عندما يُصرّح عمالقة "نظام الأسد"

2022.07.12 | 06:03 دمشق

بشار الأسد
+A
حجم الخط
-A

عندما تتفتق عبقرية عنصر في غرفة أخبار إعلام "منظومة الاستبداد" تعليقاً على إحدى مظاهرات السوريين ضدها، واصفاً  صوت الحرية ذاك بأنه دعاءٌ  للمطر؛ وعندما تعتبر مسؤولة الثقافة في المنظومة أن منسوب القراءة في سوريا قد ازداد، بسبب الانقطاع شبه المستمر للتيار الكهربائي؛ وعندما يلغي وليد المعلم أوروبا عن الخريطة في تصريح، ويذكّر بأن مَن يريد التدخل في سوريا عليه التنسيق معنا ( أي مع منظومة الاستبداد الأسدية)؛ فمن غير المستغرب أن نسمع ترهات وزير خارجية المنظومة،  الذي يرى بأن المشروع الأميركي في سوريا قد تمت هزيمته. هذا يسرّنا ؛ ولكن إذا كان ذلك المشروع وغيره من المشاريع قد هُزِمت، فلماذا لا يثبت نظامه انتصاره بعودة الاستقرار والكهرباء والماء والأمان والسيادة والحياة في سوريا؟!

 مؤخراً، لفتني حديث إعلامي للسيد فيصل مقداد، حول "العملية السياسية" السورية؛ حيث لم يرَ عقَبَة أمامها إلا التدخل التركي الذي "عيّن وفد المعارضة"، والدول الأخرى التي "عيّنت بعض أعضاء وفد المجتمع المدني". ومن الواضح أنه حتى لو عيّن الأجنبي هؤلاء، فالعيب ليس على الأجنبي، بل على سلطة الاستبداد التي أوصلت البلاد إلى هذا الحال المزري. وإذا كان الأجانب وراء هؤلاء السوريين الذين يحملون الهوية ذاتها، التي يحملها هو والذي عيّنه؛ فالاستبداد ذاته هو الذي تسبب بتحويل سوريا إلى حالة مشاع فاقدة السيادة. من جانب آخر، أليس وفده ومَن أرسله بحكم العبيد عند المحتل الإيراني والروسي؟! ولو تُرِك أمر الاشتراك لموافقة منظومة الاستبداد، هل كانوا سيشاركون في اللجنة؟! أليس الروس هم الجهة التي تجبرهم على إرسال وفدهم؛ علّهم يستفيدوا مزيداً من الوقت للبقاء، ويخدعون العالم بأنهم يشاركون في العملية السياسية؟!

 وإن كان الآخرون يخدمون جهات خارجية كما يدعي، ألا يُكسِب تضييع الوقت في هذه اللجنة المحتل الخارجي لوضع اليد على كل مقدرات سوريا، وأخذها ورقة مساومة في قضاياها وأزماتها وحل مشكلاتها مع العالم على حساب الاستمرار بأخذ سوريا رهينة بوساطة منظومة الاستبداد الحريصة فقط على بقائها، حتى ولو تحوّلت سوريا إلى أرض يباب؟!

في اللقاء الإعلامي ذاته، تحدَّث المقداد عن رفض بعض الأصوات داخل اجتماعات الدستورية لرفع ما يسميه " العقوبات والإجراءات القسرية أحادية الجانب"، متجاهلاً أن وقف تلك الإجراءات مشروط بالاشتراك في أعمال اللجنة وإنجاز العملية السياسية. ولو كان "نظام" المقداد حريصاً على رفعها، لما عرقل العملية السياسية على الدوام، ولما كان حضور وفده بضغط من روسيا، وفقط لخداع السوريين والعالم بأنهم حاضرون. ألم يصفها متحدثون من منظومة الاستبداد بلعبة تكتيكية؟!

يطالب المقداد بحديثه بتعويضات وإعادة إعمار لما دمّره الإرهاب والتدخل الخارجي؛ وهل كان الإرهاب غير داعش التي كان قوامها عناصر نظام الأسد، وممَن أطلق نوري المالكي سراحهم من معتقلات العراق، ومن حرس الملالي الثوري؟! وهل التدخل الخارجي رمى البراميل على البلدات والمدن السورية؟! وهل صواريخ بوتين وطائرات السوخوي، وتفاخره بتجربة مئات أصناف الأسلحة في سوريا، تدخل داخلي وحرص على سوريا؟! فهل مَن دمّرَ حريص على العمار والإعمار؟! وهل ميليشيات طهران وسوخوي بوتين والبراميل وتعذيب المعتقلين والتطهير العرقي  عوامل مساعدة في عودة اللاجئين الآمنة والطوعية في منأى عن أي شروط سياسية خارجية؛ كما يهرف؟! من ذا الذي يدفع "ميقاتي وعون" إلى الضغط باتجاه عودة اللاجئين السوريين إلى ما يسمونه "حضن الوطن"؟! وهل مَن هجّر حريص على عودة أحد؟ وما هو مصير من يعود؟ ألم يكن اللواء عصام زهر الدين - ببطشه وسذاجته - خارج السرب، عندما قال:"نصيحة من هالدقن، لا ترجعوا". حيث قُتل على إثر ذلك؟!

الملفت أن المقداد يتحدث عمّا يسميه "مؤسسات الدولة" و"السيادة الوطنية" و"التماسك الاجتماعي"؛ و"حاضر السوريين ومستقبلهم". ولا ندري عن أي "مؤسسات" يتحدث؛ أهي المؤسسة العسكرية التي دمّرت البلد بدلاً من أن تحمي حدوده، أم " الأمنية" التي أعدمت الأمان في سوريا، أم "الاقتصادية" التي أفقرت وجوعت وأذلّت السوريين؟!

عن أي خرق للسيادة الوطنية يتحدث هذا المنفصم، عندما تغيب "سيادة" نظامه بالمطلق، إلا بالاتجار بالمخدرات، وبتحويل حياة السوريين إلى جحيم؟ فهل يمكن لعصابته اتخاذ أي قرار دون الرجوع لإيران وروسيا؟! وأي سيادة هذه، وسوريا ممزقة على الأقل لخمسة أجزاء؟ وهل بقي من التماسك الاجتماعي ما يُذكَر، وقد عاشت منظومة الاستبداد على الفِتَن وتحريض الأخ على أخيه من خلال عصابات ربطتها بها؟ ألا يعرف المقداد محاولات منظومته المستميتة لرمي الفتنة بين "محافظته"/درعا/، وأهلها في جبل العرب؟! أي تماسك اجتماعي في ظل تخريب المجتمع بتصنيع المخدرات ونشرها والاتجار بها؟! وأي "حاضر ومستقبل" يتحدث عنه بعد تخريب وتدمير حاضر سوريا والسعي إلى إعدام مستقبلها؟!

لن يفيد منظومة الاستبداد غزل قتلة الجزائر معها، ولا صلاة منافقين في حلب التي دمّرها حماتهم الروس أوعبث الإيرانيين فيها، ولا "فيتو" الروس السابع عشر لخنق النازحين السوريين. أما تناول المقداد للمنخرطين بمهزلة عبثية تُسمى"لجنة دستورية"، فهو ما يستحقه هؤلاء.  إن إصرارهم على الاستمرار بهذه المهزلة لم يعد غفلة أو تغافلاً؛ بل أضحى محل شبهة لا بد أن تتوقف. وهذا برسم كل سوري-سوري. الحق السوري واضح، ويحتاج مخلصين للتمترس عنده بطرائق مختلفة عن الاستسلام لمشيئة قَتَلَةٍ مستبدين باعة أوطان؛ والسوريون  وقضيتهم يستحقون إرادات وعقولاً ونفوساً مختلفة عمّا ابتليوا به؛ وهم قادرون على إنتاجها.