عن كوميديا السياسة في هيئة المفاوضات؟!

2020.06.18 | 00:02 دمشق

nsr.jpg
+A
حجم الخط
-A

استحقاق واحد مما هو مقرر على جدول أعمالها السنوي، تمكنت هيئة المفاوضات العليا المعارضة من إنجازه حتى الآن، حيث سُلمت رئاستها إلى رئيس الائتلاف بالتزكية، بينما يتجه رئيس الهيئة المنتهية ولايته ليشغل كرسي رئاسة الائتلاف.

تبادل مواقع على طريقة (بوتين-ميدفيدف) بين السيدين أنس العبدة ونصر الحريري، كما علق الكثير من السوريين، في الوقت الذي يقود فيه الاثنان مؤسستين معارضتين يفترض أن من أنتجهما هي ثورة شعبية شاملة تستهدف تغيير النظام الديكتاتوري وإقامة حكم ديمقراطي، أبرز أركانه هو تداول السلطة.

المؤلم أكثر هو موافقة معظم أعضاء هاتين المؤسستين (هيئة المفاوضات والائتلاف) والقوى السياسية المعارضة التي تقف خلفهما على هذا الشكل من تداول المناصب، ما يشير إلى غلبة الاستثمار الشخصي أو الحزبي على مؤسسات المعارضة، بدل التوظيف الوطني لها.

لا تنتهي المشكلة عند هذا الحد، بل تكشف الخلافات التي تعصف بهيئة التفاوض حالياً حول قضية المستقلين، عن تراجع الهم العام والمصلحة الجماعية العليا على سلم الأولويات، لصالح المصلحة الفئوية أو الحزبية، وفي الوقت الذي يتفق فيه أعضاء الهيئة وكتلها على تقاسم المناصب فيها بدون أدنى اختلاف، يتطاحن هؤلاء أنفسهم على من يجب أن يمثل كتلة المستقلين فيها.

المؤلم في الأمر أن الخلاف بين كتل الهيئة حول هده الفئة لا يتعلق بصفات وإمكانات وأداء من يختلفون عليهم من الأعضاء، بل بانتماء وتوجه واصطفاف وتبعية هؤلاء الذين يحسبون على فئة المستقلين؟!!

فكتلتا الائتلاف والفصائل تعترض على طريقة اختيار المستقلين في مؤتمر الرياض-٢ في تشرين الثاني الماضي، وترى أنهم غير مستقلين حقيقة، بل يتبعون لمنصتي القاهرة وموسكو وهيئة التنسيق، بينما ترى هذه الكتل الثلاث أن المستقلين الحاليين أو القدامى ليسوا مستقلين أبداً، بل هم جزء من الائتلاف أو من الدائرين بفلكه.

من المنوط به اختيار أعضاء كتلة المستقلين.. بمعنى من الذي يرشحهم؟

دوامة تقود ولا بد إلى سؤال بديهي لكن ضروري: من المنوط به اختيار أعضاء كتلة المستقلين.. بمعنى من الذي يرشحهم؟

فكتلة الائتلاف تختار ممثليها في الهيئة، ومنصة القاهرة تقوم بالأمر ذاته، كما تفعل هيئة التنسيق ذلك بطبيعة الحال، وهكذا دواليك بالنسبة لجميع الكتل السياسية، لكن المستقلين، باعتبارهم لا يتبعون لأي جهة أو مؤسسة سياسية، من الذي يرشحهم لعضوية هيئة المفاوضات؟!

الواقع أنه ليس لدينا مستقلون في هذه المؤسسات بالمعنى الحقيقي والكامل للكلمة، بمعنى أن فئة المستقلين توجب بالضرورة أن يكون الترشح عنها مفتوحاً ومتاحاً لكل السوريين المعارضين من مختلف المناطق والأعمار، وأن يتم التصويت على اختيار ثمانية منهم لشغل مقاعد الكتلة في الهيئة العليا للتفاوض من خلال المعارضين المستقلين أنفسهم، لكن ما يجري عملياً هو أن من يقرر قبول هذا المرشح المستقل أو هذه الأسماء المرشحة عن المستقلين هم أعضاء الهيئة أنفسم، ممثلي الكتل السياسية الأخرى!.

الجزء الآخر من اللغط القانوني الدائر حول هذه النقطة هو مدة الدورة الانتخابية لفئة المستقلين، هل هي سنة واحدة ويتم اختيار بدلاء جدد عنهم، كما تقول منصتا موسكو والقاهرة وهيئة التنسيق، أم دائمة، كما تقول كتلتا الائتلاف والعسكر؟!

أيضاً لا يوجد جواب حاسم، وهنا إشكال جديد طالما أن أحداً لا يعرف في الحقيقة على ماذا ينص النظام الداخلي للهيئة بهذا الخصوص، وإذا ما كان قد تم تعديله مع توسيع الهيئة عام ٢٠١٨ ليلحظ هذا التغيير، أم أن التغيير حصل (بالموانة) دون تغيير الأنظمة والقوانين؟!

استهتار كبير تقابل به مؤسسات المعارضة وقواها السياسية الحالية معاناة السوريين ومأساتهم المفتوحة، إلى درجة يصبح من الصادم معها أن يتحدث ممثلوها عن استهتار النظام بالشعب أو عن الديمقراطية، وبالتالي يغدو بديهياً هذا التجاهل الذي باتت حاضنة الثورة تعامل به مؤسسات المعارضة التي يفترض أنها تمثلها.

ما سبق لا يعني أن هذه المؤسسات تفتقد للشخصيات الوطنية أو الأسماء النظيفة، بل هم موجودون ويعملون ما بوسعهم فيها، لكن مثلهم مثل كل السوريين الذين آمنوا بهذه المؤسسات يوماً، يعانون هيمنة المصلحة السياسية الضيقة، والانتماءات الأيديولوجية الفضفاضة على مفاصل هذه المؤسسات، ما يعيقهم ويعيقها عن أداء الدور الحقيقي المنتظر منهم.