فلسفة الحروب في عقيدة آل الأسد

2022.07.08 | 06:34 دمشق

آل الأسد
+A
حجم الخط
-A

تنطلق فلسفة حافظ الأسد في رؤيته للحروب من ركيزتين أساسيتين: الأولى تنظر إلى الحرب على أنها أكبر خطر على سلطته، وأن خسارة أي حرب يمكن أن يشنها قد تودي بسلطته إلى غير رجعه، وهو ما لم يكن، ولن يكون، مستعدا له في يوم من الأيام، لا سيما وأنه هو نفسه تعرض لخسارة حرب 67، ونجا من تبعاتها "بضربة حظ" نادرة الحدوث. أما الركيزة الثانية فتقوم على أن الحرب هي أهم خط دفاع يمكن أن يلجأ إليه للمحافظة على سلطته. ولكن من أين أتت قناعته هذه، التي ترسخت مع الأيام، وهل كانت حرب 73 حرباً من أجل الأرض أم من أجل تحصين سلطته، وكيف نجح في رسم صورة خيالية عن نفسه كرجل حروب على الرغم من أنه لا يخوض إلا حروبا على مقاسه، ويختار أعداء يقوم هو بصناعتهم وتخيلهم كأعداء، بحيث يكون النصر عليهم أمر شبه مضمون.

خسارة الحروب، كما بين التاريخ السياسي، غالبا ما تؤدي إلى ترك قيادة الطرف الخاسر السلطة إلى غير رجعة أو إلى اندلاع ثورات داخلية تفرض تغيرات واسعة. حتى أن المتابع لفترة السبعينات يلاحظ أن الأنظمة التي خسرت حروبها غالبا ما اضطرت إلى مغادرة السلطة. ففي عام 1971 أدت الحرب الباكستانية الهندية إلى استقالة الرئيس الباكستاني آغا يحيى محمد خان وتنازله عن السلطة لذو الفقار علي بوتو. خسارة باكستان للحرب واستقلال بنغلادش عن باكستان وتوقيع إعلان استسلام الجيش الباكستاني في دكّا أدت إلى اضطرابات واحتجاجات أدت إلى استقالة الرئيس. وفي عام 1974 غادر المجلس العسكري اليوناني السلطة بعد خسارته الحرب في قبرص، واندلاع احتجاجات واسعة أتت بحكومة ديمقراطية محله، لا سيما المجلس العسكري المذكور هو من حضّر للحرب وقام بالانقلاب في قبرص، الذي تسبب بدوره باندلاع الحرب وتقسيم قبرص في النهاية.

وفي عام 1982 قام المجلس العسكري الأرجنتيني بقيادة الجنرال يوبولدو غالتييري بغزو جزر الفوكلاند ومناطق أخرى مجاورة لها، واحتلاها بقصد إثبات سيادة الأرجنتين عليها، غير أن الحرب سرعان ما اندلعت بين الأرجنتين وبريطانيا، وخسرت الأرجنتين الحرب، وهو ما أدى إلى اندلاع احتجاجات كبيرة أجبرت الجنرال غالييري ومجلسه العسكري على مغادرة مقر الرئاسة.

لا نريد أن نتوسع في قائمة الحروب التي انتهت باستقالة أو طرد أو إعدام القادة الذين شنوا حروبا خسروها في النهاية، فهي تكاد لا تحصى. ولكن نريد أن نبرز هذه الحقيقة عن الحروب بوصفها من الأفكار الأساسية التي تحرك التفكير الاستراتيجي للقادة السياسيين، خاصة إذا كانوا من العسكر، لأن الحروب في هذه الحالة ستكون عملا على درجة عالية الخطورة، خاصة إذا كان الطرف الآخر، أو العدو، يبلغ من القوة أن يحسب له ألف حساب.

خسارة الحروب، كما بين التاريخ السياسي، غالبا ما تؤدي إلى ترك قيادة الطرف الخاسر السلطة إلى غير رجعة أو إلى اندلاع ثورات داخلية تفرض تغيرات واسعة

بالنسبة لحافظ الأسد فقد كانت له أربع تجارب في الحروب، ثلاث خارجية وواحدة داخلية. الأولى حرب 67 وهي حرب خسرها بوصفه وزيرا للدفاع والقائد الذي طرد عشية الحرب مئات الضباط المحترفين لأسباب تتعلق بالولاء له، ما زاد في مأساوية نتائج الحرب الفظيعة. أما احتفاظه بمنصبه على الرغم من خسارته للحرب فيعود إلى تحالفاته السابقة للحرب من جهة، وإلى رغبة عامة لدى الوسط السياسي العام بتوحيد الصفوف لمواجهة الأخطار وتجاوز نتائج الحرب. أما حرب عام 1973، وعلى الرغم من تركيز الإعلام السوري على ما سماه مكاسب معنوية/نفسية للحرب، إلا أن تلك الحرب على أرض الواقع لم تحقق نصرا يذكر (بقاء قمة جبل الشيخ وهضبة الجولان بيد الجيش الإسرائيلي)، حتى انسحاب الجيش الإسرائيلي من مدينة القنيطرة، بعد انتهاء الأعمال القتالية المباشرة بمدة زمنية لا بأس بها، بوساطة من هنري كيسنجر ما زال ثمنه مجهولا حتى الآن. ولكن ما نعرفه اليوم أن تلك الحرب لم تكن من أجل الأرض وتحرير الجولان بقدر ما كانت حربا أراد حافظ الأسد أن يفرض من خلالها سلطته ويزايد على منافسيه. والدليل على ذلك أن الجولان تحول إلى آخر اهتماماته، عندما بلغ ذروة قوته، وهذه مفارقة تبين بواطن التفكير السياسي عنده. أما المفارقة الثانية فهي أن إسرائيل كانت تحقق مكاسب كبيرة في كل الحروب التي خاضتها معه.

أما الحرب الثالثة وهي حربه مع الداخل السوري فقد شنها في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات على جماعة الإخوان المسلمين. وهي حرب تبين موازين القوى أنه هو الذي فرضها على الطرف الآخر، وأنه أرادها لكي يزيد من سيطرته على البلاد ويؤدب كل من تسول له نفسه أن يقف في طريق انفراده بالسلطة؛ أي أنه هو من شكل لنفسه أعداء على مقاسه. أما الحرب الرابعة فهي التي تدخّل فيها بلبنان بين علمي 1976 و1982، ولم يغادرها إلا في عام 2005. وميزة هذه الحرب أن أهدافها لم تكن تقليدية؛ أي لم تحقق نصرا ما أو الوقوف إلى جانب طرف ما. هي حرب من أجل تحقيق مزيد من النفوذ، والسيطرة على أطراف يمكن المساومة عليهم. بدليل أن أكبر الخاسرين من تلك الحرب هم اللبنانيون والفلسطينيون، أما أكثر من جنى مكاسبها فهم حافظ الأسد والإسرائيليون.

أما الحرب الخامسة فقد شنها ابنه بشار الأسد على الداخل السوري بعد ثورة 2011. ويبدو أنها الحرب الحقيقية الوحيدة في تاريخ آل الأسد، لأنها حرب من أجل البقاء ومن دونها لا مجال لاستمراره في السلطة. وفي الحروب الحقيقية يستخدم القادة كل أنواع الأسلحة وجميع الاستراتيجيات الممكنة لكسب الحرب، بغض النظر عن أي عوامل أخرى. ولعل هذا ما يفسر إسراع بشار الأسد لاستخدام الأسلحة الكيماوية وتدمير المدن وتهجير ملايين السوريين.   

ما نريد أن نقوله في النهاية ثلاثة نقاط: الأولى أن فلسفة آل الأسد تقوم على أن الحروب مع إسرائيل لا يجوز النظر إليها على أنها حروبا حقيقية، أو صراعا من أجل الوجود كما يردد الإعلام السوري منذ نحو نصف قرن، لأن أول نتيجة يمكن أن نتوقعها من هكذا صراع هي مغادرة آل الأسد السلطة. أما النقطة الثانية فهي أن آل الأسد يعتقدون أن للحروب أهدافا دنيئة وليس بالضرورة أهدافا وطنية أو قومية. فالحرب، كما يفهمونها وكما يقول التاريخ السياسي والعسكري، أكبر أداة في التاريخ للمحافظة على السلطة، وفرض النفوذ، بل وتدمير وإبادة من يقف في وجه السلطة. أما النقطة الثالثة أن الحروب هي أهم أداة في مواجهة الثورات وقمعها عبر التاريخ. والتاريخ يحدثنا عن عشرات الثورات التي قمعت بالحروب. ولكن الخبر التاريخي السيئ لآل الأسد أن هناك عدة ثورات عانت طويلا من الحروب ولكنها لم تمت وتحولت إلى منارات.

كلمات مفتاحية