فلسطين…موقف فصائلي شائن تجاه "نبع السلام"

2019.11.08 | 17:28 دمشق

1000x563_cmsv2_45ff6697-1881-538b-89c6-da63f7b21f95-4208742.jpg
+A
حجم الخط
-A

أصدرت فصائل فلسطينية منفردة ومجتمعة بلغ عددها 13 فصيلاً بياناً ضد عملية "نبع السلام" التي نفذها الجيشان التركي والوطني السوري شمال سوريا لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية، ومنع إقامة كيان انفصالي متماثل مع إسرائيل في سوريا والمنطقة.

الموقف الفصائلي بدا شائناً ليس فقط لصمتهم عن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد والاحتلالات الأجنبية التي استقدمها من أجل حماية سلطته الشكلية أو تأخير سقوطه الحتمي، إنما لأن تلك الفصائل الهامشية تحركت أيضاً لإرضاء قوى خارجية تشغلها، ناهيك عن ضعفها وعجزها عن التأثير على مجريات الأحداث في فلسطين قبل أن نتحدث عن سوريا والمنطقة.

موقف الفصائل اليسارية المتقادمة المتهالكة في معظمها يعبر في جانب جوهري منه عن رؤيتها تجاه الثورة السورية التي تعتبرها - كما الثورات في العراق ولبنان - مؤامرة خارجية مزعومة، بينما قاتل البعض منها فعلاً -القيادة العامة والصاعقة - إلى جانب

الفصائل اليسارية المنفصمة عن الشارع الفلسطيني العربي والإسلامي تعتبر الثورات عائقا أمام توجه البنادق نحو تحرير فلسطين

النظام، وكان شريكاً له في جرائم الحرب الموصوفة التي ارتكبها بحق الشعب السوري.

الفصائل اليسارية المنفصمة عن الشارع الفلسطيني العربي والإسلامي تعتبر الثورات عائقا أمام توجه البنادق نحو تحرير فلسطين، رغم أن المآسي كلها في فلسطين والمنطقة- من النكبة الى أوسلو- وقعت قبل اندلاع الثورات التي هدفت أساساً لإسقاط أنظمة الاستبداد التي مثلت عائقا فعليا أمام تحرير فلسطين، وقال عنها وزير الحرب الإسرائيلى الجنرال موشيه دايان بعد النكبة الثانية حزيران/ يونيو 1967 إننا محظوظون بأعداء كهؤلاء.

الفصائل نفسها كانت بلعت ألسنتها الطويلة عن جرائم الحرب الموصوفة في سوريا والعراق، وكما تقول الأمم المتحدة، فإن المسؤول عنها هم روسيا وحلفائها بل أدواتها – النظام إيران وحشودها - في سوريا والتحالف الأمريكي الغربي الذي قاتلت تحت رايته فصائل الحشد الشعبي في العراق التي عاد قادتها إلى بلادهم على ظهور دبابات الاحتلال، ويتحدثون الآن عن الممانعة وتحرير فلسطين.

الفصائل تحدثت عن جرائم مزعومة في مناطق، عمليات "نبع السلام"، رغم أن هذا لم يحدث كما في النموذج نفسه الذي اتبع في درع الفرات و"غصن الزيتون" مقابل نموذج الرقة الموصل وعين العرب التدميري التهجيرى للغزاة والغرباء الذي سكتت عنه، بل دعمته  تلك الفصائل.

الفصائل زعمت كذلك أن العملية هي غزو أو احتلال تركي للأراضي السورية، رغم أن المناطق المستهدفة كانت محتلة مباشرة من أمريكا نفسها وأداتها بي كا كا، وتحريرها يمثل بالضرورة مصلحة فلسطينية وعربية، بينما سكتت تلك الفصائل عن الاحتلال الروسي -الإيراني الموصوف في سوريا، عن الاحتلال الإيرانى في العراق، عن استقدام الميليشيات الطائفية الموتورة وغير العربية للدفاع عن النظام، التي لم تكتف بمشاهدتها بل قاتلت إلى جانبها أيضاً.

غير أن قمة المأساة تتمثل بتحرك الفصائل الفلسطينية ضد نبع السلام بتأثير مباشر من أبو ظبي والقاهرة العاصمتين اللتين لا تخفيان علاقاتهما السرية والعلنية والتي تصل إلى حد التحالف مع إسرائيل المحتلة لفلسطين نفسها لكن يبدو أن الفصائل نسيت أو تناست هذه الحقيقة.

فى الحقيقة لا شيء يعبر عن الواقع الفلسطيني العربي المر أكثر من تحالف القاهرة وأبو ظبي مع نظام الأسد والنظام الإيراني ضد عملية "نبع السلام" ما يعني نظرياً أن العملية هى في الاتجاه الصحيح حتماً.

الفصائل التي تزعم أنها أسست من أجل تحرير فلسطين، بعضها يحمل هذه العبارة في اسمها تجاهلت كذلك وعن عمد أو نتيجة العداء الموتور لتركيا-الداعمة للثورات العربية وقواها الحية- دعم إسرائيل العلني لوحدات بي كا كا الذي تزخر به الصحف الإسرائيلية، وأعلنته نائبة وزير الخارجية تسيبي حوتوبيلي الأربعاء الماضي من على منبر الكنيست، كما دعم إسرائيل للاحتلال الأمريكي لمناطق شمال وشرق سوريا أي أن عملية نبع السلام هي استراتيجياً وواقعياً ضد إسرائيل، وضد استيلاء الغزاة على مقدرات ثروات الشعب السوري والشعوب العربية.

نصف الكوب الملآن فى القصة كلها أن الفصائل التى أصدرت البيان هامشية، هى مجرد

فتح أو السلطة الفلسطينية لم تعلن موقفا علنيا من العملية، اتخذت جانب الحياد تماشياً مع المصلحة الفلسطينية

كومبارس في أحسن الأحوال وشهود زور في أسوئها، عاجزة عن التأثير على الأحداث في فلسطين نفسها، ناهيك عن سوريا والمنطقة، وبيانها لم يكن سوى ضجيج في الخلفية، خافت أكثر حتى من ضجيج إيران وحشدها الشعبي التي هي جزء منه.

الجزء الملآن الآخر أن فتح أو السلطة الفلسطينية لم تعلن موقفا علنيا من العملية، اتخذت جانب الحياد تماشياً مع المصلحة الفلسطينية، كما لفهمها وقناعتها التي لا تستطيع الإعلان عنها أن المستهدف منها هم أعداء الشعب الفلسطيني وحلفاؤهم أي إسرائيل وأمريكا.

لا بأس من التوكيد أن العملية طبعاً لا تستهدف الأكراد الذين تصرفوا تاريخياً بعقل جمعي وحدوي، بينما بي كا كا المتسلط عليهم بقوة السلاح متحالف عملياً مع أعدائهم وأعدائنا التاريخيين.

غير أن البقعة المضيئة فى المشهد الفلسطينى تمثلت بدعم حركة حماس للعملية عبر بيان رسمي، صحيح أنه يعبر عن حماس الخارج وضد رغبة حماس – السنوار الذى بادر بعد ذلك إلى شكر إيران دونما مناسبة، إلا أن البيان عبر فى الحقيقة عن العقل الجمعي للحركة، خاصة في الخارج، وتماهيه مع العقل الجمعي العام العربي الإسلامي المؤيد للعملية للثورة السورية ولتركيا وسياساتها في المنطقة.

 لذلك عاقبت مصر- السيسي التي كانت وراء بيان الفصائل حماس مباشرة - بعدما كانت قدمت هدية للجهاد عبر دعوة أمينها العام للقاهرة – ومنعت رئيس مكتبها السياسى إسماعيل هنية من السفر لجولة خارجية تشمل تركيا وقطر أيضاً.

عموماً عبر بيان الفصائل عن المشهد الفلسطيني الحالي، حيث تصرفت فتح والسلطة على علاّتها بشكل مسؤول، وصحيح أن محمود عباس من الفلول القدامى لكنه مخضرم وصاحب تجربة وهذا سبب تعاليه على فصائل الفلول الجدد والحشد الشعبي. بينما حماس تصرفت بعقلها الجمعي ووعيها التاريخي المتماثل مع جمهورها الآن في الداخل والخارج. الفصيلان فتح وحماس نالا في آخر انتخابات 85 بالمائة من أصوات الناخبين والنتيجة نفسها متوقعة فى أي استحقاق قادم، أما الفصائل الـ13 فهي هامشية تراوح بين الكومبارس وشهود الزور، والاستطلاعات تعطيهم مجتمعين أقل من عشرة بالمائة والغالبية منهم لا تتجاوز أصلاً نسبة الحسم في أي امتحان ديمقراطي شفاف حر ونزيه.