عن نهج تركيا الجديد في ملف اللاجئين السوريين

2023.08.01 | 06:19 دمشق

عن نهج تركيا الجديد في ملف اللاجئين السوريين
+A
حجم الخط
-A

أعطت تركيا في الآونة الأخيرة إشارات متناقضة حول نهجها الجديد في إدارة ملف اللاجئين السوريين. في الوقت الذي شرعت فيه السلطات في حملة مكثّفة لمكافحة الهجرة غير الشرعية عموماً، وردت الكثير من التقارير والشهادات عن عمليات ترحيل قسري للاجئين السوريين إلى الشمال السوري ولم تستثنِ لاجئين ممن لديهم وجود قانوني في تركيا. مع أن التقارير عن عمليات الترحيل القسري لا تزال محدودة، لكنّها أحدثت بالفعل حالة من الفزع لدى اللاجئين السوريين في تركيا حول مستقبلهم. في محاولة لتهدئة المخاوف، كرر الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخراً مواصلة تركيا التزامها باحتضان اللاجئين السوريين، وانتقد خطاب الكراهية المتصاعد تجاه الأجانب عموماً واللاجئين على وجه الخصوص. لفهم النهج التركي الجديد في ملف اللاجئين السوريين، لا بُد من التأكيد على ثلاثة عوامل أساسية تُشكل في الوقت الحالي السياسة التركية في هذه القضية.

ـ أولاً، الأبعاد السياسية الداخلية:

تواجه الحكومة التركية الجديدة ضغوطاً داخلية متزايدة لإظهار تشدد في معالجة ملف اللاجئين السوريين. كنتيجة لهذه الضغوط، وعد أردوغان في حملته الانتخابية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة بالعمل على إعادة مليون لاجئ سوري إلى بلدهم في غضون فترة زمنية محددة. ومع اقتراب الانتخابات المحلية المقبلة، والتي سعى فيها حزب العدالة والتنمية الحاكم لاستعادة السيطرة على البلديات الكبرى التي خسرها لصالح المعارضة في عام 2019 مثل إسطنبول وأنقرة، يتزايد الضغط على أردوغان لتنفيذ وعده الانتخابي. بالنظر إلى أن وجود اللاجئين السوريين يتركز في المدن الحضرية الكبرى كإسطنبول، فإن الحزب الحاكم يعتقد أن تخفيف الوجود السوري في هذه المدن يُساعده في تعزيز فرصه للفوز في الانتخابات البلدية المقبلة وتقليص قدرة المعارضة على توظيف ملف اللاجئين في الانتخابات. في ضوء ذلك، فإنه من المرجح أن يستمر التشدد التركي في التعامل مع ملف اللاجئين السوريين أقله حتى الانتخابات المحلية المقبلة.

ـ ثانياً، الحاجة إلى تخفيف الوجود السوري

مع أن العامل السياسي الداخلي يلعب دوراً مؤثراً في دفع أردوغان إلى تبني نهج متشدد تجاه اللاجئين السوريين، أو على الأقل التخلي عن سياسات التساهل السابقة في التعاطي مع هذه القضية، إلا أن تركيا بدأت منذ سنوات تُقارب ملف اللاجئين من منظور الحاجة إلى التخفيف من وجود اللاجئين في البلاد. كان تحول السياسات التركية في سوريا في الأشهر الأخيرة نحو الحوار مع النظام السوري يهدف بشكل أساسي إلى توفير ظروف مناسبة لإعادة طوعية وكريمة للاجئين. مع ذلك، تُظهر مواصلة تركيا العمل على بناء مساكن جديدة لاحتواء اللاجئين في مناطق الشمال السوري بمعزل عن مسار المفاوضات مع النظام أن أنقرة واقعية في خفض رهاناتها على الحوار مع النظام لمساعدتها في إعادة جزء كبير من اللاجئين لأنها أولاً، لا تزال تعارض فعلياً عودة سيطرة النظام إلى المناطق الخاضعة للمعارضة قبل التوصل إلى تفاهم شامل معه حول مسائل غير محصورة فقط بقضية اللاجئين، وهو أمر بعيد المنال على المدى المنظور، وثانياً، لأن غالبية اللاجئين السوريين لا يزالون يرفضون العودة إلى سوريا قبل تحقيق سلام شامل وما يتطلبه من إجراء تحول سياسي. لذلك، يؤكد أردوغان على نقطتين جوهريتين في معالجة ملف اللاجئين. الأولى أن إعادة اللاجئين ستستغرق وقتاً أطول من المتوقع بفعل ارتباطها بمسار الصراع السوري عموماً، والثانية أن الظروف الأمنية والاقتصادية في سوريا لا تزال تحول دون عودة واسعة اللاجئين.

ـ ثالثاً، الموازنة بين الضغوط والمعالجات

إن مقاربة دور تركيا في الملف السوري (الوجود العسكري واحتضان اللاجئين) من منظور التبعات الاجتماعية والاقتصادية حصراً هي مقاربة ساذجة ببساطة وتفتقر إلى النظرة الاستراتيجية له. هذا الدور ساعد تركيا في أن تكون أكثر فعالية في التعامل مع التهديدات المرتبطة بأمنها القومي على رأسها المشروع الانفصالي لوحدات حماية الشعب الكردية، وضمن لها دوراً مؤثراً في تحديد مستقبل سوريا. واحتضان اللاجئين، علاوة على كونه نتيجة للالتزامات الإنسانية التركية تجاه السوريين، ساعد تركيا في خلق بيئة حاضنة لدورها في الشمال السوري وهذا عنصر لا يقل أهمية عن الوجود العسكري في تحقيق المصالح التركية في سوريا. وفق هذا المنظور، يعمل أردوغان على الموازنة بين احتواء الضغط الداخلي تجاه ملف اللاجئين السوريين والحاجة إلى التخفيف من تداعياته وبين عدم الإضرار بالاستراتيجية العريضة لتركيا في سوريا.

بمعزل عن السياقات الجديدة لإدارة تركيا لملف اللاجئين السوريين، فإن هذه القضية لا يُمكن فصلها عن الاستراتيجية التركية في سوريا عموماً. بهذا المعنى، فإن تركيا ستوازن في هذه المرحلة بين العمل على تهيئة الظروف المؤقتة لإعادة قسم كبير من اللاجئين السوريين إلى بلدهم في فترة زمنية لا تقل عن عامين، وبين مواصلة التزامها الإنساني والسياسي تجاه اللاجئين السوريين لعدم الإضرار بالحاضنة الشعبية لدورها في المناطق التي تٌديرها في الشمال السوري. علاوة على ذلك، تُدرك تركيا أنه بدون معالجة شاملة للصراع السوري، فإنه من الصعب عليها توفير البيئة المناسبة بشكل كامل لإعادة معظم اللاجئين السوريين إلى بلدهم. لا تزال أنقرة تميل في الوقت الحالي إلى تمكين المناطق التي تُديرها في الشمال من إدارة شؤونها بمعزل عن النظام لأنها على قناعة بأن تمكين النظام من العودة إليها سيدفع بموجات لجوء جديدة نحو أراضيها مع عواقب سياسية محلية كبيرة.