غير بيدرسن: الهروب من السياسة والدوران في الفراغ

2022.02.01 | 05:04 دمشق

image1024x768.jpg
+A
حجم الخط
-A

حضر المبعوث الخاص، غير بيدرسن، إلى قاعة مجلس الأمن في نيويورك الأسبوع الماضي واستمع الأعضاء منه إلى آخر التطورات في سوريا، لا سيّما في ظل الاهتمام بالأحداث الأخيرة في الحسكة شمال شرقي سوريا، بالإضافة إلى التطورات على صعيد مشاوراته خلال الفترة الماضية.

كان من الواضح أن بيدرسن يتناول الأوضاع الإنسانية هربا من الاستحقاقات السياسية التي يجب عليه، بسبب موقعه، فرضها على اللاعبين الخارجيين والداخليين في سوريا، والغريب أنه أهمل بالمقابل الشعب السوري ومطالبه رغم أنه يتحدث عنه.

وعلى أهمية كلام بيدرسون وقوله إن مأساة الشعب السوري تتعمق مع احتياجات 14 مليون مدني إلى المساعدة الإنسانية. وإن أكثر من 12 مليون شخص في عداد النازحين، يواجهون ظروف الشتاء القارس. وعشرات الآلاف محتجزون أو مختطفون أو مفقودون، وإن التعليم يشهد تدهورا شديدا وما تزال البلاد منقسمة بحكم الأمر الواقع، والمجتمع ممزق بشدة.

على أهمية كل هذا الكلام ولكن المهمة التي أرسل من أجلها المبعوث لا تختصرها كلمته، حيث لا يرى السوريون أي تقدم ملموس نحو حل سياسي جاد، والعالم كله بات يعلم ما يمرون به من ظروف سيئة، ولكن ماذا يفعل بيدرسن لحلها؟ رغم اعترافه بأننا أمام حالة من الجمود الاستراتيجي.

لا أريد أن أكرر تصريحات بيدرسن، ولكن أين ملامح العمل الجدية في مهمته الأساسية؟ وجميعنا بتنا نعرف وكذلك أعضاء مجلس الأمن أنه لا توجد جهة فاعلة أو مجموعة جهات فاعلة قادرة على تحديد مسار الصراع أو حسم نتائجه، وأن الحل العسكري ضربٌ من الخيال، فلماذا يكرر الكلام العام نفسه ولا يبحث في دقائق الأمور والتفاصيل؟

يدور بيدرسن في المطالب المبهمة ذاتها في موضوع الخطوة بخطوة، ثم يلتف عليه ليقول إن هذا الموضوع في إطار 2254

كل ما يريده وما يمكن اختصاره من كلام بيدرسن أنه يطالب النظام والمعارضة على حد سواء بتقديم تنازلات للوصول إلى نجاح، وهو ما لا ينعكس على الوضع في سوريا على الأرض، فقد رأى أنه لا يزال عمل اللجنة الدستورية مخيّباً للآمال. وأن التحدي الحالي كما يراه هو التأكد من أن الوفود لا تقدم نصوصا دستورية فحسب، بل إنها "على استعداد أيضا لتعديلها في ضوء المناقشات، لمحاولة إيجاد أرضية مشتركة، أو على الأقل تضييق مساحة الاختلافات"، ليدور بيدرسن في المطالب المبهمة ذاتها في موضوع الخطوة بخطوة، ثم يلتف عليه ليقول إن هذا الموضوع في إطار 2254.

والغريب أيضا أن يفتح بيدرسن الباب أمام مقاربات جديدة وأن يذكرها الآن حين يعلن عن ترحيبه بأي أفكار جديدة في ملف الموقوفين والمختطفين والمفقودين، والمساعدات الإنسانية.. أي أفكار جديدة في ملف يجب أن يكون لها الأولوية بعيدا عن أي ضغط.

عموما تغلب على تصريحات بيدرسن وكلماته نظرة التفاؤل في التقدم لتطبيق القرارات الأممية، إلا أنه سرعان ما يعود بعدها ليسحب إيجابيات كلامه ويصطدم بالفشل الذي لا يعترف به لكنه يلامس حدوده باستمرار، وهو يحاول ألا يطرح مجددا أن النظام رفض القيام بأي خطوات من شأنها بناء الثقة، مثل إطلاق سراح عشرات آلاف المعتقلين في سجونه، ولم يكشف النظام مصير المغيبين، على مدى أحد عشر عاما. 

ورغم أن هذا الملف من أهم الملفات خلال العملية السياسية، واعتبارها فوق تفاوضية، لكن يستخدم النظام هذه القضايا الإنسانية أوراق ضغط سياسي فبيدرسن يبحث له عن أفكار جديدة. 

لقد نسفت التراتبية في القرار الدولي 2254 المستند إلى بيان جنيف1 الصادر في منتصف عام 2012، من خلال التفاوض في المسألة الدستورية، قبل تحقيق انتقال سياسي تقوم به هيئة حكم كاملة الصلاحيات كما تنص القرارات الدولية، على استعداد لعقد الدورة السابعة للجنة الدستورية في جنيف حالما يتم التوصل إلى تفاهمات كما يقول، وعمل جاد ليثير في هذا التعبير كثيرا من التساؤلات وخاصة وسط تأكيداته في أكثر من مكان عن مساعيه لإعادة عقد اللجنة من دون أطر زمنية أو محددات..

ليعود بيدرسن وبعد أن أدخلنا في دوامة العدالة التصالحية، كما يراها، إلى إقحامنا في جولة مكوكية جديدة من دون أن يقدم لنا خريطة منطقية أو حلولا واضحة ناجعة.