فشل الأمم المتحدة المزمن في حل الصراعات.. الأزمة السورية نموذجاً

2019.12.03 | 14:53 دمشق

dxjsmv9xuaapv6e.jpeg
+A
حجم الخط
-A

كتب الكثير ليس عن فشل الأمم المتحدة في حل الصراعات في إفريقيا وآسيا فحسب وإنما عن تورطها بشكل مباشر في عدم منع جرائم الإبادة كما جرى في سربرينتشا في البوسنة والهرسك أو روندا بما يرقى إلى مرتبة التواطؤ أو المشاركة، وقد فتحت الكثير من التحقيقات الدولية والوطنية حول هذه الحوادث لكن التحقيقات كلها انتهت إلى حصانة الأمم المتحدة من المسؤولية عن الجرائم التي يرتكبها موظفوها وأن كل ما يمكن أن يحدث هو أن تفتح الأمم المتحدة ذاتها تحقيقا داخليا وهو التحقيق ذاته الذي غالبا ما ينتهي إلى الأدراج المغلقة.

ولا يبدو دور الأمم المتحدة في سوريا مختلفاً كثيراً فمسؤولية البعثة الأممية في عدم حماية المدنيين السوريين من الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد منذ عام 2011 بحقهم وخاصة في حالة حمص التي تورطت الأمم المتحدة فيها حيث رعت اتفاقا داخليا مع نظام ألأسد أدى إلى تهجير عدد كبير من المدنيين لم يتمكنوا من اليوم من العودة إلى بيوتهم، فضلا عن تصفية نظام ألأسد لعدد من المدنيين من حي الوعر في حمص الذين وعدتهم الأمم المتحدة بالحماية لكنها لم تستطع أبدا القيام بأي شي يتعلق بذلك.

لقد بدأ حصار الحكومة السورية لحي الوعر في مدينة حمص في أكتوبر/تشرين الأول 2013، في الوقت الذي كانت فيه جماعات المعارضة المسلحة في مدينة حمص في محور القتال مع الحكومة. وقُيّدت حركة الغالبية العظمى من سكان حي الوعر الذين كان عددهم ُيَقَّدر بما بين 70000 و100000 شخص، كما قُيّدت إمكانيات الحصول على الغذاء، والدواء، والوقود. وحتى الطلبة والموظفون الحكوميون الذين ُسِمَح لهم بالخروج من الحي والدخول إليه كانوا ً كثيرا ما يتعرضون للمضايقات عند نقاط التفتيش، وكذلك للاحتجاز في بعض الأحيان. ُوشِّدَد الحصار  تدريجيا، ولا سيما في عام 2016 الذي مُنع خلاله دخول الخبز  تماما، وهو ما دفع السكان المحاصرين إلى طحن الحبوب التي كانوا يتلقونها في حصص المعونة لصنع الخبز، وهو الغذاء الأساسي. وانتهى الأمر بسكان حي الوعر إلى الاعتماد الكثيف على شحنات المعونة التي تصلهم بشكل متقطع وتعجز عن تلبية حاجات السكان، ففي شباط / فبراير 2014 تم تهجير نحو 3 آلاف من المدنيين والمقاتلين من مدينة حمص إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية في تلك الفترة في الشمال وهي عملية التهجير الأولى والأخيرة التي تتم تحت إشراف الأمم المتحدة.

في شباط 2014 تم تهجير نحو 3 آلاف من المدنيين والمقاتلين من مدينة حمص إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية في تلك الفترة في الشمال وهي عملية التهجير الأولى والأخيرة التي تتم تحت إشراف الأمم المتحدة.

أدت هذه المفاوضات للاتفاق على نقل المقاتلين والمدنيين الذين تبقوا إلى خارج مدينة حمص. في الفترة ما بين 7-9 شباط 2014، بدأ إخلاء المنطقة المحاصرة في وسط المدينة خلال سلسلة نقل إجباري للسكان. حيث أشار تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (موئل) صدر في حزيران 2014 أن هناك 100 شخص فقط لم يتم تهجيرهم. على الرغم من أنها سميت أحيانا "عمليات إجلاء"، إلا أن هذا النوع من الصفقات هو في واقع الأمر عمليات استسلام قسرية تجرى بالإكراه، حيث لا يكون أمام السكان المحاصرين سوى الاستسلام أو الموت. وبوجود مراقبين للأمم المتحدة، تم تعبئة المقاتلين والمدنيين في باصات خضر حكومية (أصبحت فيما بعد رمزاً لعمليات التهجير القسري في كل المدن السورية) ونقلهم إلى الوعر أو إلى الريف الشمالي لحمص.

لقد أثارت مشاركة الأمم المتحدة في اتفاقية حمص والتهجير القسري للسكان جدلاً كبيراً. حيث واجهت الأمم المتحدة انتقادات خاصة لفشلها في حماية أولئك الذين أجبروا على المغادرة في ظل الاتفاقية، حيث إن حكومة النظام اعتقلت المئات ممن تم إخلاؤهم أثناء "فحصهم" وأشارت التقارير إلى أنه تم تعذيب بعض هؤلاء الأشخاص وقتلهم.

وكنتيجة مباشرة لهذا السيناريو، وضعت مفوضية شؤون اللاجئين وثيقة "المعايير الدنيا للمشاركة في عمليات الإجلاء الإنساني المشترك بني الوكالات" وذلك محاولة لضمان التزام جهود وكالات الأمم المتحدة المستقبلية بالقوانين الإنسانية الدولية وقوانين حقوق الإنسان. وكما يضيف تقرير منظمة "مراقبة الحصار"، فلسوء الحظ لم تتضمن الوثيقة سوى القليل من المبادئ التوجيهية العملية للوضع المعقد في سوريا وفشلت في تحسين ممارسة عمليات الانتقال القسري وإجراء تغييرات ملحوظة في دور وكالات الأمم المتحدة في هذه العمليات. كان أحدث الأمثلة ما جرى في شرقي حلب في عام 2016 والذي يماثل تماما ما حصل في حمص قبل عامين.

وصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة الحصار في سوريا بأنه "يُنفّذ بطريقة منسقة ومخطط لها ودون رحمة، وهو يهدف إلى إرغام السكان، بشكل جماعي، على الاستسلام أو التعرض للتضوّر جوعاً.

وينطبق الأمر ذاته على مناطق الحصار المختلفة التي حاصرها النظام منذ عام 2012 وحتى عام 2016، حيث استخدم الحصار في الحرب السورية بوصفه سلاح حرب، وقد وصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة الحصار في سوريا بأنه "يُنفّذ بطريقة منسقة ومخطط لها ودون رحمة، وهو يهدف إلى إرغام السكان، بشكل جماعي، على الاستسلام أو التعرض للتضوّر جوعاً. وقد أدى الحرمان من الغذاء والمياه والكهرباء والدواء إلى سوء التغذية وحدوث وفيات في أوساط الفئات الضعيفة، مثل المسنين والرضع وصغار الأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة. وتعرضت المجتمعات المحلية المحاصرة، التي ظلت عالقة من دون الحصول على الضروريات الأساسية وفي ظل الخوف الدائم من القتل على أيدي القناصة أو بسبب عمليات القصف، للصدمات النفسية الحادة واليأس الشديد".

كما تعرض السكان المدنيون في المناطق المحاصرة في نواحي البلد للتطويق والحصار والمنع من المغادرة والقصف دون تمييز والقتل والتجويع ومنعوا بصورة روتينية عن الإجلاء الطبي وتوصيل المواد الغذائية الحيوية والمواد الصحية وغير ذلك من الإمدادات الجوهرية - وكل ذلك في محاولة لفرض استسلام هؤلاء “الذين يحكمون” أو يسيطرون على المناطق التي يعيش فيها السكان المحاصرون. فمع أواخر عام 2012 تحول الحصار إلى استراتيجية للحكومة وفق الشعار الذي كتبه جنود جيش النظام على أكثر من جدار "الجوع أو الركوع" من أجل فرض حصار طويل الأمد ودخلت هذه الاستراتيجية حيز التنفيذ بالكامل في عام 2013. ومنذ ذلك الحين أصبحت كوسيلة تم توظيفها بشكل منتظم في جميع نواحي البلاد كوسيلة من وسائل العقاب الجماعي.