طرفان استضعفا أميركا.. خصم مدّعى وحليف منبوذ

2024.03.29 | 05:20 دمشق

آخر تحديث: 29.03.2024 | 05:20 دمشق

طرفان استضعفا أميركا.. خصم مدّعى وحليف منبوذ
+A
حجم الخط
-A

لا أحد يمكنه تحمّل مسؤولية الانهيارات والحروب التي تعانيها وتعيشها منطقة الشرق الأوسط سوى الولايات المتحدة الأميركية. منذ الحرب العالمية الثانية إلى هذه الأيام التي تبرز فيها قوى دولية طامحة لكسر الأحادية القطبية وتشكيل نظام دولي جديد متوازن مع الأميركيين. لطالما ارتكز الأميركيون على نظرية "الصفائح الأربع" في المنطقة والتوازن فيما بينها. واحتفظت واشنطن بعلاقات مع كل صفيحة على حدة، مع تركيا، وإيران، وإسرائيل، والعرب. بعض السياسات الأميركية أو اللاسياسات أنتجت إشكالات وتوترات وحروباً دائمة بين هذه الصفائح الأربع.

لا حاجة للعودة إلى التاريخ البعيد ولا حتى إلى حقبة محاربة الإرهاب والتي افتتحتها أميركا باجتياح أفغانستان والعراق وما تلاها من كوارث، في حين يحاول الأميركيون تقديم مشروعهم هذا بأنه محاولة لتخليص المنطقة من محور الشر ونشر الديمقراطية فيها. يمكن الاستشهاد بحدثين أساسيين منذ ولاية "الديمقراطي" باراك أوباما إلى ولاية جو بايدن. في الولايتين الرئاسيتين، لم يظهر من أميركا سوى الكثير من مؤشرات الضعف والتراجع، وهذا لا يعني أن دونالد ترامب شخصية رصينة تمكن من إعادة أمجاد أميركا، لكنه أحسن استخدام لعبة الصورة على هشاشتها أكثر من سلفه وخلفه. ولا حاجة للنقاش هنا في مسألة الدولة العميقة أو المؤسسات التي تحكم في أميركا، إنما الهدف هو استقراء تداعيات كل هذه السياسات على المنطقة.

شل الولايات المتحدة الأميركية في منع عملية التهجير والتدمير، والذهاب إلى اتفاقات بينية مع روسيا وإيران تلبية لمصالح مختلفة على أشلاء السوريين

شهدت أميركا على أشنع عملية تهجير وتغيير ديمغرافي في التاريخ الحديث والتي أنجزها النظام السوري ضد شعبه، قد يجوز في ذلك أوصاف كثيرة، لعبة الأمم، لعبة الأقليات ضد الأكثريات، وغيرها من الأوصاف، لكن النتيجة كانت واحدة وهي فشل مجلس الأمن الدولي في تبني قرار يوقف المجزرة في سوريا على مدى أكثر من عشر سنوات. فشل الولايات المتحدة الأميركية في منع عملية التهجير والتدمير، والذهاب إلى اتفاقات بينية مع روسيا وإيران تلبية لمصالح مختلفة على أشلاء السوريين الذين قتل وهجر وفقد وجرح منهم الملايين. ليختتم باراك أوباما ولايته الرئاسية ليس باتفاق نووي فحسب، بل بمشهد نزول الإيرانيين من الحرس الثوري على متن بارجة أميركية وتركيع الجنود الأميركيين وإجبارهم على رفع أيديهم إلى أعلى رؤوسهم في حالة استسلام لإيران ولمشروعها.

وفق هذه المعادلة، وحده النظام السوري قد تفوق على أميركا، أو على الظاهر منها ومن مواقفها، في تجاوز كل القرارات الدولية، وارتكاب أشنع المجازر من دون أي ردة فعل سريعة وحاسمة وجدية لمنعه من ذلك. ووفق المعادلة نفسها، فإن إسرائيل وحدها أيضاً هي القادرة على تجاوز كل ما تريده أميركا، والدوس على قرارات مجلس الأمن الدولي، وآخرها ما يتصل بقرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة. حتماً إسرائيل لن تلتزم، وستستمر بالتحضير لخوض معركة رفح، وتهجير الفلسطينيين من هناك بالاستناد إلى اقتراح أميركي سابق في تهجيرهم إلى سيناء. وإسرائيل نفسها تتحضر لخوض معركة ما بعد رفح، في الضفة الغربية وفي جنوب لبنان، بلا أي معيار أو رادع أميركي.

أميركا هي التي تتحمل عدم التزام إسرائيل في قرار مجلس الأمن بخصوص غزة، لا سيما أن إسرائيل لم تلتزم في أي من قرارات مجلس الأمن منذ صدور القرار 242 إلى القرار 425، وصولاً إلى القرار 1701

فأميركا نفسها هي التي تخلفت عن إيجاد حلول عادلة في المنطقة، وهي التي منحت إسرائيل كل الدعم بعد عملية طوفان الأقصى، لخوض المعركة والشروع في التجزير والتهجير. وبذلك تتحمل واشنطن مسؤولية عدم قدرتها على ردع إسرائيل ولا ردع النظام السوري، وهي التي تتحمل كل الارتكابات الإسرائيلية في قطاع غزة والتي تمهد لعملية تغيير خرائط وموازين، ولن تقف عند حدود غزة بل ستتحول إلى الضفة الغربية ولبنان لاحقاً في إطار إعادة رسم الخرائط والتوازنات.

وأميركا هي التي تتحمل عدم التزام إسرائيل في قرار مجلس الأمن بخصوص غزة، لا سيما أن إسرائيل لم تلتزم في أي من قرارات مجلس الأمن منذ صدور القرار 242 إلى القرار 425، وصولاً إلى القرار 1701. تماماً كما النظام السوري الذي لم يلتزم بأي قرار من قرارات مجلس الأمن من القرار 1559 الذي يخص لبنان، إلى القرار 1701 الذي ينص على ضرورة ترسيم الحدود، إلى القرار 2254 والذي يشير إلى ضرورة الانتقال السياسي في سوريا. بالتأكيد فإن ذلك ليس عن خطأ، ربما هو المشروع بعينه بالنسبة إلى واشنطن والتي يحققه لها "خصم مُدّعى" وحليف "منبوذ".