عن مفهوم السلام بدون بارود أو عسكر

2024.02.01 | 06:54 دمشق

عن مفهوم السلام بدون بارود أو عسكر
+A
حجم الخط
-A

ينصح صحفي بأن لا يبدأ الكاتب مقالته بحكم قيمة، رغم ذلك أبدأ كلامي بحكم قيمة بالقول، إنّ فكرة السلام والحفاظ على حياة الناس لم تكن أبداً فكرة رخيصة أو هي غير ذات قيمة. إنما العكس من ذلك تماماً، فالسلام وحياة الناس هي أغلى ما يمكن أن يملكه أيّ مجتمع بشري.

لكن أنظمة الاستبداد تعتاش على الأزمات وعلى تصنيع عدو تاريخي وتصدير كل شيء نحو الخارج، فمنذ المرحلة الابتدائية كان يتّم توجيهنا عبر هذا الشرح العسكري، بأنّ الاستعمار خرج من الباب لكن عاد ودخل من النافذة.

وجيوش الرعب، التي تمّ بناؤها على حساب التنمية المحلية، ولقمة المواطن، تعتاش على إنشاء ثقافة الحرب لتنتج جمهوراً حربجياً. ينظر إلى العالم من منظار البندقية والرصاص لا من منظار القيم الإنسانية.

هل أكتب كلاماً رومانسياً؟ ربما؟ لكن من قال لكم إن الخيال النظيف ليس جزءاً من الحياة؟

ولكي نفهم قيمة السلام لنرى كيف تمّ اغتيال هذه المفهوم الإنساني الكبير من قبل أنظمة القمع مثل نظام الأسد، فعندما كان هناك محادثات سلام بين دمشق وتل أبيب في تسعينيات القرن الماضي، تم تصدير فكرة سلام الشجعان من قبل نظام الأسد وكانت نشرات الأخبار تعيد هذه الجملة مئات المرات يومياً. فهو كنظام يحقّ له أن يلتقي بالمسؤولين الإسرائيليين ويفاوضهم بينما إذا افترضنا أن سورياً ما التقى بأي شخص إسرائيلي في الشارع كان يتم اعتقاله واتهامه بالخيانة العظمى.

كان يرافق الأنظمة في هجومها على مفهوم السلام أحزاب سياسية شمولية رضعت وكبرت من فكرة الحرب واغتيال الآخر. فالسياسة عندها عبارة عن اغتيال للآخر المختلف عنها فكرياً. عندما قام حزب الله والنظام السوري باغتيال رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري عام 2005 قاموا يومها باغتيال فكرة السلام أيضاً والاستقرار التي كان يشتغل عليها رفيق الحريري.

السلام يعني مطاراً نظيفاً ومشفى حضارياً وجامعة راقية تعمل وفق معايير الجامعات العالمية. وفوق كل ذلك السلام يعني أن تعيش الناس بأمان وتعمل وتتعلم

السلام للشعوب يعني أن يكون هناك تنمية اقتصادية ومشاريع اقتصادية وحياة وفرص عمل وتطوير لمناهج التعليم ودعم للقطاع الصحي وإنشاء بنية تحتية لخدمة المجتمع واقتصاد هذا البلد، وفي ظل مناخ السلام يأتي الرأسمال ويقيم مشاريعه، فيتم تأمين حياة كريمة للناس، وفي ظل السلام تعيش الصحافة الحرة وتعمل وتساهم بالدفاع عن مصالح الناس عبر كشفها للفساد وأسبابه وفضح الفاسدين. السلام يعني مطاراً نظيفاً ومشفى حضارياً وجامعة راقية تعمل وفق معايير الجامعات العالمية. وفوق كل ذلك السلام يعني أن تعيش الناس بأمان وتعمل وتتعلم.

إذاً فكرة السلام فكرة إنسانية وللدفاع عنها سلمياً، يجب تقوية القوى الاجتماعية المقتنعة بها.

منذ عامين عندما بدأ بوتين حربه على أوكرانيا تمّ اغتيال السلام الذي عاشت به أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك التاريخ تغيرت أوروبا وشعرت الذاكرة الجمعية للناس بالخوف وعادت فكرة أهوال الحرب العالمية التي دفعت أثمانها عموم الأوروبيين وخاصة الشعب الألماني.

كإنسان قبل كل شيء وكسوري ثانياً أشعر أن تعميم مفهوم السلام هو خطوة مهمة جداً لسحب شرعية نظام القتل الذي بناه سياساته على العداء لشعوب المنطقة.

وبالتأكيد مفهوم السلام لا يمكن أن يقوم من دون حاضنة اجتماعية تحميه وتدافع عنه، من هنا أرى أن يتمّ نقد تلك الإيديولوحيات العسكرية التي تمّ غرسها في عقول وضمائر الناس خدمة لحاكم أبدي أو أمين عام أبدي لا يريد ترك كرسي الحكم.

والديمقراطية ووسائل تطبيقها أهم ما يمكن أن يحدث من أجل دعم حياة الناس والدفاع عن مستقبلهم، والديمقراطية ليست فكرة نهائية مكتملة إنما يجب الدفاع عنها عبر الوسائل السلمية، فمثلاً من خلال الدستور الألماني يحقّ للناس التظاهر للدفاع عن الديمقراطية وهو ما يحدث هذه الأيام على الأرض وذلك من أجل مهاجمة حزب البديل والنازية الجديدة التي تهدد السلم الاجتماعي في ألمانيا بسبب ما تمّ كشفه عن أهدافه ونواياه النازية عبر وسائل الإعلام الألمانية.

البارحة استضاف التلفزيون الألماني سيدة ألمانية اسمها ماركوت فريدليندة وعمرها 102 فقالت: لا يوجد دم مسيحي أو دم يهودي أو دم إسلامي، إنما يوجد دم بشري، يوجد إنسان.

بالتأكيد سيهجم على مفهوم السلام ذات القوى العسكرية والسياسية التي تعتاش على الحروب وعلى تهديد حياة الناس، ولكن السلام فكرة قوية وأرجو أن ندافع عنها جميعاً.

عبر السلام يمكن أن يعود اللّاجئ السوري إلى بلده بدون ذلّ أو رعب. خاصة اللاّجئ المتروك للقدر في مخيمات لبنان أو في مخيمات الشمال السوري

فبسبب السلام في أوروبا المحمي من قبل الدول وشعوب تؤمن بالسلام وجد السوريون الهاربون من جحيم الأسد بلداناً استضافتهم وفتحت لها حدودها وقلبها.

القواميس الممتلئة ببارود الإيديولوجيا لا يمكن أن تقف مع السلام، لأنها أصحابها يعتاشون من خلال القتل، أمراء الحروب وأنظمة الميليشيات سترى في السلام تهديداً لاستقرارها، كذلك القيادة القطرية لحزب البعث في دمشق سترى في السلام تهديداً لها.

عبر السلام يمكن أن يعود اللّاجئ السوري إلى بلده بدون ذلّ أو رعب. خاصة اللاّجئ المتروك للقدر في مخيمات لبنان أو في مخيمات الشمال السوري.

كيف يمكن تطبيق السلام على الأرض؟ الجواب عندكم جميعاً.