عن تركيا التي تغيرت

2023.07.21 | 18:16 دمشق

آخر تحديث: 21.07.2023 | 18:16 دمشق

سوريون ينتظرون العبور إلى سوريا
+A
حجم الخط
-A

في النظر إلى مسار علاقة تركيا مع المعارضة السورية منذ بداية الثورة وحتى اليوم نجد أن هناك منعطفات وتحولات جذرية حصلت في الموقف التركي من النظام والمعارضة معاً ولأن المجال لا يتسع لسرد كل هذه المتغيرات سأبدأ من حيث وصلنا.

يجب علينا اليوم أن ننزع عنا أوهام الماضي مهما في هذا الأمر من مرارة وشعور بالخذلان لأن هناك واقعاً جديداً اليوم علينا أن نتكيف معه فتركيا تخلت عن مطلب إسقاط الأسد بشكل واضح وعلني وهي تسعى اليوم للتطبيع مع النظام لأجل مصالحها الاقتصادية وأمنها، التطبيع متعثر ويمضي بخطىً متثاقلة لكنه سيحصل آجلاً أم عاجلاً وبغض عن النظر عن طبيعته ومآلاته لكن علينا أن ننسى كل ما فات وننظر إلى ما تحت أقدامنا جيداً.

المعارضة بمختلف مؤسساتها الرسمية والحزبية باتت اليوم ضعيفة وهشة  ومغيبة وكأنها غير مرئية نتيجة صيغة العلاقة بينها وبين الجانب التركي، فلا هي قادرة على أن تكون فاعلة في الشمال المحرر ولا لها أي تأثير يذكر على وضع السوريين في تركيا وما يحدث مؤخراً خير دليل على غياب-تغييب كل هذه الكيانات لدرجة أنها لم تصدر أي بيان يطالب الحكومة التركية بالقيام بدورها لأجل وقف هذا التحريض المجتمعي على السوريين ولوقف عمليات الاحتجاز التي تحصل في إسطنبول.

شاهدنا سابقاً كيف كان الائتلاف والمجلس الإسلامي وجماعة الإخوان يصدرون البيان تلو البيان في مواقف كثيرة منها ما هو داعم للموقف التركي ومنها ما يعارض قرارات وتوجهات الحكومة التركية بما يتعلق بالملف السوري لكن الجميع صامت اليوم وكأن على رؤوسهم الطير.

ولقراءة أفضل لمجمل الموقف التركي من المعارضة والنظام معاً يجب أن لا نغفل ما يحدث في المنطقة منذ بداية هذا العام وحتى الآن، هناك ميل أكثر للتقارب بين كل القوى الإقليمية والدول الفاعلة في المنطقة وشاهدنا كيف كانت أول جولة خارجية للرئيس التركي باتجاه السعودية والإمارات وقطر ولا يجب هنا إغفال أن السعودية تولت مهمة عودة النظام للجامعة والإمارات التي أغدقت العقود والاستثمارات على الرئيس التركي هي من أوائل من طبع مع النظام وأعاد العلاقات معه، يعني أن السعودية والإمارات ستمارسان دورا ما في تقريب وجهات النظر بين تركيا ونظام الأسد وربما نشهد لاحقا لقاء بين الرئيس التركي ورأس النظام في السعودية، لأن السعودية بعد اتفاقها مع إيران برعاية صينية تريد الحفاظ على هذا الهدوء في اليمن لأجل هدفها الاقتصادي المتمثل برؤية 2030 ولا يمكن استدامة الهدوء في اليمن من دون علاقة وطيدة مع دمشق، وإسطنبول بوابة مهمة من بوابات دمشق، وما تصريح الرئيس التركي قبيل جولته الخليجية بساعات عن نيته لقاء الأسد _لكن الأسد هو من يعرقل هذا اللقاء حسب وجهة النظر التركية_ إلا دليل على وجود طلبات أو ضغوضات من السعودية على تركيا للمضي قدما في التطبيع مع نظام الأسد لأجل الاستقرار الإقليمي حسب وجهة نظر الجانب السعودي، وتركيا تريد علاقة قوية مع دول الخليج لأجل جلب الاستثمارات ولضخ الأموال في شرايين الاقتصاد التركي.

إقليمياً أيضا هناك محاولات إيرانية للحفاظ على مكتسباتها العسكرية وتثبيت نفوذها في الدول التي غزتها بقطعان ميليشياتها عبر الحفاظ قدر الإمكان على اتفاقها مع السعودية وتعزيز علاقاتها مع بقية دول الخليج والمنطقة لأنها أيضا تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، ومؤخراً كثر الحديث عن تطبيع سعودي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وكان حديث سفيرة المملكة في واشنطن لافتاً وجريئاً حيث إنها لم تطرح تطبيعا سعوديا فقط لكنها تحدثت عن دمج إسرائيل في المنطقة من بوابة التكامل الاقتصادي، صحيح أن السعودية تضع شروطا للتطبيع منها الحقوق الفلسطينية لكن من يتابع مسار السياسة السعودية في آخر عشر سنوات يدرك أن المفاجآت حاضرة بقوة ويمكن أن تتغير 180 درجة بكل سلاسة وما استقبال الرياض لأول فريق رياضي إسرائيلي قبل أيام _حيث عزف النشيد الإسرائيلي لأول مرة في السعودية _ إلا دليل على أن الرياض جادة في مسعاها للتطبيع والتفرغ لمشروعها الضخم 2030.

هناك اليوم عملية "تطفيش" واضحة تمارس بحق السوريين سواء كأفراد أو كمؤسسات سياسية وككيانات مجتمعية، صار السوري عبئا بحسب رؤية الكثير من الأحزاب السياسية في تركيا سواء في التحالف الحاكم أو في تحالف المعارضة، عملية التضييق الحاصلة حاليا هدفها أن يغادر تركيا من السوريين كل  من يستطيع المغادرة سواء إلى سوريا أو أي وجهة أخرى المهم أن يغادر، لأن الخطاب التراكمي الذي حصل في السنوات الأخيرة نتج عنه مزاج عام كاره للسوريين ويحملهم تبعات الأزمة الاقتصادية الخانقة وباتت جميع الأحزاب على قناعة بأن أسرع طريقة للوصول لقلب وصوت الناخب تأتي عبر إعطائه وعودا بترحيل وعودة السوريين.

التضييق يجري أيضاً على مؤسسات المعارضة فحين لايجرؤ أي كيان على إصدار مجرد بيان وحين يعجز الائتلاف مثلا عن استخراج إذن سفر داخلي لأحد أعضائه للتنقل من ولاية لولاية أخرى ندرك جيدا أن هناك مرحلة جديدة وأن تركيا التي كانت ذهبت ولن تعود.

لا يعني ما سبق أن كل شيء انتهى ولا هو دعوة للتشاؤم والإحباط لكنه مجرد حجر صغير ملقى في بحيرة ينبهنا لأجل أن نجد صيغة أفضل للعمل معاً من دون أوهام الماضي ولأجل أن نبقي قضيتنا حاضرة رغم كل محاولات دول الإقليم طي صفحة الثورات بكل كياناتها وشخوصها وأحلامها.