عن دروس تفضيل "فان دام" استمرار نظام الأسد

2023.08.13 | 06:06 دمشق

عن دروس تفضيل فان دام استمرار نظام الأسد
+A
حجم الخط
-A

 تواترت في السنوات القليلة الماضية الأصوات التي تتحدث عن فشل الثورة السورية، وعما ينبغي أن نتعلمه مما آلت إليه الأوضاع في سوريا، حيث نشر مركز حرمون في 01 آب/ أغسطس الجاري مقالاً للدبلوماسي والكاتب السياسي، نيكولاس فان دام، بعنوان "الدروس التي ينبغي تعلمها من الثورة السورية.."، قدم فيه ما يشبه جردة حساب مستعجلة، إن لم أقل رغبوية، بناها على فرضية أنه بعد مرور 12 عاماً من اندلاعها، فإن "الثورة فشلت فشلاً ذريعاً"، لأن نصف مليون شخص مات، وتشرد عشرة ملايين سوري، والبلاد مدمرة، ولا يزال النظام في السلطة، وهناك كثير من المناطق تحتلها قوى عسكرية وميليشيات أجنبية، وسوى ذلك من المقدمات التي يسوقها، كي يخبرنا بأن الوقت قد حان كي يقدم دروسه التي ينبغي الاستفادة منها، والتعلم منها كذلك.

بداية أتفق مع ما يقوله بشأن ضرورة تقديم صورة واقعية عما حدث، وعدم إطلاق كلمات لطيفة داعمة، وخلق توقعات وآمال خاطئة، وإن كثيراً من "المراقبين"، ومن ضمنهم سوريون، قدموا صورة غير واقعية، تفتقر إلى المعرفة بسوريا، وتمتزج بتفكيرهم الرغبوي، ولا أدري لماذا لم يشر إلى السياسيين، وكان من بينهم قادة غربيون في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وسواهم.

ربما لا يريد فان دام الاعتراف بأن من حق السوريين أن ينالوا حريتهم، وأن الحرية، التي تعني الخلاص من الاستبداد، هي ما حرّك شباب سوريا الثائر

غير أن الواقعية التي يدعو إليها فان دام، أوصلته إلى مطالبة "أولئك الذين أرادوا الإطاحة بالنظام السوري أن يكونوا متأكدين من معرفتهم به، وأن يكونوا على دراية بنوع ردة الفعل المتوقعة"، مع أنه يعلم أن الذين خرجوا بمظاهرات احتجاجية، عفوية وسلمية، في بداية الثورة السورية عام 2011، وطوال أشهر مديدة، لم يخرجوا من مراكز أبحاث ودراسات، ولم يكونوا "مراقبين"، أو باحثين، أو مفكرين، بل هم شباب كسروا حاجز الخوف، وخرجوا من ظلمات واقعهم إلى الشوارع، تعبيراً عن غضبهم من ممارسات السلطة الأسدية المستبدة، معلنين تمردهم على واقع ظالم لا يطاق، فطالبوا بالحرية والكرامة. وهذا حال كل الثورات الحديثة، أو بالأحرى ثورات الحرية.

ربما لا يريد فان دام الاعتراف بأن من حق السوريين أن ينالوا حريتهم، وأن الحرية، التي تعني الخلاص من الاستبداد، هي ما حرّك شباب سوريا الثائر، وهي التي تحرك الأفراد في كل الثورات، وتحرّك شعوب العالم، وتحرك التاريخ أيضاً، ولا يحتاج الكاتب لأن يتشرب الفلسفة الهيغيلية أو سواها في مقاربته للثورات، كي يدرك ذلك، ومثلما قالت حنة أرندت، فإن كلمة ثورة لا تنطبق إلا على الثورات التي يكون هدفها الحرية، والثورة توصف بأنها ثورة، بالنظر إلى ما تنتجه من حالة خلق لواقع جديد، سواء على مستوى النظام السياسي، أم على صعيد البنى الاجتماعية أو الاقتصادية، وهي تنبع بالأصل من فكرة التحرر من القمع أو اللامساواة. ولم تكن مصادفة أنه بعد أسابيع قليلة على اندلاع الحراك الاحتجاجي في سوريا على نظام الأسد، طرح الناشطون في الفيسبوك على صفحة "الثورة السورية ضد بشار الأسد"، سؤالاً على جمهور المحتجين، حول ما إذا كانوا يعتقدون بأن الجيش السوري سيقف إلى جانب الشعب على غرار ما حصل خلال ثورتي تونس ومصر، وكانت النتيجة أن أكثر من سبعين في المئة منهم أجابوا بأنهم لا يتوقعون ذلك، الأمر الذي يشي بأن الغالبية العظمى من المتظاهرين كانوا على دراية بطبيعة نظام الأسد وبسلوكه، وأنه لن يتوانى في زجّ المؤسسة العسكرية العقائدية للقتال دفاعاً عنه، وتصويب فوهات بنادقها إلى صدورهم.

لم يتوان نظام الأسد عن ارتكاب أبشع المجازر والجرائم ضد شعوبه، وخرق جميع الأعراف والقوانين الدولية، طالما يعي أن العالم (الحر وغيره) لن يفعل الكثير حيال معاقبته على تلك الجرائم

أظهرت الثورة السورية أن الأنظمة التي على شاكلة نظام الأسد الاستبدادي، لا تردعها أي قيمة لا وطنية ولا إنسانية ولا أخلاقية، لذلك لم يتوان نظام الأسد عن ارتكاب أبشع المجازر والجرائم ضد شعوبه، وخرق جميع الأعراف والقوانين الدولية، طالما يعي أن العالم (الحر وغيره) لن يفعل الكثير حيال معاقبته على تلك الجرائم، بل إنه تمكن من الإفلات من العقاب، حينما أبرمت الإدارة الأميركية صفقة مع الساسة الروس نيابة عن نظام الأسد، عندما ارتكب في 21 آب 2013 مجرزة في غوطة دمشق بالأسلحة الكيميائية، وقضت تلك الصفقة بتسليم مخزونه من الأسلحة الكيمياوية، مقابل تراجع إدارة أوباما عن توجيه ضربة عسكرية له، عقاباً له على تجاوزه الخط الأحمر الذي وضعه باراك أوباما بنفسه، الأمر الذي جعله يتمادى في ارتكاب المجازر بحق السوريين. والأنكى من ذلك هو أن فان دام حين يأتي على ذكر استخدام النظام للأسلحة الكيمياوية (لا يأتي على ذكر المجزرة وضحاياها)، يضعه في سياق درس موجه للقادة الغربيين، حيث ينصحهم بأن لا يدلوا بتصريحات لا يتابعونها بشكل كاف، ويصمت عن حيثيات الصفقة التي أبرمت بين الساسة الروس والأميركيين.

ليس جديداً القول بأن الأنظمة القمعية لا ترضح لأصوات وصرخات المحتجين السلميين، وأنها مستعدة لأن تدمر البلد مقابل بقاء النظام الاستبدادي الشمولي، حتى وإن استدعى الأمر استقدام كل قوى الخارج وتحويل البلد إلى جملة مناطق خاضعة لاحتلالات مختلفة، لكن الجديد هو أن يجادل فان دام من جديد في تحميل الطرفين مسؤولية الكارثة التي عمت سوريا بعد عام 2011، وسبق له أن قال كلاماً مشابها في كتابه الثاني عن سوريا وهو "تدمير أمة"، الذي تُرجم تحت عنوان "تدمير وطن: الحرب الأهلية في سوريا"، واتهم فيه كلاً من النظام والمعارضة بالتواطؤ على خراب أمة وتدمير وطن، فيما لم يقدم شيئاً عن كيفية تكوين وبنية نظام الأسد الشمولي، وطبيعة المصالح لقوى السلطة وزبائنيتها ومحسوبياتها، والتي لم تظهر سوى ممارسات القتل والقمع والسجن والتعذيب طوال عقود مديدة، ووضعت سوريا وناسها في أوضاع جحيمية، وأفضت إلى تدمير الوطن لأن ناسه اعترضوا عليها، ومع ذلك يطلب فان دام من السوريين والعالم محاورة هذا النظام، وأن "فشل الحوار يظل أفضل من فشل الحرب"، وكأن السوريين هم من شنوا الحرب على النظام وليس العكس، الأمر الذي يعبر عن فقدانه الحس الإنساني والأخلاقي، ولا يغفر له تحليله السياسي الفاشل، الذي يساوي بين المجرم والضحية، وتفضيل استمرارية نظام الاستبداد الأسدي.