صمام الأمان.. آخر أسطورة يتكئ عليها النظام السوري

2023.08.27 | 06:00 دمشق

آخر تحديث: 27.08.2023 | 06:00 دمشق

صمام الأمان.. آخر أسطورة يتكئ عليها النظام السوري
+A
حجم الخط
-A

يميل العديد من الباحثين السياسيين إلى ربط النشأة الأولى للحكومة بالقدرة. أي؛ قدرة قلة متآزرة على التحكم بالآخرين والسيطرة عليهم، ثم لا تلبث هذه الأقلية الحاكمة أن تضع يدها على موارد الجماعة وتستثمرها لصالحها، وتسخر الآخرين خدما أو عبيدا لها. وبالتوازي تصبح العدالة مصلحة الأقوى.

رغم أن القدرة لا تعني القوة، لأن القوة – كما هو متعارف عليه في أدبيات علم الاجتماع السياسي – تعد من مقومات القدرة إلى جانب مقوماتها الأخرى كالتضامنية والتنظيمية والقيادية والثرائية المعنوية والمادية والثبات وراء المقصد وغير ذلك من المقومات، إلا أن كثيرا من الباحثين وجدوا أن القوة وحدها هي العامل الأساس في نشأة الحكومة أو نشأة الدولة.

هناك وجهة نظر لديها ما يكفي من الجاذبية والمقدرة على الإقناع تقول: "إن الذين يرون سحر الحكومة في القوة وحدها مخطئون!" وقد وقع "مكيافيللي" في هذا الخطأ؛ فبالغ في أهمية القوة للحاكم بدون أن يغفل أهمية المكر، ولكنه تجاهل علاقة القوة بغيرها كما تجاهل علاقة المكر بغيره من مقومات القدرة. ولم يكن من قبيل الصدفة أن بطله قيصر "بورجيا" الذي جسد القوة والمكر ذهب فريسة العنف وهو مازال في الواحدة والثلاثين من عمره.

يعتقد أصحاب وجهة النظر هذه أن بقاء السلطة واستمرارها مرهون بالأساطير السائدة بين الذين تمارس فيهم السلطة. والقصد هنا تلك المعتقدات التي تدفع الشعوب لأن تخلع على الحكام هالة سحرية تتراوح بين التأليه وشدة الاحترام، وتتعدد هذه المظاهر المتعلقة بتقديس الحاكم وتتفاوت درجات الأخذ بها عند الشعوب، ولكنها واحدة في دلالاتها على ما في نفوس الناس من طاعة وخضوع للقوى التي تحكمهم.

نتيجة للدعاية الممنهجة أصبح كثير من السوريين يعتقدون أن النظام السوري يمتلك قوى خارقة وأساليب عبقرية تمكنه من تحدي المؤامرات والتحايل على العقوبات وتجاوز كل العقبات التي تواجهه

كل هذا التقديم المطول من أجل أن تكون فكرة هذا المقال وافتراضاته واضحة إلى حد ما. فالنظام السوري الذي اعتمد القوة والمكر كأساس لتوطيد حكمه لم يغفل أهمية الأسطورة. وبقليل من التجاوز يمكن القول إن النظام السوري اعتمد خلال فترة حكمه ثلاث أساطير رئيسية منحته مزيدا من الثبات والاستمرارية. وهي: أسطورة القادر على كل شيء، وأسطورة الرأس المقدس، وأسطورة صمام الأمان. هذه الأساطير الثلاث بقيت تفعل فعلها عند فئة من السوريين، وهم أولئك الذين يسمونهم تجاوزا بالمؤيدين.

نتيجة للدعاية الممنهجة أصبح كثير من السوريين يعتقدون أن النظام السوري يمتلك قوى خارقة وأساليب عبقرية تمكنه من تحدي المؤامرات والتحايل على العقوبات وتجاوز كل العقبات التي تواجهه، بل الخروج من الأزمات أقوى مما كان عليه، لكن هذه الأسطورة سقطت مع توقف الأعمال العسكرية وتفاقم الأزمات الداخلية ولجوء النظام السوري إلى الشكوى والنحيب معلنا عجزه التام. وبالتالي معلنا السقوط المدوي لأسطورة "القادر على كل شيء".

والنظام السوري ليس بقادر على كل شيء إلا لأن القدر تكرم على السوريين بقائد فذ لا يشق له غبار. لذلك، لا بد لهذا القائد أن يكون منزها عن كل نقد أو تجريح، فمهما بلغت الضائقة بالناس ومهما استشرى الفساد وعمت الفوضى فسقف النقد يجب أن يتوقف عند حدود الرأس المقدس. من هنا، كان من الطبيعي أن تسقط أسطورة "الرأس المقدس" بعد أن سقطت أسطورة "القادر على كل شيء"، وها هي ألسنة السوريين أصبحت تجاهر بنقدها للرأس الذي لم يعد مقدسا، بل باتت النظرة إليه على أنه العلة التي أفسدت كل شيء.

إلى جانب القوة والمكر لم يعد لدى النظام السوري ما يتكئ عليه من الأساطير سوى أسطورة "صمام الأمان". ومن أجل دقة أكثر؛ مازال النظام السوري يمتلك بعض القوة المتهالكة، والمكر الذي فقد كثيرا من فاعليته نتيجة التكرار والانفضاح، وأسطورة "صمام الأمان". ويعتقد أن هذا المثلث الهش هو كل ما تبقى بحوزة النظام السوري ليقاوم به في معركته مع السوريين من أجل البقاء.

يعتقد البعض أن الخطاب والسلوك التصالحي المطمئن، وإبداء الرغبة قولا وفعلا بالحفاظ على مؤسسات الدولة، وإظهار المقدرة على الانتظام والتنظيم والتوافق؛ كفيل بتفكيك وإسقاط العكاز الأخير لدى النظام السوري. أي، أسطورة "صمام الأمان"

إن أخطر ما في الأمر أن أسطورة "صمام الأمان" تزداد عمقا وتأثيرا مع تفشي الفقر؛ فالفقراء فقرا مدقعا يرهبون محيطهم ولا تراودهم رغبة في التغيير، وخاصة عندما يكون نمط الحياة مضطربا إلى درجة تمنع الإنسان من التحكم في ظروفه المعيشية، فتراه ميالا إلى الاحتماء بما هو مألوف موهما نفسه بأنه بهذه الوسيلة يستطيع أن يتجنب المفاجآت الوخيمة. من هنا يميل البعض إلى الاعتقاد بأن الفقر الذي يخيم في المناطق الخاضعة لنفوذ النظام السوري هو عملية إفقار ممنهجة أكثر من كونه فقرا طبيعيا.

من جهة ثانية؛ كان للأوضاع المزرية التي آلت إليها بعض البلدان العربية نتيجة لتساقط بعض الأنظمة التي بنيت بأسلوب صمام الأمان دور مهم في إضفاء لمسة سحرية على أسطورة "صمام الأمان" أكسبتها مزيدا من الصلابة والثبات. وإذا ما أضفنا إلى ذلك الخوف من المحيط المبني على أسس طائفية أو عرقية أو مذهبية؛ نكون قد وقفنا على مدى الصلابة والتماسك لأسطورة "صمام الأمان"، وبالتالي على مدى صعوبة تفكيك وإسقاط هذه الأسطورة.

يعتقد البعض أن الخطاب والسلوك التصالحي المطمئن، وإبداء الرغبة قولا وفعلا بالحفاظ على مؤسسات الدولة، وإظهار المقدرة على الانتظام والتنظيم والتوافق؛ كفيل بتفكيك وإسقاط العكاز الأخير لدى النظام السوري. أي، أسطورة "صمام الأمان". ويعتقد آخرون أن الشعب السوري قادر على اجتراح الحلول لأي معضلة تواجهه، يكفيه أن يجد من يرشده إلى موضع العلة فقط.