طلائع "طوفان الأقصى" تواكب الحلول الدولية في الشرق الأوسط

2023.12.10 | 06:15 دمشق

طلائع "طوفان الأقصى" تواكب الحلول الدولية في الشرق الأوسط
+A
حجم الخط
-A

ليس تفصيلاً قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة للسعودية والإمارات قبل أن يعود إلى موسكو ليستضيف بعد ساعات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. فمنذ إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب مطلع آذار الماضي وبوتين يغيب عن الاجتماعات الدولية، حتى لا يؤدي وجوده بحرج للدول المنظمة للقمم والمؤتمرات. وبالتالي، فإن أهمية زيارته الخليجية تكمن في توقيتها المتعلق بحرب غزة والنتائج المترتبة منها.

والواضح أن إدارة جو بايدن تراجعت حماستها للحرب الدائرة في غزة، قياساً إلى ما كان عليه موقفها غداة عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول. حينذاك ذهبت واشنطن بدعم إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة في العمل العسكري الإسرائيلي، لا بل انخرطت فيه بنقل القوة العسكرية الضاربة للجيش الأميركي إلى المنطقة.

أما اليوم فعدا خروج الخلافات بين واشنطن وتل أبيب إلى العلن، فإن واشنطن عمدت إلى التلويح بإنزال عقوبات في حق مستوطنين إسرائيليين، وهي خطوة نادرة في تاريخ العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، وعملت الإدارة الديموقراطية على تحويل قضية تبادل الأسرى بين الإسرائيليين وحماس إلى عملية سياسية تفتح الأفق أمام ترتيبات سياسية كبرى تعيد تحريك عجلة السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط.

لكن الحسابات الإسرائيلية كانت مختلفة كلياً، حيث اندفع نتنياهو مع الأحزاب المتطرفة في استكمال مشروع "تهجير" الفلسطينيين من غزة والضفة مرة واحدة ونهائية إلى مصر والأردن وربما لبنان. وفي ذلك خطوة مسبوقة ستسمح لهم لاحقاً بالتعويض داخلياً عن كارثة عملية طوفان الأقصى وما نتج عنها من تلاشي الثقة بين الجيش والحكومة من جهة وبين الإسرائيليين من جهة أخرى.

وثمة اعتقاد أن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن وخلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، قال خلال مشاركته في اجتماع مجلس الحرب، إن واشنطن ترفض خطوات إسرائيل لتهجير الفلسطينيين. كذلك التمسك بضرورة وضع حدود زمنية لوقف المعركة، على أن لا يتجاوز هذا الموعد مهلة نهاية الـ2023. مع تأكيده منع استهداف فلسطينيي الضفة الغربية والـ48.

وتسرب عن الجلسة ما يؤكد أن بلينكن أزعَج ممثلي أحزاب اليمين المتطرف في مجلس الحرب، وذلك أن التقارير التي وردت إلى البيت الابيض أشارت إلى تركيز الوزير المتطرف بن غفير على الضفة الغربية حتى قبل غزة. وهو يعمل لاقتناص الفرصة لتوسيع حركة الاستيطان وتهجير الفلسطينيين. ولأجل ذلك عمدَ إلى توزيع السلاح على جميع المستوطنين في الضفة تحت عنوان "الدفاع عن النفس" فيما الحقيقة أنه يريد العمل على دفع الفلسطينيين إلى خارج الضفة باتجاه الأردن.

والأكيد أن نتنياهو رفض المطالبات الأميركية والعربية بتقييد عمل الأحزاب المتطرفة بذريعة أنه ليس في مصلحته التصادم مع هذه الأحزاب ما سيهدد ائتلافه الحكومي بالانفراط لصالح يائير لابيد، أما الحقيقة فإن نتنياهو أصبح متحالفاً في العمق مع هذه الأحزاب المتطرفة وبات قريباً إلى نمط تفكيرها وممارساتها الإجرامية.

لذلك باشرت إدارة بايدن في إظهار النقاط الخلافية مع الحكومة الإسرائيلية، تمهيدا لدفع تل أبيب إلى وقف الحرب مطلع الـ2024. وخاصة أن الديمقراطيين بدؤوا تلمس واقعهم الصعب بسبب الانتخابات الرئاسية، رؤية أخرى لجهة عدم إضاعة الوقت والذهاب لإنجاز ترتيبات عريضة على مستوى المنطقة بعد أن أنضَجت نار غزة شكل الترتيبات في الشرق الأوسط.

وفق هذا التوقيت الحساس اختار بوتين لحظة عودته إلى المشهد الدولي من بوابة الشرق الأوسط التي حافظ فيها على حضوره النافذ من خلال قواعده العسكرية في سوريا

 ويبدو واضحاً أن طهران أكثر حماسة لتوقيع الاتفاق النووي، خصوصاً أنّ الاستراتيجية التي عملت وفقها وحققت لها تقدما كبيرا على مستوى النفوذ في الإقليم عبر "محور المقاومة"، استهلكت حرب غزة كثيراً من عناصر قوته ما جعل عامل الوقت في غير مصلحته، وبالتالي أصبحت المصلحة للنظام الإيراني تقضي بوضع ما عُرف باستراتيجية الصبر جانباً، والذهاب إلى ترجمة المعادلة الميدانية بمعادلة سياسية حان وقت ترجمتها.

ووفق هذا التوقيت الحساس اختار بوتين لحظة عودته إلى المشهد الدولي من بوابة الشرق الأوسط التي حافظ فيها على حضوره النافذ من خلال قواعده العسكرية في سوريا. ويبدو أن الترتيبات على الساحة الدولية باتت تسمح له بهذه العودة، والمقصود هنا الأداء المعقد لإدارة بايدن بالملف الأوكراني.

وكان لافتاً الإعلان وبنحوٍ مفاجئ عن إلغاء الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي مشاركته المقررة لاجتماع مع مجلس الشيوخ الأميركي، والذي كان يهدف إلى تأمين حزمة مساعدات جديدة تعتبرها كييف أساسية وضرورية لاستكمال حربها العسكرية ضد الغزو الروسي. وظهرت تفسيرات في أن إلغاء زيلنسكي مشاركته هذه سببه معرفته بعدم قدرته على إقناع مجلس الشيوخ الأميركي بالتعاون مع مطالبه.

وبعد الهجوم العسكري الفاشل للجيش الأوكراني تراجعت المساعدات العسكرية الأميركية له بحجة أولوية دعم إسرائيل. وهو ما يعني ضمناً أنه لم يعد أمام زيلنسكي سوى البحث عن تسوية سياسية مع بوتين تقضي بالقبول ببعض مطالبه. وهذا ما وضع بوتين في وضع أفضل، جعله أكثر هدوءً في تعاطيه مع حرب غزة، وسمح له بالخروج من عزلته والقدوم إلى الخليج العربي للبحث عن دور بلاده.

وخلف لهب النار المتصاعد من غزة، كانت حركة تفاوض ناشطة تجري بين واشنطن وطهران عبر الوسيطين القطري والعماني، وهذه الحركة كانت قد أنتجت عدم توسع دائرة الحرب في المنطقة. وأيضاً التوازن المسموح به في جبهة لبنان. لكن ثمة من يعتقد أن الكواليس تمتلئ بمشاريع التسوية الإقليمية، والتي يجب أن تمهد للمؤتمر الدولي الذي سيعقب إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وخلال الأيام الماضية استقبل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان نظيره العماني في طهران. وبعد الاجتماع أكد عبد اللهيان قرار بلاده بعدم توسيع دائرة الحرب. لكن كلامه حمل كثيراً من الغمز، وهو ما أوحى بأن مهمة وزير الخارجية العماني لها علاقة بالمشهد العريض في المنطقة.

فخلال المرحلة الأخيرة تصاعدت أعمال احتجاز السفن عند باب المندب والبحر الأحمر تحت عنوان مساندة غزة. وعلى رغم من إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عن هذه العمليات وتهرب إيران منها، إلا أنه كان واضحاً للأميركيين أن طهران تقف خلفها. وعلى رغم من ذلك بقي الرد الأميركي تحت سقف مضبوط جداً.

فاختطاف السفن بعد اختيارها بدقة ومراقبة مسارها، ومن ثم تنفيذ عمليات الاحتجاز، إنما كل ذلك بحاجة إلى تدريبات عالية وتقنيات كبيرة غير متوافرة لدى الحوثيين بمفردهم. لذلك كان الاقتناع بأن الحرس الثوري يشرف مباشرة على هذه العمليات. وهي قد تكون رسائل جوابية ميدانية على مفاوضات تدور في الكواليس وتتعلق بمدى نفوذ إيران.

واشنطن اكتفت بتلقي الرسائل الميدانية الإيرانية والتي لا تحمل طابع الخطورة وتهدف إلى ترجمتها في كواليس التفاوض، لكن ذلك لم يمنع من ارتفاع الأصوات في لجنة الشؤون الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ والتي انتقدت ما وصفته "التراخي" من جانب إدارة بايدن مع الحوثيين وإيران على حدّ سواء، والاستمرار في اتباع سياسة الاسترضاء، إلا أن هذا لا يعكس حال الإدارة المتمسكة بإنجاز تسوية في الشرق الأوسط قد حان وقتها.

وسط هذه الصورة الشاملة فإن الملف اللبناني ليس بعيدا عنها، صحيح أن الأثمان المطروحة كبرى والتحولات المرتقبة متعاظمة، إلا أن لبنان معني خصوصا من بوابة الجنوب

ووسط الحملات الداخلية يتهم الجمهوريون وعلى رأسهم السيناتور تيد كروز إدارة بايدن بتعمد تجاهل التهرب الإيراني من العقوبات الأميركية، ويعملون لإعداد مشاريع قوانين تدفع الإدارة إلى تطبيق أقسى للعقوبات. حيث يعمل الجمهوريون على قطع الطريق أمام إدارة جو بايدن لإنجاز تسوية شرق أوسطية جديدة. وهذا هو التوقيت الذي وجد بوتين أنه مناسب للدخول إلى التحضيرات الجارية في المنطقة، خصوصا أن ظروف الحرب في أوكرانيا أصبحت أفضل، والتي قد تكون جزءاً من الصفقة الشاملة.

وسط هذه الصورة الشاملة فإن الملف اللبناني ليس بعيدا عنها، صحيح أن الأثمان المطروحة كبرى والتحولات المرتقبة متعاظمة، إلا أن لبنان معني خصوصا من بوابة الجنوب. فالحرب ستقفل على إخراج إيران من الساحة الفلسطينية واستعداد قطر ومصر لاحتضان الحضور السياسي لحركة حماس بصورتها الجديدة.

وفي جنوبي سوريا تبدلات مستمرة من خلال السويداء، وسعي الأتراك لاستعادة نفوذهم في حلب، لكن المكون في السويداء، وبالتالي في جنوبي سوريا، سيشكل عازلاً يمنع إيران من إنشاء خط تماس مع إسرائيل، فيما سيمنع الأتراك تقدماً للروس والميليشيات في الشمال السوري.

يبقى جنوب لبنان حيث يجري العمل على تطبيق القرار 1701 بفك الترابط العسكري بين إيران وإسرائيل، وهذه كانت بالضبط مهمة رئيس المخابرات الفرنسية برنار إيمييه في بيروت، والتي ستليها زيارات أخرى وضغوط أكبر لدول أخرى مع الحديث عن رغبة سعودية بالعودة للبنان، ولأن التفاوض في المنطقة الذي يطاول الخط التجاري البحري العالمي في باب المندب والبحر الأحمر، فلا بد من صنع أوراق في لبنان لمواجهة تطبيق القرار 1701.

من هنا برز إعلان حماس إطلاق "طلائع طوفان الأقصى". فمن جهة يمكن للحركة استقطاب الشباب الفلسطيني المتحمس في المخيمات، ويأتي ذلك استكمالاً للهدف الذي جرت لأجله معارك مخيم "عين الحلوة" الصيف الفائت، ومن جهة أخرى يوجه رسالة إلى الساعين لتنفيذ القرار الدولي بأن البديل من الحضور المكثف لحزب الله في الجنوب، هو السني والفلسطيني وهذا ما يشكل تحدياً للجيش اللبناني الذي تعول عليه العواصم الغربية لإمساك الوضع في الجنوب إلى جانب قوات اليونيفيل بعد انتهاء الحرب.

ما طرحه مسؤول المخابرات الفرنسية في بيروت، ليس بعيداً عن طروحات أميركية جرى تقديمها سابقاً، سواء من قبل رئيس المخابرات الأميركية وليم بيرنز، حول إيجاد حل للحدود البرية بما فيها مزارع شبعا، أو من قبل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي يصر على إيجاد حل للحدود البرية.

وهنا لا بد من العودة إلى ما قاله آموس هوكشتاين في مؤتمر المنامة قبل نحو شهر، حول عدم التعرض بأي صاروخ لحقل كاريش في البحر، وهو الحقل الوحيد المستمر بالعمل، وعدم حصول أي ضربة في البحر هو دليل على نجاح المسار السياسي لاتفاق ترسيم الحدود البحرية، وهو ما سيتم البحث بمثله لتكريسه على الحدود البرية.