icon
التغطية الحية

على غرار "معاداة السامية".. هل مِن قانون يدين الهولوكوست السوري؟ (2-2)

2023.08.05 | 14:04 دمشق

ضصثي
+A
حجم الخط
-A

تعتبر ثورة العبيد الأولى "135 ق.م" التي قادها يونس السوري من أوائل الثورات في تاريخ البشرية، وهي سورية بكل المقاييس، لذلك ليس من المستغرب أن يكون لثورة السوريين المعاصرة هذه التداعيات العالمية، فهي ثورة على العنصرية والعبودية، ويمكن للسوريين المساهمة في إنجاز تشريعات قانونية عالمية تحفظ كرامة الإنسان أينما كان وتحقق الانتصار على  نظام الأسد الذي يعتبر الشكل المعاصر "شديد الوضوح" لجميع أشكال العبودية والعنصرية في العصر الحديث.

العبودية والاسترقاق قديمة قدم المجتمعات البشرية لكنها ارتبطت بمرحلة استقدام الأفارقة إلى الأمريكيتين لبيعهم أو استخدامهم للعمل المجهد في المزارع، والمناجم، وأعمال الصناعة والبناء.

الاستعباد كنتيجة للحروب

يبين بحث "تاريخ العبودية في أميركا.. حقائق مغيبة لم تدرس في المدارس" أن قصة العبودية في الولايات المتحدة لا تزال مبهمة لأغلب الأمريكيين رغم مرور 400 عام على استقدام الأفارقة كعبيد إلى الولايات المتحدة.

البحث السالف يؤكد على موت نصف الأفارقة المستعبدين بعد استيلاء القراصنة الإنكليز على سفينة برتغالية كانت تنقلهم ليستخدموا في الأعمال الشاقة الإجبارية، قبل أن تمر العقود اللاحقة ويصدر إعلان تحرير العبيد، خلال الحرب الأهلية الأميركية (مطلع 1863)، الذي ورد فيه أن "جميع الأشخاص المحتجزين كعبيد داخل المناطق المتمردة، سيكونون أحرارا من الآن فصاعدا" ليضع حدا للعبودية في الولايات المتحدة الأميركية.

رحلة المستعبدين الأفارقة والمجبرين على خوض البحار في سفن شبه آمنة، ينقلنا للعصر الحديث حيث يركب اللاجئون من مختلف الجنسيات والأعراق قوارب الموت طوعا للوصول إلى نفس البلدان المتمتّعة بالحرية التي حرموا منها في بلدانهم، وليعملوا بوظائف يتقاضون عليها أجورهم بكرامة، وفي كلتا الحالتين فإن هذه القوارب، سواء حملت لاجئين في العصر الحديث أو عبيدا في العصور السابقة فإنها نتيجة حروب، وقتال، وظلم واستبداد.

هناك من يرى أن العالم المتحضر يستطيع القضاء على الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت والسير لمسافات طويلة، إلا أنهم يفضلون السير وفق قوانين الطبيعة، فالذي لا يقاوم هذه الظروف القاسية يموت، ولا يصل إلا الأصلح والأقوى، والقادر على العمل فكبار السن والمرضى غالبا لا يتمكنون من الوصول وبالتالي الواصلون هم من فئة الشباب القادرة على العمل.

العبودية المعاصرة

مؤشر العبودية العالمي:

يعبر مفهوم العبودية الحديثة عن الممارسات التي تحد من حرية الإنسان وتقيده كالعمل الإجباري في ظروف لا إنسانية ودون حقوق وكذلك الزواج القسري والاتجار بالبشر الذي تمارسه بعض عصابات المخدرات وتجارة الجنس.

هذا النوع من الاستعباد "يزدهر بصمت" بحسب مؤشر العبودية العالمي الذي يشير إلى أنه من بين كل 1000 شخص سوري، هناك 9 أشخاص خاضعين لشكل من أشكال العبودية الحديثة، كما يبين المؤشر أن هناك احتمال تعرض أشخاص آخرين للعبودية الحديثة بنسبة عالية تبلغ 83 بالمئة بينما لم تتوفر للمؤشر أي معلومات حكومية عن الإجراءات الكفيلة بتقليص النسب. وبالمقابل، تحتل سوريا الترتيب 27 عالميا والخامس إقليميا في عدد حالات العبودية الحديثة.

ولإنهاء أو تقليص الأعداد يوصي المؤشر (النظام) بضرورة "الإنهاء الفوري لتجنيد واستخدام الجنود الأطفال من قبل القوات الحكومية والقوات الموالية للحكومة، وفرض قيود على مدة الخدمة العسكرية الإجبارية، وتسريح الأفراد الذين تجاوزوا حد الخدمة، ووقف التجنيد المخادع والقسري للاجئين العائدين، والإنهاء الفوري للقيود المفروضة على إيصال المساعدات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وكذلك ممارسات استغلال المساعدات لمعاقبة أولئك الذين يعبرون عن أراءهم".

هذه التوصيات تفسر انخفاض النسبة في سوريا (9 من 1000)، فالأرقام مبنية على أعداد التجنيد الإجباري وتجنيد الأطفال، ولم تتطرق إلى المعتقلين والمغيبين قسريا، وإلا فستكون النتيجة مختلفة، كما ستتضمن التوصيات أيضا الإفراج عن المعتقلين.

تجنيد الأطفال:

يوثق تقرير خاص لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" أن هناك حالات لتجنيد الأطفال عند "قوات سوريا الديمقراطية/ قسد" وفصائل المعارضة السورية وقوات نظام الأسد و"هيئة تحرير الشام" حيث يتضمن التقرير حالات محددة وتفاصيل وشهادات من أولياء الضحايا حيث يكون تجنيد الأطفال عند "قسد" بما يشبه الخطف، وفصائل أخرى تعتمد على الأدلجة الحزبية أو الدينية.

 استطاع التقرير توثيق حالات التجنيد تلك عند "قسد" وفصائل المعارضة، وتبقى الأعداد قابلة للقياس، ويمكن للصحافة المستقلة والمنظمات الدولية لقاء أولياء الضحايا، بينما نجد أن هناك أخبارا متواترة ينقلها التقرير عن حالات تجنيد عشرات الأطفال ضمن صفوف الميليشيات الموالية للنظام السوري في دمشق وريفها دون أن نسمع أو نقرأ تقارير توثق ذلك لانعدام حرية التعبير وعدم السماح للهيئات الإعلامية المستقلة بالوصول لذوي الضحايا أو مناطق التجنيد.

الجدير ذكره أنه في قضية تجنيد الأطفال تزول الفروقات بين العبودية الحديثة والعبودية التقليدية القديمة، فكلاهما يستخدمان الأطفال في الحروب من خلال الأدلجة والإقناع ببعض الوعود سواء الدنيوية أو الوعود المقدسة.

عمالة اللاجئين:

يصف الكاتب التركي "أورهان بورصلي"  في مقال "إذا غادر السوريون سينهار الاقتصاد: استغلال السخرة" ظروف العمالة السورية في تركيا بأنها أشبه بحالة العبودية، حيث ينتقد بنية الاقتصاد التركي التي لا تزال قائمة على العمالة الرخيصة وليس على التكنولوجيا المتقدمة.

يعبر الكاتب في نهاية مقاله عن أسفه وحزنه الشديد على الأعمال الشاقة التي يبذلها العمال اللاجئون الذين يجبرون على العمل كعبيد، وذلك بعد استعراض الأرقام الرسمية للعمالة السورية ومناقشة ظروف العمل والأجور وتصريحات المسؤولين والمهتمين بقضايا الاقتصاد واللجوء.

والمثير أن المقال القديم المنشور عام 2021 لا يزال يعبر عن واقع العمالة السورية في تركيا وكأن شيئا لم يتغير للأفضل.

جزء من هذه العمالة هو عمالة أطفال، ولكن المسح الوطني لعمالة الأطفال عام 2019 الذي أجراه معهد الإحصاء التركي استبعد عمالة الأطفال السوريين ليبين أن نسبة عمالة الأطفال الأتراك فقط هي بحدود 4 بالمئة. ووفق بحث "عمالة الأطفال بين اللاجئين السوريين في تركيا" الذي ترجمته وحدة الترجمة في مركز حرمون للعربية فإنه "لتدارك قصور الرقم السابق أجري مسح بالتعاون مع منصة (Upinion) البحثية على عينة من مجتمع اللاجئين السوريين عبر الإنترنت، حيث بين المسح أن "41 بالمئة من الأطفال السوريين يعملون، 26 بالمئة منهم يعملون داخل أسرهم، و 15 بالمئة خارج أسرهم، كما أن 31 بالمئة من الأسر لديها طفل عامل واحد فقط، و 53 بالمئة لديهم أكثر من طفل عامل"!

تحرير الإنسان السوري

ختاماً، مع اختلاف السياقات الاجتماعية والسياسية والعسكرية، سواء بين أحداث الحرب الأهلية الأميركية، أو ما ذكرناه في الجزء الأول عن الهولوكوست ومحارق النازيين وإحصاءات ضحايا الحروب، مع أحداث الثورة السورية؛ ألا يمكن العمل على قانون عالمي جديد، على غرار القوانين المعادية للعنصرية ضد السود، والمعادية للسامية، لردع التوحش ضد السوريين اليوم؟