icon
التغطية الحية

عصر ما بعد الانستغرام.. هل الخصوصية هي الرومانسية الجديدة؟

2024.06.05 | 14:42 دمشق

حبيبان يلتقطان صورة سيلفي أمام البحر - المصدر: الإنترنت
حبيبان يلتقطان صورة سيلفي أمام البحر - المصدر: الإنترنت
The Independent- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لفترة من الزمن، لم يكن بوسعك عزيزي القارئ أن تمضي دقيقتين على الإنترنت من دون أن ترى شخصاً وهو يطلق مشروعاً بصورة فعلية، لكنه بكل تأكيد لا يروج لمنتج جديد أو لمركبة فضائية بوسع الإنسان العادي ركوبها، بل كان هؤلاء الأشخاص ينشرون صوراً لأنفسهم برفقة شريكهم الجديد عبر إنستغرام، مع عبارة توضيحية بلغة فصيحة فيها قدر كبير من نكران الذات وبنبرة لا تطاق مثل: "شهران مع هذا الكائن" أو: "أخبروا الصحافة".

يبدو الأمر مقززاً بعض الشيء، شأنه شأن كل ما يظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تجد أيضاً الانطلاقة التجريبية وتعني ظهور الأمر نفسه ولكن بدلاً من نشره كصورة على إنستغرام فإنه ينشر كصورة على القصص! أو قد يشارك الشخص صورة ليد شريكته أو لظهرها بينما يظهر هو بوجهه.

وبصرف النظر عن الانطلاقة الحقيقية أم التجريبية لعلاقة ما، يبقى المدلول نفسه، لأن تلك النزعة المتغطرسة جعلت الناس يشعرون بأنهم مجبرون على الإعلان عن دخولهم في علاقة جديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبالطبع لابد أن يتسم ذلك ببعض المزايا بالنسبة للمشاهير أو المؤثرين الذين لديهم ملايين المتابعين، ولكن هذا الأمر ليس على هذا القدر من الأهمية بالنسبة للناس العاديين.

ومع ذلك، كثيرون من بيننا قاموا بذلك، لأن هذا الإعلان يحمل بين ثناياه إحساساً بالفخر والاعتزاز، وكأن المرء قد شطب خانة معينة ألا وهي الحصول على شريك. أما التأكيد على صحة المعلومة فيتدفق مع كل إعجاب وتعليق، ومعظم الإعجابات والتعليقات تأتي من الغرباء، بما أن أصدقاء المرء وأهله سيكونون أصلاً على دراية بكل أموره عندما ينشر عن شريكه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

نزعة جديدة

ولكن يبدو أن هنالك شيء قد تغير الآن، فقد زاد عدد من يتخلون عن الإعلان عن الانطلاقة الحقيقية أو التجريبية للعلاقة تماماً، على الرغم من نشاطهم على وسائل التواصل، إذ تقول جاس، 31 عاماً، من لندن: "دخلت في علاقة عاطفية طويلة ولم أشارك له أي صورة على الإطلاق" ويبدو أنها لا تعتزم نشر أي صورة لحبيبها مستقبلاً، إذ تقول: "أفضّل أن أبقي الصور لنا سوية، لأن ذلك يشعرني بأن الأمور واقعية أكثر".

وهذا ما تشعر به كيلي، 21 عاماً، والتي دخلت في علاقة عاطفية مع حبيبها قبل عام من دون أن تنشر له أي شيء عبر الإنترنت، وعن ذلك تقول: "أصبحت قضية أن ينشر المرء كل شيء عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشكلة كبيرة، لذا نفضل الابتعاد عن ذلك لنخفف وطأة الضغط على علاقتنا، إذ إننا لا نريد لأي شخص أن يطرح أي سؤال علينا أو أن يتوقع أي شيء منا، بل تركنا أمورنا لتتدفق بسلاسة، فمن الرائع أن تعرف بأن الناس لا يفكرون بعلاقتكم ولا يطالونها بثرثرتهم".

كما أن ذلك يحمي المرء من حكم الناس عليه، إذ إن معظمنا يطلق أحكامه على الناس وهو يمرر آخر الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما دفع كيلي لتضيف قائلة: "لا يوجد لدينا أشخاص يحاولون التدخل بعلاقتنا أو إثارة الفتن بيننا عمداً، وذلك لعدم وجود أي شخص يعتقد أنه يعرف كل شيء عن علاقتنا، أي أن ما لنا سيبقى لنا وسيظل بيننا".

يأتي هذا الرفض على الرغم من فورة النشاط عبر الإنترنت التي تعقب خبر الإعلان الرسمي، مثل عطلاتنا معاً، واحتفالاتنا بالذكرى السنوية لعلاقتنا، بل ربما الإعلان عن الخطوبة، ولهذا لا عجب في أن توثق كل تفاصيل علاقتنا ومساراتها عبر آخر الأخبار.

بوصفي شخصاً يمتلئ حسابه على إنستغرام على الدوام بإعلانات الخطوبة، وفحوصات الحمل، وحفلات أعياد الميلاد التي تقام للشريك، أصبحت ألاحظ تماماً موجة الانسحاب من كل ذلك، وتفضيل الخيار الذي نادراً ما يرجحه أحد لكنه صار شائعاً بشدة وهو تقديم الخصوصية في الحياة العاطفية، وهذا ما تحس به صديقاتي أيضاً، وبينهن صديقة وصفت نفسها في السابق بأنها "متصلة بالإنترنت بشكل مزمن" إلا أنها لم تنشر أي صورة لحبيبها إلا بعد مرور ثلاث سنوات على مواعدته، وقد شرحت ذلك لي بقولها: "كل ما أردته هو أن أحتفظ بشيء لنفسي" في إشارة لعلاقة غرامية سابقة شاركت خلالها كثيراً من الصور والقصص والتفاصيل.

هوس الإفراط في النشر

تعتبر المبالغة في مشاركة التفاصيل أثراً ثانوياً مزعجاً لثقافة وسائل التواصل الاجتماعي، لأن الأمر مبني على فكرة التصرف وكأننا نجوم برنامج الواقع الذي نمثله، وثمة نتائج واضحة لذلك تنعكس على علاقاتنا العاطفية، وأهمها الضغط الذي تحدثت عنه كيلي. ولكن هنالك عنصر التمثيل أيضاً، إذ لمن تنشر صور حبيبك؟ ألا يعرف حبيبك مسبقاً مدى عشقك له؟ ولماذا نحس بضرورة إخبار حفنة مع الغرباء على الإنترنت عن هذا الأمر بالتحديد؟

بوسع هذا الأمر أن ينقلب وبكل بساطة وسهولة إلى هوس مرضي، إذ إن إبداء القلق تجاه تفاعل الناس مع المنشورات المتعلقة بك أنت وشريكك قد يدفعك لاستخلاص معنى من أمور لا معنى لها على الإطلاق، كأن تسأل نفسك: "لم يعجب هذا الصديق بالمنشور الذي ظهرنا فيه سوية، فهل هذا يعني أنه لا يدعم علاقتنا؟"، وغير ذلك من الأسئلة. بعد ذلك، وكأي شيء آخر نشاركه عبر الإنترنت، هنالك إحساس بضرورة إظهار صورة مثالية عن نفسك وشريكك، وهذه الصورة لا تعكس الواقع البتة، إذ كيف لها أن تعكس الواقع أصلاً؟!

إن ذلك يتناقض مع فكرة الرومانسية من أساسها، ولقد استخلصت كثيراً من المعاني من خلال علاقاتي السابقة بكل صراحة، لأني ركزت كثيراً على عدم مشاركة الشخص الذي أحبه لصوري معه بعد أشهر من لقائنا، فصرت أكيل الاتهامات بخيانة حبيبي لي نتيجة لذلك، بيد أن هذا الوضع غير صحي، ومن المستحيل أن يفضي إلى علاقة حب، لكني عندما كبرت صرت أنظر نظرة أعمق لتلك الأمور، فالخصوصية ميزة، لذا عندما سأدخل في علاقة غرامية، ستصبح عندي الخصوصية على رأس الأولويات.

 

المصدر: The Independent