icon
التغطية الحية

شهر ونيف على مفاجأة السويداء.. انتفاضة منظمة بوجه رهانات الأسد الخاسرة

2023.09.19 | 14:53 دمشق

السويداء
انتفاضة السويداء
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

راهن النظام السوري على الوقت وراهن أهالي السويداء على تماسك صفوفهم في المظاهرات اليومية وإقبال الناس بلا توقف إلى الساحات، ففشل النظام ونجح أبناء المحافظة الجنوبية في مد حراكهم إلى شهر كامل، كانت طويلة الأيام بحجم إصرارهم على المتابعة في طريق وعورته شديدة ومسالكه خطيرة، خصوصاً مع الشعارات العالية السقف التي رفعوها ضد نظام امتهن جرائم الحرب ومعاقبة كل من يفكر بإسقاطه.

في مقابلته التي سبقت انتفاضة السويداء بأيام قليلة على قناة "سكاي نيوز عربية" المملوكة لحليفته الإمارات، أخرج رئيس النظام السوري بشار الأسد من جعبته كذبة جديدة بخصوص المظاهرات التي رفعت شعار رحيله، قائلاً: "حتى العدد الكبير في تلك المظاهرات لم يتجاوز في أحسن الأحوال مئة ألف ونيفاً وفي كل المحافظات، مقابل عشرات الملايين من السوريين..".

ردت السويداء بنزول كل أبنائها تقريباً إلى الشوارع، وملؤوا الساحات رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً مطالبين بإسقاط النظام، رغم أن عدد سكانها بآخر إحصاء وفق السجلات المدنية للمحافظة عام 2019 لا يزيد على 555 ألفاً و703، بحسب صحيفة الوطن المقربة من النظام، أي خمسة أضعاف الـ 100 ألف ونيفاً التي تحدث عنها بشار الأسد.

نقطة اللا عودة

أحرقت صور بشار الأسد على البث الحي والمباشر في ساحات السويداء، وديست تماثيل أبيه "القائد الخالد" بالأرجل، ولم يعد لنظام الأسد أي سلطة في الخاصرة الجنوبية لسوريا.

"بشار ولاك ما بدنا ياك"، و"ما منحبك" و"يلا ارحل يا بشار" و"الشعب يريد إسقاط النظام" و"مافي للأبد عاشت سوريا ويسقط الأسد" و"خاين خاين حزب البعث خاين"، والعشرات من الشعارات الأخرى التي كانت بسقف الثورة السورية ومطالبها، رفعها أبناء السويداء خلال أكثر من 30 يوماً من ساحة الكرامة بوسطها إلى القريا حيث قبر سلطان باشا الأطرش، ومنه إلى مختلف قرى المحافظة وبلداتها.

بالهتافات والدبكات والرقصات على أنغام الحرية والكرامة، دخلت السويداء عصراً جديداً لم يكن يتوقعه نظام الأسد ولا حتى داعموه، فقد حافظت على سلميتها رغم توفر السلاح بأيدي أبنائها مستفيدة من "مزاعم" النظام في حمايته للأقليات، ما جعل رده عليها حتى الآن مقتصراً على 3 جرحى أطلق الرصاص عليهم من قواته في مقر حزب البعث بمركز المحافظة في 13 أيلول الجاري.

ويبدو أن نظام الأسد كان يجرب جر المحافظة إلى الحل الأمني عبر استهدافه لعدد محدود من الناس، إلا أن إصرار "مشيخة العقل" وخصوصاً الشيخ حكمت الهجري ومن بعده الشيخ حمود الحناوي على سلمية الحراك وعدم قبول أي تصعيد من قبل النظام، قد يكون غيّر من الترتيبات خصوصاً مع الزخم الدولي الذي رافق انتفاضة السويداء.

النظام مرتبك

وخلال الشهر الماضي عملت ماكينة إعلام النظام وداعميه على تشويه صورة الحراك، ونسج القصص عن نظريات المؤامرة والتخوين على منوال ما حدث بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011.

في بداية الانتفاضة الشعبية كانت حالة الارتباك واضحة على وسائل إعلام النظام المرئية والمكتوبة والمسموعة، حيث يرجح أن القصر الجمهوري وفروع المخابرات لم تكن تعطي توجيهات واضحة، فلا يمكن وصفهم بالإرهابيين وفق "معرفات نظام الأسد" للمصطلح الذي يتهم به أكثرية الشعب، وهم ليسوا ممولين من قطر، ولم تبنِ لهم الجزيرة استديوهات ضخمة.

ولأن سوء الأوضاع المعيشية كان أحدَ الدوافع المساهمة في تطور الحراك الشعبي، كانت وسائل إعلام مقربة من النظام لا تهاجم مظاهرات السويداء، باعتبار أن سقف النقد يمكن أن يأخذ مجراه طالما لا يقترب من بشار الأسد وعائلته أو يطالب بإسقاط النظام، وهو ما فاجأتهم به السويداء.

وعلى أساس ذلك صيغت التوجيهات بأن الانتفاضة مدعومة من الغرب ولديها نزعة انفصالية، إلا أن إصرار أبناء السويداء على التمسك بسوريا موحدة كان واضحاً خصوصاً مع المطالب السياسية التي توضح حجم إدراك أبناء المحافظة للوضع السياسي في سوريا وآخر مجرياته.

وكان في مقدمة ما شدد عليه أبناء السويداء هو تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 والقاضي بإنشاء هيئة حكم انتقالية في سوريا.

كما ينص القرار على دعم عملية سياسية بقيادة سوريّة تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكماً ذا صدقيّة يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.

ويحدد القرار جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملاً بالدستور الجديد، في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة.

ولم ينس أبناء السويداء المعتقلين في سجون النظام السوري، إذ كانت المطالبة بخروجهم على رأس المطالب الشعبية في ظل وجود أكثر من 155 ألف شخص في أقبية المخابرات باعتقال تعسفي أو اختفاء قسري، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

رهانات خاسرة

وخلال شهر كامل حافظت السويداء على زخم شعبي وسلمي في ازدياد وتوسع، مصحوباً بشعارات سياسية مميزة ودقيقة، راهن خلالها النظام السوري على ملل المتظاهرين وعامل الوقت، ولكن لم يملوا بل ازدادوا عدداً، وعملت أدبيات الكرامة التي يعتز بها أهل جبل العرب في زيادة نقاط التظاهر والإصرار على إسقاط النظام.

راهن النظام السوري على أن يأخذ شكل الحراك بعداً اقتصادياً وثورة جياع ومطالب معيشية يمكن تحقيق بعضها وخداعهم عبر أعطيات معينة، إلا أن ذلك الرهان كان خاسراً وفاشلاً، وكانت كل رسائل مناسف المليحي و"صواني اللزاقيات" والقهوة المرة إشارة إلى كرم أبناء الجبل الأشم كما يسمّيه أبناؤه.

وكانت خطوة إطلاق النار على المتظاهرين من فرع حزب البعث الذي أراد أبناء السويداء إغلاقه بشكل نهائي، تجريباً من قبل النظام، أدى إلى إصابة 3 أشخاص في مقابل ردة فعل أهلية تنتقل عبرها قوات الأسد وميليشياته إلى تطبيق الحل الأمني، إلا أنه فشل أيضاً.

أين مسار التطبيع؟ 

ولم تكن رهانات النظام على الوضع الداخلي فقط، بل كان النظام السوري يراهن بشكل كبير على ملف التطبيع العربي الذي قد يؤثر على التوجه الغربي ممثلاً بالولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، إلا أن ذلك فشل أيضاً.

فهناك حديث عن تجميد اجتماعات اللجنة الوزارية العربية التي تشكلت بعد عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط".

وأشارت الصحيفة يوم الإثنين، نقلاً عن مصادر دبلوماسية عربية إلى أن النظام السوري لم يقدّم التسهيلات الأمنية والسياسية المطلوبة لوقف تصدير المخدرات وعلى رأسها الكبتاغون، إلى دول الجوار كما امتنع عن التجاوب مع المتطلبات المؤدية للانتقال تدريجياً إلى مرحلة الدخول في الحل السياسي لإنهاء الحرب في سوريا.

ورغم رفض واشنطن المنطق العربي في التطبيع فإن إدارة الرئيس جو بايدن غضت الطرف عن فرض أي عقوبات أو توجيه توبيخ رسمي للدول العربية المطبعة مع النظام السوري، 

وهنا قد يُطرح تساؤل عن إمكانية تغير موقف إدارة بايدن الذي يعد ضعيفاً بعد انتفاضة السويداء، والاتصال الذي أجراه النائب في الكونغرس الأميركي فرينش هيل، في 15 من أيلول الجاري، مع أبرز مشايخ طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري.

وقال الكاتب السوري ماهر شرف الدين، إن الاتصال بين "الهجري" وهيل" دام أكثر من نصف ساعة واستفسر خلاله الأخير، "عن حقيقة ما يجري في السويداء التي تشهد انتفاضة شعبية ضدّ نظام الأسد منذ نحو الشهر، كما استفسر عن الأوضاع الأمنية في المحافظة، خصوصاً بعد قيام النظام بإطلاق النار على المتظاهرين أمام فرع حزب البعث".

وأضاف "شرف الدين" في تغريدة على موقع "تويتر"، إن  "هيل" عبّر عن اعتزازه بالتواصل مع القائد الروحي للموحدين الدروز، متمنياً بناء علاقة وطيدة معه، ومشدّداً على أن سلامته الشخصية هي موضع اهتمام خاص.

وقد تعول الولايات المتحدة على انتفاضة السويداء في دفع نظام الأسد لتقديم تنازلات أكبر، مثل إطلاق سراح المعتقلين وتفعيل خطة 2254 والبدء بتعديلات دستورية جدية. إن صدقت الترجيحات هذه فإن النظام السوري لن ينفذ أياً منها وفق منظوره للأمور وقد ينفذ خطته الأمنية لإسكات الأصوات في السويداء أسوة بغيرها من المحافظات الأخرى ولو على حساب "كذبة حماية الأقليات" بمزاعم قتال جماعات مسلحة انفصالية، خاصة أنه آمنٌ من العقوبة.