على أعتاب عامها الرابع عشر.. هزمنا وانتصرت الثورة

2024.03.16 | 06:15 دمشق

على أعتاب عامها الرابع عشر.. هزمنا وانتصرت الثورة
+A
حجم الخط
-A

يحتاج المرء إذا أراد أن يضع أقدامه على أرض ثابتة أن يراجع الأحداث والتطورات والمستجدات التي مرت به بين الفينة والأخرى، وذلك أكثر ما يكون في إنساننا العربي على الصعيد الشخصي وربما لم يقدّر لتلك الاستراتيجية السلوكية التنظيمية أن تجد طريقها في مجتمعاتنا حتى اليوم إذا ما تعلق الأمر بالشأن العام، ولعل الثورة السورية وهي على مشارف عامها الرابع عشر واحدة من أكبر الضحايا لأبنائها الآثمين بما فيهم من عقوق وأمراض وأوجاع وآلام.

وكان لا بد لي في ذكرى جديدة للثورة السورية أن أتبرأ من نفسي التي أصبحت أنكرها وكأننا لم نلتق يوما، وأنا أزعم أني معني إلى حد ما فيما كنت أخاله يوما قضيتي ومشروعي الذي تشاركته مع ثلة من أصحابي دفعوا ثمنه حياتهم ودفعت ما هو أكثر من الحياة، وحيدا أجترع خيباتي الواحدة تلو الأخرى وأذوق مرارة الفشل يوما بعد آخر ولا أجد إلا الحسرة على ما ضيعت في جنب ثورة وهبتنا فرصة لعلها لن تتكرر في قابل الأيام لو أحسنا معها صنعا، وتنازلنا عن شيء من حظوظ أنفسنا ولا سيما من كان منا صنيعة أوجدته الثورة وتحول على حين غرة إلى كاتب أو شاعر أو أديب أو مفكر أو باحث أو رجل رأي وفكر مستظلا تحت ظل وارف بأوصاف ومسميات ربما تجاوزت الثورة والوطن على حد سواء.

وحتى أقطع الطريق على حجم المأساوية والسوداوية القائم في نفسي فإني ما زلت مؤمنا بأن الثورة السورية ملحمة لم يسطر التاريخ الحديث مثلها، ولم تنتج البشرية أعظم منها على أصعدة مختلفة أبرزها الخط الفاصل بين شعب أعزل من كل شيء وقاتل متعطش للبطش ومسلح بكل شيء، وتلك معركة يجب أن تكون خاسرة منذ ساعاتها الأولى لكنها لم تخسر على الحقيقة، وذلك دليل آخر لا شك فيه على أن بقاء الثورة حتى الآن يأتي في سياق الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ وتجاوزت حدود المعقول والمقدر الذي يمكن لكائن بشري أن يدعيه، وإلا فإن الأداء الذي قدمناه خلال سنواتها الطويلة لا يمكن أن ينتهي إلا إلى مدارك الهاوية وحدود اللاشيء متجاوزا بذلك كل حدود الإخفاق والخيبة.

وحتى لا يطول الجدل حول سردية الهزيمة تلك فإن الأمور تقرأ من عناوينها، ولقد حرصت كل الحرص على أن أجد عنوانا واحدا أستطيع أن أبني عليه بطلان ادعائي لكن لم ييسر لي الوصول إلى شيء واقتصر الأمر لدي على أناس قدموا الغالي والرخيص ليكتبوا الكلمات الأولى في مفردات لم ندركها حتى اليوم، وانتهى المطاف بهم إلى المقابر، وأسدلت عليهم ستائر من الخمول والنسيان، ولعل أحد لم يعبأ بهم فوجدتنا حتى في انتصارنا أمواتا، ولم نفلح يوما إلا في تقديم دمائنا وأرواحنا وكان حريا بمن لا يتقن إلا ما أتقنا أن يصل إلى ما وصلنا، فما زالت المجتمعات الإنسانية تتفاخر بالأحياء من أبنائها وبما أنجزوه على أعينهم وفي حياتهم أما نحن فما يصل الواحد منا إلى مراتب الخلود إلا في اللحظة الأولى لوفاته وينتهي في نهاية الأمر إلى كتب التاريخ، ولا بد لي أن أشعر بالقشعريرة مرة أخرى عندما يذكر التاريخ وأنا شاهد على أجزاء كثيرة تلوكها الألسن وتنسفها عن روايتها أمام العين ولا تجد حتى أن ترفض أو تعترض أو تحاول تصحيح ما كنت شاهدا عليه أو على جزء منه ذات مرة.

عقد ونيف من الزمن مرة أخرى قد لا يكون كافيا لأن تصنع مجتمعا متكاملا متجانسا متعافيا، ولكن ربما كان بمقدورك أن تضع اللبنة الأساسية في مبادرة أو مؤسسة أو مشروع سياسيا كان أو إعلاميا أو فكريا أو على واحد من الأصعدة التي يمكن التنبؤ من خلالها بغد أفضل، لكن أي من تلك الأحلام لم يجد إلى الحقيقة مدركا وانتهى به الأمر كابوسا مزعجا وحملا ثقيلا يطالعك كل يوم في كل ما يحيط بك ويشمت ويسخر ويهزأ وربما يتمادى أكثر وأنت لا تملك عن رد المقدر ولا تستطيع إلا أن تكون جزءا من هذا الخراب المنتشر في شرق الأرض وغربها.

عقد من الزمن والعجلة تمضي متجاوزة حدود الهاوية ليصل الحال بنا ليس إلى العجز وحسب بل إلى التأقلم به وقبوله والتعايش معه في مشهد يحمل من التناقض ما لا يمكن وصفه، فكلما ازدادت النخب وقادة الرأي ومؤسسات الفكر ازددنا تخلفا وانحدارا وازدادت قضيتنا تشتتا وتعقيدا وضياعا، وفي الوقت ذاته أصبحت ثورتنا أكثر ثباتا واتساعا وإلهاما، وتلك واحدة من الجدليات التي يجب الوقوف عليها وتمحصيها وتدقيقها وربما في لحظة سيظل السؤال الذي يطالعك صباح مساء ماذا حققنا؟.. لكن لا أظن أننا نملك الإجابة فأنى لفاقد الشيء أن يعطيه وكيف يمكن لعاجز عن بناء نفسه أن يبني وطنا.