icon
التغطية الحية

عام على التطبيع.. كواليس جديدة وآمال لم تكتمل

2021.08.14 | 21:16 دمشق

ap2-1-960x640.jpg
ترامب ونتنياهو ووزيرا الخارجية الإماراتي والبحريني، في حفل التوقيع على "اتفاق أبراهام" (AP)
إسطنبول - خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

قبل عام كامل وبالتحديد 13 آب/أغسطس 2020 أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عبر تغريدة على حسابه على التويتر عن التوصل إلى اتفاق سلام بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، واصفاً الأمر بأنه "اختراق تاريخي"، وذلك بعد مكالمة هاتفية جماعية أجراها مع رئيس وزراء إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو وولي العهد الإمارات محمد بن زايد.

أطلق الزعماء الثلاثة على اتفاقهم اسم "اتفاق أبراهام"، ليدشنوا مساراً جديداً في العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، يقفز فوق القضية الفلسطينية ومعادلات الصراع العربي الإسرائيلي.

وعلى الرغم من انضمام البحرين سريعاً لـ "قطار التطبيع" ومن ثم المغرب والسودان، بدرجات متفاوتة وزخم أقل، إلا أن الحديث كان يجري عن انضمام ست دول عربية في مقدمتها المملكة السعودية، الهدف الأبرز في هذا المسار، والتي تبدو اليوم أبعد من الانضمام إلى الاتفاق مما كان يخطط له ويروج عن اقترابها الوشيك من ذلك.

بعد عام من انطلاق القطار بات من الواضح أن سرعته تباطأت وسقف الطموحات العالية بولادة عصر "السلام من أجل السلام" مع العرب من دون الفلسطينيين، الذي بشر به نتنياهو، اصطدم بتجدد الحراك الفلسطيني في القدس وغزة، في أيار/مايو الماضي، الذي أربك إسرائيل داخلياً وأعاد تعاطف الشعوب العربية مع القدس وغزة، وعرضها لانتقادات دولية، ولاسيما بعد وصول الديمقراطيين بقيادة بايدن إلى البيت الأبيض.

وعلى الرغم من إعلان إدارة بايدن التزامها باتفاقيات التطبيع الحديثة، إلا أنها أقل حماساً وأكثر انضباطاً من سابقتها، وتعمل على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية عبر إعادة الدعم المالي والحوار مع السلطة في رام الله، لدرجة أن وزارة الخارجية ترفض استخدام مصطلح "اتفاق أبراهام" وتستبدله بتسمية "اتفاقيات التطبيع".

كما جمّد بايدين، في تموز/يوليو الماضي، العمل بـ "صندوق أبراهام" الاستثماري إلى أجل غير مسمى، الذي دشنه سلفه ترامب لدعم مشاريع التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والإمارات والبحرين عقب التوقيع على اتفاقية التطبيع، بحسب موقع "غلوبس" الإسرائيلي.

وعلى الرغم من "دفء" العلاقات بين تل أبيب وأبو ظبي، وما تضمنها من تبادل للسفراء والزيارات الرسمية والوفود التجارية، إلا أن الوتيرة مع المنامة أقل بكثير نتيجة انخفاض حماس البحرين للتطبيع مع إسرائيل.

في حين لم يحمل التطبيع مع المغرب بصمات شعبية تشير إلى "سلام"، وإنما مجرد استئناف للعلاقات الدبلوماسية وإعادة الرحلات الجوية المباشرة بين الرباط وتل أبيب، كان آخرها قبل أيام افتتاح وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لابيد مكتب تمثيل دبلوماسي في الرباط.

أما السودان الذي يمر بمرحلة انتقالية مضطربة فأعلن في كانون الثاني/يناير الماضي انضمامه إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، وفق صفقة سياسية يتم فيها شطب اسم السودان من القوائم السوداء (الدول الداعمة للإرهاب) إضافة إلى إغراءات اقتصادية مقابل إعلان الخرطوم إلغاء قانون المقاطعة الإسرائيلية، ولكن إلى الآن لم يقدم أي من الجانبين على افتتاح سفارة أو مكتب تمثيل دبلوماسي لدى الآخر.

ويشير تقرير إسرائيلي حديث إلى أن الخرطوم تشعر بخيبة أمل من نتائج اتفاق التطبيع في ظل استثمارات أميركية غير كافية فيها، نتيجة عدم إيفاء واشنطن بوعدها بالاستثمار في مشروعات الزراعة والتكنولوجيا في السودان، بحسب تلفزيون "كان" الإسرائيلي.

كواليس جديدة.. كيف بدأت القصة؟

بمناسبة مرور سنة على إعلان اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات نشرت صحيفة "يسرائيل هايوم" تفاصيل تقول إنها "حصرية" عن كواليس التحضير لـ "اتفاق أبراهام" ومتى بدأت الفكرة وما هي تعرجاتها واللقاءات التي أفضت إليه.

وتنقل الصحيفة هذه التفاصيل التي تنشرها لأول مرة، عن مصدر إسرائيلي رفيع المستوى، لم تذكر اسمه، كان أحد المشاركين في المحادثات التي أفضت إلى توقيع الاتفاق، ويترجم موقع "تلفزيون سوريا" أبرز ما جاء فيها.

في 15 شباط/فبراير 2017، استضاف البيت الأبيض الاجتماع الأول بين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، وقتها قدم نتنياهو لمضيفه رؤيته للسلام مع الدول العربية.

كان نتنياهو قبل ذلك اللقاء بعامين، أي في عهد الرئيس أوباما، قد خلص هو ومستشاروه إلى أن المنطقة باتت ناضجة للخوض في عمليات سلام بين إسرائيل ودول الخليج، على عكس ما كان مهيمناً على الخطاب السياسي في كل من إسرائيل والغرب لعقود من الزمن، حول عدم إمكانية تحقيق هذا التطور إلا بعد حل شامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ويقول المصدر الإسرائيلي إن تل أبيب تلقت في 2015 رسائل واضحة من دول خليجية تبدي رغبتها بالتقارب والتعاون من تحت الطاولة، وذلك على خلفية تداعيات "الربيع العربي" وظهور داعش وانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وتقليص الاعتماد العالمي على النفط وتنامي الخطر الإيراني بعد التوقيع على الاتفاق النووي وخطاب نتنياهو في الكونجرس ضد هذا الاتفاق.

رفضت واشنطن رؤية نتنياهو لتوقيع اتفاقيات تطبيع مع دول الخليج، وعمل أوباما ووزير خارجيته جون كيري بشكل جاد لمنع حدوث ذلك، لأنهم لا يريدون أن تحصل تل أبيب على مزايا من الدول العربية من دون أن تقدم تنازلات في الملف الفلسطيني.

ماذا قال نتنياهو لترامب؟

كما أن ترامب ومستشاريه شككوا بمدى فعالية ما يفكر به نتنياهو، رغم تعاطفهم الكبير مع إسرائيل لأنهم لا يتوقعون إمكانية حدوث "اختراق" بشأن تطبيع الدول العربية مع إسرائيل من دون الفلسطينيين، واستمرت محاولات إقناع الإدارة الأميركية المترددة عامين كاملين بالرؤية الإسرائيلية.

ويذكر المصدر الإسرائيلي موقفاً لافتاً جرى في اللقاء الأول بين ترامب ونتنياهو في محاولة من الأخير لإقناع الإدارة الأميركية.

قال نتنياهو لترامب: هل تذكر الاجتماع السري على متن سفينة في قناة السويس، بين الرئيس روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية؟ في ذلك الاجتماع وُلد التحالف بين الرياض وواشنطن بشكل فعلي (على الرغم من رفض الملك طلب روزفلت السماح لـ 10 آلاف يهودي بدخول فلسطين).

وأضاف نتنياهو طالباً من مضيفه: "خذنا (في إشارة إلى نفسه وإلى وليي العهد السعودي محمد بن سلمان والإماراتي محمد بن زايد) إلى سفينة في البحر الأحمر، وأجلسنا معك.. هذا ممكن. . سوف تصنع التاريخ".

لم يوافق ترامب، لأنه وفريقه لم يكونوا مقتنعين بما يريده نتنياهو من دون إشراك الفلسطينيين، ولا سيما مع وجود أحد أصدقاء المقربين من ترامب، رونالد لاودر، الذي أقنعه بأن "عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين" ممكنة، ولكن نتنياهو يتهرب.

 

RAT-TRUMP-Y-ARABES-130820.jpg
فريق ترامب يصفقون له تحية على إنجاز إعلان الاتفاق (رويترز)

 

كيف اقتنع ترامب؟

وفي تلك الفترة كان ترامب حريصاً على تحقيق خطته الخاصة للسلام في المنطقة، المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، وبعد عامين من العمل عليها ونتيجة العديد من الزيارات واللقاءات التي أجراها فريق ترامب بقيادة صهره جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات في المنطقة، اتضح للإدارة الأميركية إلى أين تتجه دول الخليج.

يقول المصدر إن "الأمر استغرق عامين كاملين حتى يقتنع فريق ترامب بأن الخطاب العربي حول القضية الفلسطينية ليس سوى ظاهرة صوتية (تشدق كلامي)".

ومن جانب آخر، كان لعدم تجاوب السلطة الفلسطينية مع الإدارة الأميركية في الذهاب لعملية سلام أثر في تبني مخطط نتنياهو لتوقيع اتفاقيات تطبيع مع العرب وتجاهل الفلسطينيين

إضافة إلى الدور الذي لعبه سفير إسرائيل لدى واشنطن رون دريمر، المقرب جداً من نتنياهو، في نشر التصور الإسرائيلي في الأوساط الأميركية وجماعات الضغط اليهودية في واشنطن.

كما أن للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، دورا في تقريب العلاقات بين تل أبيب وأبو ظبي، وتشجيع الوساطة الأميركية لإطلاق "اتفاق أبراهام"، وظهر العتيبة ودريمر في أول مناسبة جمعتهما في المعهد اليهودي للأمن القومي (JINSA) في نهاية عام 2018 بواشنطن.

اليوم وبعد عام على إعلان عن "اتفاق أبراهام"، يبدو أن قطار التطبيع يراوح مكانه على عكس توقعات مهندسيه وآمالهم بانضمام دول عربية أخرى، وأرادوا له أن يكون "سلاماً حميماً" يتجاوز الواقع ويختلف عن اتفاقيات "السلام البارد" مع مصر والأردن.

في 26 آذار/مارس 1979 وقع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن أول معاهدة سلام عربية إسرائيلية، استعادت مصر بموجبها شبه جزيرة سيناء بعد ثلاث حروب خاضها الطرفان.

وفي 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994، وقع الأردن معاهدة مماثلة مع إسرائيل، وهي أشبه باتفاقية لحماية الحدود، سميت بـ"اتفاقية وادي عربة" نسبة إلى مكان توقيعها على الحدود الأردنية الإسرائيلية، وجاءت تتويجاً لاتفاقية أوسلو ومفاوضاتها الطويلة التي جلست فيها منظمة التحرير الفلسطينية مع الإسرائيليين.