icon
التغطية الحية

عمل السوريين في ألمانيا.. حلم لا يطوله أصحاب الشهادات العليا

2020.11.24 | 05:22 دمشق

2018-08-21t102348z_1264602471_rc1e25ab22f0_rtrmadp_3_germany-employment-refugees_0_0_0.jpg
لاجئ خلال تعلمه أحد المهن في ألمانيا (رويترز)
برلين ـ أسامة القطريب
+A
حجم الخط
-A

لا يعتبر العمل في ألمانيا من أهم الأمور التي تشعل بال اللاجئين عموماً والسوريين خاصةً فحسب، بل يُعَدّ شرطاً لا بد منه وضماناً أساسياً لبقاء اللاجئ في ألمانيا، أو على الأقل ليتخلص اللاجئ من قلق قد يتحول إلى خوف من خسارته إقامتَه في البلاد مستقبلاً.

لكن العمل في ألمانيا ليس بالأمر السهل لكل اللاجئين خاصة حاملي الشهادات العليا، مع أن الاقتصاد الألماني هو رابع اقتصاد في العالم، وسوق العمل الألمانية سوق واسعة تحتاج إلى القوى العاملة باستمرار، فقد صرح " دانييل تيرزينباخ" عضو مجلس إدارة وكالة العمل الاتحادية لوكالة الأنباء الألمانية " د ب أ" بأن هنالك حاجة لمزيد من القوى العاملة من الخارج لجعل نظام الضمان الاجتماعي "صامداً في المستقبل ".

وعلى ما يبدو فإن هذه الحاجة هي حاجة لليد العاملة وليس لأصحاب الشهادات العليا الذين حصلوا عليها في بلادهم الأم، مع استثناء قطاع الصحة الذي يستمر باستقدام المختصين من الأطباء والممرضات وغيرهم من العاملين في القطاع الصحي.

"علي" طبيب داخلية سوري يعمل اليوم في أحد المشافي شمال ألمانيا استطاع بعد ثلاث سنوات من وجوده في بلاد المهجر أن يحصل على عمل بعقد غير محدود.

يشرح " علي" لموقع تلفزيون سوريا مسيرته للحصول على عمل: " لم يكن الأمر سهلاً في البداية فقد كان عليَّ تعلمُ اللغة الألمانية والوصول إلى مستوى أعلى مما يُطلَب من اللاجئين الوصول إليه، ثم الاعتراف بشهادتي التي حصلت عليها في سوريا إضافة إلى الخضوع لدورة اختصاصية في المجال الطبي لتأكيد القدرة اللغوية في المصطلحات الطبية عند الطبيب الأجنبي".

اقرأ أيضا: سوريون في ألمانيا: الجوب سنتر يهدر وقتنا

إذا كانت اللغة الألمانية عند وافد جديد كـ "علي" لا تشكل عائقاً حقيقياً في طريق حصوله على عمل باختصاصه، فهي العقبة الأولى والأصعب التي واجهها " رامي" وهو لاجئ سوري قدم إلى ألمانيا سنة 2015 مع الموجة الأكبر من اللاجئين.

" رامي" يحمل شهادة في العلوم السياحية وهو الآن يخوض غمار  تجربة في اختصاص جديد مختلف تماماً عن اختصاصه، فهو مسجل في دراسة مهنية أو ما يدعى " آوسبيلدونغ" تختص بالتصوير الشعاعي.

يقول " رامي" لموقع تلفزيون سوريا موضحاً الصعوبات التي يواجهها:"منذ عام تقريباً وأنا أدرس في هذا المجال وهو ذو مستقبل مضمون من ناحية العمل ويحصل العامل فيه على راتب جيد، وهذا ما دفعني أن أختص به رغم بعده عما تعلمته وعما أختص به، وقد ظننتُ أنني بعد حصولي على المستوى " B2" في اللغة الألمانية، ظننت أن اللغة الطبية ومصطلحاتها لن تشكل عائقاً لي لكنني كنت مخطئاً وأنا اليوم أشعر باليأس والإحباط لعدم قدرتي على متابعة المعلومات في المحاضرات بالسرعة المطلوبة، كما أن الوقت الطويل في المركز التعليمي، يصيب زملائي الألمان بالإنهاك فكيف بي وأنا الغريب الجديد على اللغة الألمانيه؟! ثم إن عليّ بعد العودة إلى شقتي أن أنفق ما تبقى من اليوم على الترجمة ومحاولة فهم المواضيع التي تناولتها المحاضرات، ثم القيام بالواجبات الدراسية المنزلية وبالتالي وجدت نفسي دون حياة اجتماعية أو حتى شخصية مع فقدان الأمل بالإنجاز..".

ويضيف "أنا مصاب بالإحباط والكآبة وأفكر جدياً بترك هذا المجال رغم أنني لم أجد البديل بعد!".

 

 

صحيح أن الدراسة المهنية " الآوسبيلدونغ" هي الطريق الأمثل للحصول على عمل في ألمانيا حتى للألمان أنفسهم إذا كانوا غير راغبين في الدراسة الجامعية الطويلة نسبياً مقارنة بالدراسة المهنية، لكنها لم تكن البديل الذي اختاره " وسام" وهو مدرس لمادة اللغه العربية وحاصل على درجة الماجستير في الأدب المقارن.

وقد صرح " وسام" لموقع تلفزيون سوريا أنه كان متفائلاً جداً في بداية إقامته في ألمانيا، فقد استطاع العمل في مدرسة ابتدائية كمدرس مساعد وذلك بعد عام واحد من لجوئه.

يقول شارحاً معاناته في رحلة البحث عن عمل:"لقد استطعت إيجاد مكان لي في المدرسة الابتدائية القريبة من مكان سكني، فساعدت بداية في تعليم الطلاب اللاجئين ثم الطلاب الألمان، فدرستهم اللغة الإنكليزية التي أتقنها، واللغة الألمانية والرياضيات، ورغم أن عملي لم يكن عملاً بمقابل مادي إلا أنني توسمت خيراً في المستقبل إذا أُضيفت مساعدتي هذه إلى سيرتي المهنية".

للأسف كان الواقع مختلفاً عما تمنى وسام، فرغم الحاجة الماسة للمدرسين في المدارس الألمانية ونقص هذه الكوادر، إلا أن الحصول على فرصة للعمل كمدرس براتب حقيقي هي فرصة نادرة وتتطلب إجراءاتٍ معقدةً لا يعلمها الموظفون في المؤسسات الحكومية المسؤولة عن مساعدة اللاجئين، فكان لابد له من البحث بنفسه ومراسلة وزارة التربية في الولاية التي يعيش فيها وفي النهاية وصل إلى طريق مسدود كما يقول.

ويضيف " وسام" "بعد أربع سنوات في دراسة اللغة الألمانية والمحاولات الفاشلة، بدأت في سنتي الخامسة بالبحث عن بديل العمل في التدريس، وبما أنني لا أرغب في الدراسة المهنية التي ستستغرق على الأقل ثلاث سنوات، فقد بحثت عن أسرع طريق لإيجاد عمل ووجدت أن قطاع العناية بالمسنين هو أسرعها بسبب الحاجة المتزايدة  لليد العاملة المفقودة في هذا القطاع، وأنا الآن أخضع لدورة تدريب مهني مدتها ستة أشهر سأتمكن بعد اجتيازها من العمل في أحد مراكز العناية بالمسنين".

ويتابع "رغم عدم قناعتي بأنه العمل الأنسب لي، لكنني لم أجد وسيلة أفضل أتمكن بها من الحصول على عمل بأقرب وقت ومن ثم الحصول على الإقامة الدائمة".

تبقى مشكلة إيجاد عمل في ألمانيا واقعاً يعاني منه أصحاب الشهادات العليا من اللاجئين الذين يرغبون في متابعة عملهم الذي تعودوا القيام به في بلدهم الأم واكتسبوا فيه خبرة وبراعة.

في الجهة المقابلة، لا نجد أحداً من أصحاب المهن الحرة والحرف اليدوية يواجه هذه المشكلة، فهم بالعموم قادرون على إيجاد أعمال ضمن اختصاصاتهم بسهولة نوعاً ما، وإنِ اقتضى الأمر في بعض الأحيان القيام بتدريب مهني لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، ولكنّ إيجادهم لعمل مناسب هو أمر ميسّر لهم أكثر من أصحاب الشهادات العليا.

يقول "عصام" لموقع تلفزيون سوريا موضحاً كيفية إيجاده عملَه: " كنت أملك صالون حلاقة رجالياً في سوريا، وعندما وصلت ألمانيا كان عليّ تعلم اللغة الألمانية دون التعمق فيها، فقد كان يكفيني تعلم ما أحتاجه للتعامل مع الزبائن وتعلم مفردات وعبارات المهنة".

بعد سنة واحدة استطاع عصام إيجاد عمل في صالون حلاقة تركي وهو الآن يداوم بعقد عمل مفتوح، ولا يتلقى أية مساعدات من الدولة.

مشكلة العمل في ألمانيا هي همٌّ ثقيل على عاتق اللاجئين أصحاب الشهادات العليا وإنِ اختلفت تجاربهم ونجاحاتهم في هذا المجال  لكنّ المؤكد أنهم يواجهون صعوباتٍ جمةً في استغلال شهاداتهم التي تعبوا في تحصيلها وأنفق بعضهم نصف حياته للحصول عليها.

وما يعمق هذه المشكلة هو الاختلاف الثقافي بين البلد الأم وألمانيا وكذلك الإجراءات المعقدة وطويلة الأمد في بلد معروف بالبيروقراطية الورقية وأكثر القوانين المكتوبة في العالم.