريا لم تبدأ بمرحلة التعافي من الدمار الذي لحق بها، لأنها ما تزال منخرطة في النزاع بشكل كبير".

تعرض حي الحجر الأسود الذي يقع جنوبي دمشق لتهميش كبير، إذ كان يؤوي سوريين هربوا من مرتفعات الجولان بعد استيلاء إسرائيل عليها في عام 1967، ولذلك يقول عبد الله: "بقينا فقراء ونازحين جيلاً بعد جيل".

سوريا: استديو الخراب الكبير

تحول ذلك الحي إلى معقل لمن قاوموا الأسد خلال الأيام الأولى للثورة السورية، وذلك قبل أن يسيطر عليه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية حتى عام 2018، عندما تمكن النظام من استعادة ذلك الحي، ما تسبب بتدمير الحي خلال تلك العملية، وهذا بالضبط ما أعجب صناع الفيلم.

يقول رواد شاهين، وهو المدير التنفيذي للفيلم في سوريا: "لقد تحولت المناطق التي دمرتها الحرب في سوريا إلى استديو لتصوير الأفلام، وذلك لأن بناء استديوهات شبيهة بهذه المناطق مكلف للغاية، ولهذا يمكن اعتبار هذه المناطق استديوهات ذات كلفة منخفضة".

تظهر مقاطع الفيديو والصور كيف تم تجهيز موقع التصوير بكل أريحية بين الأنقاض، في الوقت الذي أخذ فيه طاقم العمل والإخراج بالتجوال في أرجاء المكان، والتدرب على المشاهد والتقاط الصور بطريقة السيلفي تحت أشعة شمس تموز الحارقة. وفي اليوم الذي تم فيه تدشين الموقع خلال الشهر الماضي، حضر سفير الصين إلى سوريا تلك المناسبة ورفعت لافتة كبيرة كتب عليها: "السلام والمحبة" فوق الحشود.

لا إعادة إعمار لمناطق الثوار

يذكرنا ذلك المشهد المتناقض بمشهد انتشر خلال الشهر الماضي وظهر فيه الأسد وأسرته وهم يتجولون بين أنقاض حلب القديمة التي دمرتها قواته بغارات جوية لم تبق ولم تذر.

على الرغم من استعادة النظام للسيطرة على الحجر الأسود قبل سنوات طويلة، إلا أن الكثير من شوارع هذا الحي بقيت تحت الركام، لتعبر عن سياسة النظام الذي لن يعيد بناء أي جيب سابق من جيوب الثوار.

لم يكن فيلم Home Operation أول فيلم عالمي يستخدم سوريا الجريحة كخلفية للتصوير، إذ تم تصوير فيلم لبناني في مدينة الزبداني المدمرة وقد نال هذا الفيلم أرفع جائزة في مهرجان البندقية عام 2019.

"نهب سينمائي"

وفي السنة نفسها، استنكر عشرات المخرجين السوريين استخدام مواقع مدمرة من سوريا ومدنها التي خلت من سكانها كمواقع لتصوير الأفلام، واتهموا من قاموا بذلك بارتكاب عمليات: "نهب سينمائية"، حيث كتبوا في بيان لهم: "تحولت تلك الأحياء... إلى مواقع للتصوير أمام مجموعة كبيرة من المخرجين الذين تهافتوا عليها هم وطواقم التصوير والتمثيل برفقة كاميراتهم، متجاهلين آخر الذكريات عن هذا المكان، ضاربين بعرض الحائط حرمة البيوت، وقصص وأخبار وحياة وذكريات من سكنوها... فهي ليست مجرد أماكن ارتكبت فيها جرائم حرب قبل فترة قصيرة... بل إنها أيضاً مواقع تشهد على قيام جرائم مستمرة بحق الإنسانية".

أما الصحفي والمخرج زاهر عمرين الذي كان أحد الموقعين على هذا البيان، فقد ذكر بأن كل ما ورد فيه ينطبق على الفيلم الصيني الجديد، وبأن مشاركة شان تجعل الأمور أسوأ بشكل ملموس، إذ يقول: "جاكي شان اسم عالمي كبير، ولكن هل فكر بأمر السوريين، لا سيما هؤلاء النازحين والمهجرين الذين لا يمكنهم العودة إلى بلدهم والذين لابد وأن يشاهدوا فيلمه؟".

المصدر: فاينانشال تايمز