icon
التغطية الحية

كيف أثرت الأزمة الاقتصادية في سوريا على قرار تكوين أسرة؟

2021.10.07 | 05:56 دمشق

mkhym_altymt_adlb.jpg
مخيم أطمة في ريف إدلب ـ رويترز
إسطنبول ـ يامن مغربي
+A
حجم الخط
-A

"بدل الإنجاب من الأفضل الذهاب باتجاه تبني الأطفال السوريين الموجودين والذين يعانون أصلاً من الفقر والحياة الصعبة". بهذه العبارة يلخص رافي (24 عاماً) المقيم في العاصمة السورية دمشق موقفه من عدم الإنجاب لموقع تلفزيون سوريا، مشيراً إلى أن قراره الذي اتخذه بعد تفكير طويل "ربما يتغير إذا تغير الظرف العام ككل وليس في سوريا فقط".

ويعد رأي رافي جزءا من ثقافة باتت تنتشر في سوريا، وهي ثقافة رفض الإنجاب بغض النظر عن قرار الزواج نفسه، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأوضاع الاقتصادية والسياسية في سوريا، والتي تشهد بدورها في الآونة الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في أعداد المغادرين باتجاه مصر والعراق (مدينة أربيل) ومدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة.

وبرغم عشرات الدراسات الصادرة عن مراكز أبحاث سورية خلال السنوات العشر الماضية، والتي أكدت ازدياد أعداد المواليد السوريين، في داخل أو خارج سوريا (بلاد اللجوء الجارة أو الدول الأوروبية)، فإن هناك أصواتاً سوريّة تتزايد ترفض الإنجاب، مؤمنة بالـ"الفسلسفة اللا إنجابية".

يعتمد هؤلاء الأشخاص في نظريتهم على عدة نقاط تتعلق بالحروب والكوارث والأوضاع الاقتصادية السيئة في سوريا، مشيرين إلى أن الإنجاب بحد ذاته هو خطوة أنانية تجاه الطفل الذي لا يملك قراره في هذه المسألة.

سوريا لاتحتاج إلى مزيد من الأطفال!

لا تاريخ معروفاً للفلسفة اللا إنجابية، إذ إنها وجدت منذ تاريخ اليونانيين القدماء وتدعو إلى التوقف عن إنجاب الأطفال، ويبدو جلياً أنها فكرة تزداد مع ازدياد الكوارث الطبيعية والحروب والأزمات الاقتصادية، وهو حال سوريا منذ عشر سنوات. 

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، قالت في آذار  الماضي، إن نحو 90 في المئة من الأطفال السوريين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، بزيادة بلغت نسبتها 20 في المئة في العام الماضي وحده.

عبد الرحمن، اسم مستعار لشابّ يعيش في العاصمة السورية دمشق (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية)، قال لموقع تلفزيون سوريا، إنه اتخذ قرار عدم الإنجاب لأن هناك ما يكفي من الأطفال في سوريا وفي العالم، لذا يمكن لمن يرغب أن يبتنى طفلاً، ومن جهة أخرى يخشى عبد الرحمن من عدم قدرته على تأمين متطلبات طفله، خاصة مع ازدياد تردي الوضع الاقتصادي والصحي في سوريا.

من جهتها قالت سارة، (25 عاماً) لموقع تلفزيون سوريا إن هناك "عملية تكاثر كبيرة وغير مدروسة"، في الوقت الذي سيكون فيه الطفل محكوماً بظروف عائلته المادية والاجتماعية بحسب رأيها.

وأضافت سارة أن هناك "ازديادا في الكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية والحروب وازديادا في عدد اللاجئين، وهو يعد سبباً رئيسياً في قرارها عدم الإنجاب في الوقت الحالي، الوضع الحالي في سوريا لا يشجع على الإنجاب أصلاً".

تحقيق الذات أحد الأسباب

قرار عدم الإنجاب عند الشرائح المؤيدة لهذا القرار قد يتغير تبعاً لتغير الظروف التي تمر بها سوريا وخاصة الظروف الاقتصادية، ويحصر قسم من هذه الشريحة قرارهم بتغير ظروف مكان إقامتهم وظروفهم الشخصية المرتبطة بالاقتصاد والمجتمع ونسبة الاستقرار والأمان، في حين يذهب آخرون إلى رفض الأمر جملةً وتفصيلاً، فبحسب آرائهم  فإن الظروف المناخية والبيئية وظروف المجتمع الدولي ككل ليست ظروفاً جيدة بالأساس.

وفي تموز الماضي قالت صحيفة قاسيون التي يديرها، وزير سابق مقرب من روسيا، إن تكاليف معيشة أسرة من خمسة أشخاص في دمشق ارتفعت في منتصف عام 2021 لتصل إلى مليون و240 ألف ليرة سورية.

وأكدت الصحيفة أن تكاليف الغذاء الأساسية لأسرة ارتفعت بنسبة 40% عن مستوى مطلع شهر نيسان 2021، وانتقلت من 550 ألف ليرة للأسرة شهرياً، إلى 766 ألف ليرة.

ويعتقد الدكتور والأكاديمي السوري حسام السعد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن هناك اتجاها عاما لدى الشباب بعدم الإنجاب أو تأخيره في أفضل الأحوال، مع وجود أسباب كثيرة لهذا الاتجاه، من أهمها هي رغبة الشباب في عيش حياتهم وتحقيق ذواتهم بعيداً عن تحمل مسؤوليات الإنجاب أو الإنجاب المبكر، الذي عادة يدخل الشباب المتزوجين حديثاً في نمط حياة مختلف، وربما يبعدهم عن تحقيق أهدافهم.

كما أشار السعد إلى أسباب اقتصادية أيضاً قد تؤثر في فكرة عدم الإنجاب، والوقوع تحت تأثير تأمين حاجيات الطفل، مضيفاً "وقبل كل ذلك أعتقد أن هناك فلسفة للحياة لدى الجيل الشاب مغايرة عن أجيال أهاليهم، تُعلي من قيمة تحقيق الأهداف الشخصية دون أية عوائق ومنها الإنجاب" بحسب رأيه.

يذكر أن سعر صرف الدولار الأميركي الواحد وصل إلى ثلاثة آلاف و505 ليرات سورية وفق موقع "الليرة اليوم"، المتخصص بأسعار صرف العملات، في حين قدرت الأمم المتحدة في تقريرها السنوي لعام 2020 عدد السوريين المفتقرين إلى الأمن الغذائي بتسعة ملايين سوري تقريباً.

كما قالت الأمم المتحدة في تقريرها إن الاقتصاد السوري "واجه سقوطاً حراً معظم العام 2020"، مع استمرار الانتهاكات الحقوقية بشدة في الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد، والذي قمع بوحشية أي علامة لعودة المعارضة مع استخدام الاعتقالات التعسفية والتعذيب.

ويتقاطع رأي عبد الرحمن مع رأي جمال (27 عاماً)، إذ قال لموقع تلفزيون سوريا إن واقع الحياة عموماً لا يناسب الإنجاب، مشيراً إلى أنه غير قادر على تحمّل الظروف الحياتية "فكيف سينجب طفلاً قد لا يتعايش مع هذه الظروف أيضاً؟ سواء على صعيد الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي، بالتالي الدوافع معدومة" بحسب رأيه.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن الحياة بحد ذاتها صعبة ومعقدة بالنسبة لجمال، والوضع سيئ في كل دول العالم، ويتابع "سير الحياة البشرية لم يتغير منذ البداية هناك اختلاف فقط، الناس التي كانت تموت بالسيف أصبحت تموت اليوم بالقنبلة، أي أن المضمون نفسه في النهاية" بحسب رأيه.

ووفق دراسة صادرة عن مركز "جسور" للدراسات، كان عدد سكان سوريا قبل انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، 21 مليون نسمة، في حين يبلغ عددهم اليوم 16 مليون نسمة موزعين على ثلاث مناطق (مناطق المعارضة، مناطق الإدارة الذاتية، مناطق سيطرة النظام).

القلق ليس السبب.. للاقتصاد دوره

يرى الدكتور والأكاديمي السوري حسام السعد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن للوضع الاقتصادي دوره الكبير في قرار عدم الإنجاب، لاسيما أن نمط الحياة المعاصرة المتسارع يفرض على الشباب مزاولة أعمال قد تكون شاقة ولساعات طويلة، وقد يلجأ بعضهم إلى العمل في مهنتين، في هذه الحال فإن وجود الأطفال يضاعف من مشقة الحياة اليومية، وبالتالي يدخل الشباب في متاهة تأمين الاحتياجات، وكل هذا يعيدهم إلى نمط حياة أهاليهم؛ التي يرغبون بعدم تكرارها، خصوصا في تغييب الأهداف الفردية والإنجاز، مقابل تربية الأطفال وتأمين احتياجاتهم، بحسب رأيه.

من جهته قال الطبيب النفسي والمدرب في الصحة النفسية والدعم الاجتماعي والنفسي عمار البيطار لموقع تلفزيون سوريا إن هناك نوعاً من "الزهد بالإنجاب" لدى شريحة من الأشخاص التي تتأثر بالعوامل الاقتصادية والسياسية، نافياً في الوقت نفسه أن يكون "القلق" هو العامل الرئيسي في هذا الأمر.

كما أشار البيطار إلى أن هناك تأثيراً بعيد المدى على المجتمع في حال تناقص الإنجاب، وهو ما دفع أوروبا لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين خلال السنوات الماضية، مع تناقص أعداد المواليد بالمقارنة مع الوفيات.

في حين يرى السعد أن لقرار عدم الإنجاب تأثيرات سلبية وإيجابية، فمن الناحية الديمغرافية يؤثر على التركيب الهرمي للسكان، فتزيد نسبة الشيخوخة مقابل الفتيان والأطفال (كما هو الحال في كثير من الدول الأوربية في الوقت الحالي)، ومن ناحية أخرى قد يؤدي ذلك إلى زيادة نسب فرص عمل الشباب واختيارهم للعمل بحسب تخصصاتهم ورغباتهم بغض النظر عن الحاجة للعمل تحت الضغط بسبب وجود الأطفال بحسب رأيه.