icon
التغطية الحية

ظاهرة عزوف اللاجئين السوريين عن الإنجاب.. موضة أم قرار؟

2022.09.29 | 06:09 دمشق

9
نساء سوريات (صورة تعبيرية)
أنقرة - وضحى عثمان
+A
حجم الخط
-A

يعزف العديد من اللاجئين السوريين المتزوجين، في السنوات الأخيرة، عن الإنجاب وتعود معظم الأسباب التي يسوقونها إلى صعوبة الحياة الاقتصادية والاجتماعية غير المستقرة، لا سيما في بلدان اللجوء.

وخلافاً لما كان سائداً، بأن الإنجاب (الخِلفة) يزيد استقرار الأسرة، بات الإقلاع عن الإنجاب قراراً من قبل المتزوجين الجدد أحد عوامل استقرار العلاقة الزوجية للمتزوجين الجدد.

في ظل الظروف الاقتصادية والتغييرات الاجتماعية تضطر غالبية النساء السوريات اللاجئات للعمل خارج المنزل؛ لمساعدة أزواجهن في متطلبات المعيش، الأمر الذي أدى إلى عزوف البعض عن الإنجاب.

 ويرى عدد كبير من المتزوجين حديثاً، لا سيما الذين تزوجوا في بداية الأحداث في سوريا، أنَّ  إنجاب  طفل  في هذه الظروف الصعبة هو انتحارٌ حقيقيٌّ للحياة الزوجية، فهم عاجزون عن تأمين حياة  كريمة  ومستقرة،  فكيف  سيكون مجيءُ طفل  بلا وطن وبلا مقومات حياة  طبيعية  ينعم  بها أطفال العالم؟!

وتنتشر ظاهرة عدم الإنجاب التي أصبحت عدوى حقيقية بين الأزواج الشباب، لخوفهم من المستقبل المجهول لأبنائهم، لذلك يرون أنه من الأفضل ألَا يأتوا بهم أبدا.

للمفارقة، بينما يعزف اللاجئون السوريون في دول الجوار عن الإنجاب تسجل مخيمات النزوح في الشمال السوري زيادة بعدد الولادات، وفقاً لتقارير دولية.

السبب عدم الاستقرار

تقول الاستشاريّة الأسريّة نهاد الضامن، تعتبر السّنوات الأولى من الزواج هي الأصعب خاصة السنة الأولى، يبدأ  كل  طرف  باكتشاف صفات  جديدة  لم يكن يعرفها  في الآخر، وتبدأ  عيوب  كلّ  طرفٍ  بالظهور.

أي في السنة الأولى تبدأ  مرحلة  عدم إخفاء الكثير من التصرفات التي كان يحرص كل طرف على عدم إظهارها في فترة الخطبة، وتهدأ عواطف الطّرفين، وتبدأ مرحلة مواجهة الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصّعبة.

وتضيف الاستشارية، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، يعدُّ الإنجاب أكثر ما يُشعر الزوجين بالقلق في سنوات الزواج الأولى،  مشيرة إلى أن هذا في حال كان هؤلاء الأزواج في بلدٍ مستقر، ويعيشون حياة اجتماعيةً مستقرةً مع محيطهم الاجتماعي، فكيف إن كان واقعهم يخلو من الاستقرار كحال الشباب السوريين؟

وترى نهاد الضامن أن هذه الظاهرة ستستمر طالما لا يوجد ضمان اجتماعي ومؤسسات دولة تتكفل بتأمين حياة الأطفال.

تجارب نساء: الخوف من المستقبل يحرمنا الأمومة

وعد الحمصي، شابة سورية تقيم في ولاية قيصري وسط تركيا، تزوجت في سن الخامسة والعشرين، وتقيم مع أسرة زوجها، قررت أخذ حبوب منع الحمل.

وتقول وعد (35 عاماً) ، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، إنها اتفقت مع زوجها على عدم الإنجاب حتى يصبح لديهم منزل مستقل.

وتضيف، إلى الآن لم تتغير ظروفنا، ولم نستطع السكن في مسكن مستقل، بالإضافة إلى قلّة فرص العمل، والظروف الاقتصادية الصعبة، والعيش بهذه الطريقة، كلُّ ذلك جعلني أتّخذُ قراراً بأخذ حبوب منع الحمل.

بعد 10 سنوات من الزواج تفكر وعد بإنجاب طفل نزولاً عند إلحاح زوجها وأهل، ولكنها  لا تزال غير مقتنعة بالإنجاب.

الخوف من المستقبل والنظرة التّشاؤمية بأنه لن يكون للطفل سوى التعاسة أصبحت قناعة عند الأزواج.

وتقول وعد ما زلت غير مقتنعة كيف سأؤمن له جزءاً من حقوقه النفسية والاجتماعية، وأنا أعيش في غرفة صغيرة مع عائلة زوجي.

وتضيف، لم يسلم قراري من نظرة المجتمع، فالجميع يحاول أن يوصل لي رسالةً بأنَّ زوجي سيتزوج عندما تتحسن ظروفه، ولكنّي مُصرّة على قراري بألا أنجب طفلاً حتى تتحسن ظروفنا، ويصبح لدينا بيت مستقل قد يكون هذا القرار جنونياً، لكنّي لا أفكر حالياً بأي شكل من الأشكال بالإنجاب.

لم تكن وعد الوحيدة التي اتّخذت قراراً بعدم الإنجاب في ظل هذه الظروف الصّعبة، هناك العديد من الحالات التي اطلع عليها موقع "تلفزيون سوريا".

نسرين مبارك، شابة سورية تنحدر  من مدينة حلب تعيش في ولاية كلس التركية، هي أيضاً دفعتها الظروف الاقتصادية إلى عدم الإنجاب.

تقول نسرين، نعمل أنا وزوجي بشكل متواصل حتى نعيش حياة أقل من المتوسطة، ولم نستطع ادخار أي مبلغ من المال، فكيف أُنجب طفلا وأنا عاجزة عن تأمين متطلباته البسيطة؟

وتضيف نسرين، حتماً سيكون ذنبه في رقبتي، وسأشعر بالقهر أكثر بكثير من سعادتي بأنّني أصبحتُ أمّاً.

شرط قبل الزواج

لم تقفِ الأمور عند اتّخاذ القرارات بعدم الإنجاب، بل تطوّر الحال ليصبحَ هذا الأمر شرطاً مُسبقاً يتمُّ التخطيط له قبل الزواج.

عبير الخلف، من ريف السلمية، تقول كان هناك شرط بيني وبين زوجي قبل الزواج وهو عدم الإنجاب في فتره زواجنا الأولى، وكانت قناعتي أيضاً حتى تتحسَّن ظروفنا.

 وتوضح لأستطيع العيش مع زوجي حياةً مستقرةً مادياً، حالي كحال كل السُّوريين أعيش مع  أهل زوجي في منزلٍ مشتركٍ في مدينة أنطاليا التركية، وانتقلتُ مع زوجي بعد أن توقف عن العمل في المدارس السورية المؤقتة إلى العمل في البيوت البلاستيكية.

وتضيف عبير، ساءت حالة زوجي النفسية ويشعر بالعجز أمامي، وأنا أيضاً ينتابني الشعور نفسه، فنحن لا نعرف كيف وصلَ بنا الحال إلى هنا؟!

وتتابع حديثها، العمل ليس عيباً ولكننا لا نُتقن العمل في الزراعة، وليس لدينا خبرة في ذلك، فكيف أُنجب طفلاً وأنا في هذه الحال؟!

وعلى الرغم من تحذير الطبيبة التي تتعالج لديها عبير من حبوب منع الحمل قد تؤدي إلى العقم، إلا أنها "أفضل من أن أُنجب طفلاً ليعيش حياة الشقاء التي نعيشها منذ ثماني سنوات" على حد تعبير عبير.

تشير التقارير الدولية إلى أن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، من جراء الحرب التي تزداد تداعياتها على كاهل السوريين الذين لا يزالون يبحثون عن الاستقرار.

أفضت تلك الظروف إلى إعادة كثير من اللاجئين السوريين قراءة المفاهيم الاجتماعية كالزواج وتحديد النسل وتأجيل الإنجاب.

هذه الأسباب أفضت إلى إعادة قراءة بعض المفاهيم الاجتماعية كالزواج، وتحديد النّسل، وتأجيل إنجاب الأطفال.

موضة أم قرار؟

الإنجاب نابع من غريزة طبيعية، الأمومة والأبوة، وتبني عدم الإنجاب هو تغيير مرتبط بظروف شرطية سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية.

ومع تركيز المجتمعات في الدول المتقدمة على تحديد النسل بناء على ضوء التحذيرات من الانفجار الديمغرافي نتيجة تضخم عدد سكان الكوكب، إلا أن الإقلاع عن الإنجاب أو تأجيله ليس ترفاً.

وتستبعد الاختصاصية النّفسية أسيمة مرشد أن تكون الابتعاد عن الإنجاب تأثر بالغرب أو هوس شخصي.

وتقول أسيمة مرشد، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، إن تبني عدم الإنجاب يجب أن يكون قراراً واعياً؛ لأن له تبعات، وقد يكون نابعاً من تجربة قاسية في الطفولة.

أما احتمال أن تكونَ تقليداً للغرب فيقتصر على سن المراهقة وبداية الشباب فقط، وفقاً للاختصاصية النفسية.

وتوضح أسيمة مرشد أن هناك من مرُّوا بتجارب قاسية بعد الحروب والكوارث جعلتهم يفقدون معنى الحياة وقيمة الوجود.

وتضيف، أن الكثير من جيل الشباب السوريين مثلاً، والذين عانوا في مرحلة عمرية حرجة من آثار الحرب، أصبحوا يرفضون الزواج أو الإنجاب لإحساسهم بعدمية الحياة. وبرأيهم وقْف التناسل هو الحل الوحيد للتخلص من عذابات البشرية.

لموضوع اللانجابية آثار سلبية التي لا تتوافق مع الفطرة السليمة، والسنة الكونية لاستمرار الحياة، وآثار إيجابية أيضاً.

من الناحية الديمغرافية يؤثّر على التركيب الهرمي، فتزيد نسبة الشيخوخة مقابل الفتيان والأطفال، كما هو الحال في كثيرٍ من الدول الأوروبية.

ومن ناحية أخرى، قد يؤدي ذلك إلى زيادة نسب فرص عمل الشباب، والقضاء ربما على الفقر.

وترى الاختصاصية النفسية بأن القرار الأصوب الذي على الأزواج اتّخاذه لا يكون بعدم الإنجاب إطلاقاً، بل بتحديد عدد الأطفال لأنّه بوجودهم استمرار لنا على كل حال.