icon
التغطية الحية

طريق نادر إلى أوروبا.. طرقات تهريب السوريين إلى قبرص لم تعد تمر بلبنان

2023.09.14 | 17:04 دمشق

صيادون سوريون يقفون على أحد الشواطئ القريبة من جزيرة قبرص
صيادون سوريون يقفون على أحد شواطئ اللاذقية القريبة من جزيرة قبرص
Open Democracy- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال هذا الصيف، راج طريق نادر للسفر إلى أوروبا، وذلك عندما أخذت القوارب الصغيرة تصل من سوريا إلى قبرص بشكل مباشر.

لم يشهد هذا الطريق الجديد الذي يمر من الجهة الشرقية للبحر المتوسط كل هذا الزخم من قبل، إذ حتى الآن يسافر اللاجئون الذين يصلون إلى قبرص عموماً من لبنان أو تركيا، غير أن إجراءات الصد في كلتا الدولتين، وفساد جيش النظام في سوريا، أوصل عمليات تهريب البشر إلى الساحل السوري، أي إلى المنطقة الواقعة ما بين مدينتي اللاذقية وطرطوس.

من الساحل السوري إلى قبرص

التقينا بتيم وهو شاب حلبي، عمره 26 عاماً، قطع مسافة 100 كلم التي تفصل سوريا عن قبرص بوساطة قارب صيد في حزيران الماضي، وكان معه في رحلته 40 سورياً آخرون، ويشرح لنا سبب سفره عبر الهاتف من مخيم للاجئين في العاصمة القبرصية نيقوسيا: "كنت أريد أن أسافر بطريقة شرعية، وبقيت سنة وأنا أحاول تحقيق كل الشروط المطلوبة للحصول على تأشيرة شنغن، وأنفقت مبالغ طائلة، وأصبحت مديوناً، إلا أن كل ذلك ذهب أدراج الرياح".

إن هدف تيم هو متابعة دراسة الطب في فرنسا، ولكن على الرغم من حصوله على قبول جامعي للدراسة بمرسيليا، رفضت السفارة الفرنسية طلبه للحصول على تأشيرة مرتين، وبعد ذلك، لم يعد أمامه أي خيار سوى اللجوء للمهربين، وعن ذلك يقول: "لا أحد يستوعب كيف أصبح الوضع في سوريا، إذ لم يعد هناك أي مستقبل، ولقد كسبت بعض الوقت عبر دراستي للطب، إلا أني سأستدعى للجيش خلال مدة قريبة، والتجنيد في سوريا يعني حكماً بالأشغال الشاقة لأجل غير مسمى".

أما ممدوح، فهو شاب سوري من إدلب عمره 24 سنة، قطع الرحلة ذاتها التي قطعها تيم بعد أسبوعين، وبالحديث معه عبر الهاتف من مخيم اللاجئين بنيقوسيا، يقول: "كنا عشرين شخصاً على متن المركب الذي انطلق عند الساعة الثالثة صباحاً من شاطئ قريب من طرطوس"، وقد أكدت المنظمات الإنسانية في قبرص بأن معظم طالبي اللجوء القادمين عبر البحر باتوا يخبرونهم اليوم بأنهم انطلقوا في رحلتهم من الساحل السوري.

الفساد والتهريب

إن التحدث إلى ممدوح وتيم قادنا للتعرف إلى المهرب الذي نقلهما إلى هناك، واسمه أبو علي، وهو رجل في الثامنة والثلاثين من عمره تعود أصوله لمدينة اللاذقية، أكبر مدن الساحل السوري على البحر المتوسط. كان هذا الرجل يعمل موظفاً لدى الحكومة قبل الحرب، لكنه أصبح يعمل في مجال التهريب ليعيل نفسه وأسرته بعد عدم توفر أي عمل آخر ليزاوله.

يخبرنا هذا الرجل بأن عمليات العبور من سوريا إلى قبرص بدأت في عام 2020، وبأنه كان من أوائل المهربين الذين سهلوا عمليات العبور على ذلك الطريق، لكنه لم يعد الوحيد اليوم، ومع ذلك ما يزال يرتب عمليات تهريب حالياً على متن 20 قارباً سنوياً، خاصة في فترة الربيع والصيف، ويقول: "أرسل الناس على متن مراكب صيد أو مراكب مطاطية، إذ إن الوجهة الوحيدة التي يمكن بلوغها بوساطة هذا النوع من المراكب هي قبرص"، في حين أن الطرقات الأطول مسافة، مثل الطرقات التي تمر عبر تركيا أو لبنان لتصل إلى إيطاليا، فتحتاج إلى يخوت أكبر أو سفن معدة للإبحار لمسافات طويلة، ويضيف: "نضيف محركاً إضافياً على قارب الصيد وندرب أحد المهاجرين ليصبح قائد الرحلة"، ويخبرنا بأنه يكلف بتلك المهمة عادة شاباً صغيراً لم يتمكن من دفع تكاليف الرحلة كاملة، وذلك لأن احتمال القبض  على الشباب الأصغر سناً عند قيادتهم للمركب يبقى ضعيفاً، كما لا يجوز للمهربين أن يقودوا المركب.

اقرأ أيضا: أبحروا من طرطوس ولبنان.. الشرطة القبرصية تنقذ 115 لاجئاً سورياً خلال ثلاثة أيام

يدين أبو علي الفضل في نجاحه بمهنة تهريب البشر إلى الفساد، إذ يقول: "لدي علاقات طيبة تربطني بضباط كبار في جهاز الأمن، بما أن معظمهم أصدقاء لي منذ أيام الطفولة، ولهذا عقدت اتفاقاً مع الأمن العسكري ومع بعض ضباط البحرية حتى أقوم بتنظيم رحلات بالمراكب للاجئين عبر الطريق البحري المؤدي إلى قبرص".

بيد أن أخبار الفساد المستشري بين ضباط قوات النظام باتت قديمة لدرجة لم تعد تفاجئ أي أحد، ثم إن منطقة الساحل السوري تخضع لسيطرة النظام بشكل كبير، نظراً لأهميتها الاستراتيجية، ولهذا فإن فرص خروج مراكب تحمل مهاجرين غير شرعيين من دون علم جيش النظام أو تعاون من قبله، تعتبر معدومة. ثم إن قوات الأمن الروسية تنتشر بكثافة على الساحل السوري، وأهم قاعدة جوية روسية تقع في مدينة حميميم بين اللاذقية وطرطوس، كما تسيطر القوات الروسية على مقار بحرية بطرطوس.

وبالحديث عن نشاطاته، يحدثنا أبو علي ويقول: "أدفع للضباط السوريين لضمان عدم إيقاف أي من مراكبي، أي أني أقدم رشوة للجيش تعادل أكثر من نصف ما أحصله لضمان استمرار عملي، ولهذا أحس بأني مؤمن وكأني قد دفنت تحت سابع أرض".

بيد أن هذه النفقات الباهظة لن تضر برزقه، وذلك لأن ما يدفعه بعض المسافرين يعتبر بمنزلة زيادة ضرورية، وعن ذلك يقول: "ثمة الآلاف في سوريا ممن هم على استعداد لدفع مبلغ يتراوح ما بين ثلاثة وخمسة آلاف دولار مقابل العبور، ولهذا فهم يبيعون بيوتهم وكل ما لديهم ليدفعوا تكاليف الرحلة، ثم إن الأسعار مرتفعة لأن الرحلات مؤمنة ومضمونة على يد قوات الأمن السوري".

عمليات الصد والإعادة من قبرص

إن التفسير الوحيد لظهور هذا الطريق الجديد يتلخص بتفشي الفساد بالإضافة إلى زيادة الطلب المحلي، ولكن ثمة عوامل أخرى تسهم بزيادة الطلب على هذا الطريق، إذ ترى المنظمات الحقوقية في قبرص ولبنان بأن سبب تغيير الطريق من لبنان إلى سوريا قد يعود إلى سياسة الصد التي تنتهجها قبرص.

فقد زاد عدد الواصلين بصورة غير شرعية إلى قبرص خلال فترة تفشي جائحة كوفيد وبعدها، وذلك عندما صار المهاجرون اللبنانيون ينضمون للاجئين السوريين والفلسطينيين في عمليات قطع البحر للهرب من الأزمة الاقتصادية والسياسية المتفاقمة في لبنان.

ردت الحكومة القبرصية على ذلك بتعزيز نظام المراقبة لسواحلها عبر إضافة تقانة مضادة للتهريب تعمل على مراقبة تلك النشاطات واكتشافها، كما ساعد التمويل الذي قدمه الاتحاد الأوروبي على نشر مراكب جديدة، إلى جانب تركيب كاميرات حرارية ومتنقلة، فضلاً عن المسيرات التي بوسعها أن تتواصل مع مراكز العمليات في الدول والوكالات الشريكة.

تزامنت هذه الرقابة المعززة مع عمليات صد كبيرة، إذ أعادت الحكومة في قبرص تفعيل اتفاقية إعادة إدخال اللاجئين إلى الأراضي اللبنانية والتي خلقت لتنظم عمليات الترحيل التي خضع لها الأجانب عقب الحرب الأهلية بلبنان (ما بين عامي 1975-1990)، وذلك حتى يصبح لعمليات الصد التي تمارسها قبرص أساس قانوني. وفي 27 تموز الحالي، زار وزير الداخلية القبرصي لبنان للتأكيد من جديد على التزام الدولتين بهذه الاتفاقية، وخلال وجوده هناك، أعلن عن تشكيل فرقة عمل لمراقبة عمليات خروج قوارب المهاجرين المعدة لقطع الطرقات البحرية.

بيد أن التأويل الفضفاض للحكومة القبرصية لاتفاقية الإعادة تعرض لانتقادات قاسية وجهها محامون ومنظمات حقوقية رأت بأن تطبيق هذه الاتفاقية من جديد مخالف لمبدأ عدم الإعادة، إذ يمنع هذا المبدأ القانوني الدول من إعادة أي شخص إلى مكان يمكن أن تتعرض فيه حقوقه الأساسية للانتهاك.

وحول ذلك تعلق نيكوليتا تشارالامبيدو، وهي محامية قبرصية عارضت عمليات الصد أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وقالت: "تعتبر عمليات اعتراض القوارب الصغيرة وإعادتها إلى لبنان بمنزلة شكل من أشكال الطرد الجماعي التي لا تتيح للسلطات فرصة للبحث بالسبب الذي دفع كل شخص على حدة للهروب على متن القارب، وفي ذلك انتهاك صريح لشرعة حقوق الإنسان التي تكفل عدم إعادة أي شخص لبلد يمكن أن يتعرض فيه للتعذيب أو لمعاملة غير إنسانية، إذ من دون تقييم فردي لحاجة كل شخص للحماية، يعتبر هذا المبدأ مُنتهكاً".

بيد أن عمليات الإعادة تتم على أية حال، ويرى مراقبون بأن هذا التحول في الأسلوب قد يتسبب في زيادة عدد القوارب التي أصبحت تغادر اليوم من سوريا، إذ يقول دوروس بوليكاربو وهو المدير التنفيذي لإحدى أهم المنظمات الحقوقية في قبرص: "بدأت الزيادة في أعداد القوارب الصغيرة التي تصلنا من سوريا مباشرة بعد زيادة عمليات الصد والإعادة إلى لبنان".

"اعتقدنا بأن لنا حقوقاً"

عملت آليات الصد التي تقوم بمنع القوارب الصغيرة القادمة من لبنان من الوصول إلى قبرص على نقل تلك الرحلات إلى سوريا، وهذا يعني أن السوريين سيواصلون القدوم إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر، إذ بالرغم من كل الأموال التي ُصرفت على خفر السواحل القبرصي وحماسته لتنفيذ عمليات الصد والإعادة المشكوك بأمرها من الناحية القانونية، ما يزال المهاجرون يصلون إلى قبرص، وما يزال الاتحاد الأوروبي يغلق أبوابه دونهم.

يعلق ممدوح على هذا الوضع بقوله: "خلت أننا في حال وصلنا إلى أوروبا سنحصل على الحقوق التي لم نحصل عليها في سوريا، إلا أننا ما زلنا ننتظر حدوث معجزة، إذ إن الأمر يشبه مكوثك في سجن فقط لأنك مهاجر، ولقد التقيت بكثيرين هنا أمضوا في هذا المركز أكثر من عام وما يزالون ينتظرون، ولكنهم لا يدرون ما ينتظرونه بالضبط".

المصدر: Open Democracy