icon
التغطية الحية

شهادات طبية توثق أهوال الليلة الأولى للزلزال في مشفى عقربات بريف إدلب

2023.03.13 | 06:54 دمشق

مشفى عقربات في ريف إدلب (تلفزيون سوريا)
مشفى عقربات في ريف إدلب (تلفزيون سوريا)
إدلب ـ رامي السيد
+A
حجم الخط
-A

رغم ضعف الإمكانيات والظروف الصعبة التي يمر بها القطاع الطبي شمال غربي سوريا إلا أن المستشفيات والمراكز الطبية عملت بجهود جبارة فاقت قدرتها الاستيعابية بأضعاف مضاعفة، مستجيبة لكارثة الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غربي سوريا وتركيا.

في مشفى عقربات بريف إدلب أسعف أكثر من 400 جريح من مصابي الزلزال في اليوم الأول فقط وأجري قرابة 50 عملا جراحيا، ولم تتسع أسرّة المشفى وغص قسم الإسعاف بعشرات الإصابات التي كانت تتوافد إلى المشفى كمجموعات لا أفراد.

كانت سيارات الإسعاف وسيارات المدنيين لا تتوقف عن نقل مصابي الزلزال ، في مشهد مرعب كما يصفه موظفو المشفى الذين عملوا لساعات طويلة خلال الأيام الأولى امتد عمل الكثير منهم لساعات تزيد على 20 من دون استراحة.

أوقفت المشفى خلال ذلك استقبال الحالات الباردة من المرضى والمراجعين الاعتياديين واستنفرت جميع الكوادر الطبية العاملة فيه من أطباء وممرضين وفنيين وإداريين إضافة إلى متطوعين من أطباء وكوادر طبية قدموا من مختلف مناطق شمال غربي سوريا لتلبية الاستجابة لمتضرري الزلزال.

حيث استقبل في الفترة الماضية ما يزيد على 1500 حالة إسعافية وأجرى المشفى قرابة الألف عمل جراحي لمتضرري الزلزال حيث لا يزال العديد منهم في المشفى يتلقى الرعاية الطبية ويحتاج لإجراء عمليات جراحية على عدة مراحل.

عمل من دون توقف

"كنت أقيس حال هؤلاء الأطفال والمصابين بأفراد عائلتي وهم على شرفة بناء في الطابق الرابع.. عشت ساعة عصيبة في اليوم الأول للزلزال، استقبلت المصابين قبل أن أتمكن من الاطمئنان على عائلتي كنت مناوبا في المشفى وكانت الاتصالات مقطوعة مع زوجتي وأطفالي الذين يسكنون بالطابق الرابع في أحد أبنية مدينة اعزاز"؛ هكذا يستذكر الطبيب عبد السلام النعسان اختصاصي جراحة عظمية ليلة حدوث الزلزال.

يقول النعسان واصفاً حال المشفى في اليوم الأول بالزلزال (6 شباط): "باشرنا باستقبال المصابين واحداً تلو الآخر وتم توجيه نداء لكادر المشفى ومنهم القريب والذين لبوا النداء فورا لحدود الساعة السابعة صباحا كان نصف الكادر الذي لم يكن لديه مناوبات موجودا في المشفى وتم توزيع العمل بين الكوادر الطبية وعملنا على تقييم المصابين منهم من كان يحتاج لعمليات إسعافية اهتم به قسم من الكادر وبين مصابين يحتاجون لجبائر وآخرين تم توزيعهم على أجنحة المشفى لمتابعة العلاج في الساعات الأولى كان لدينا قرابة 150 حالة بينهم 30 حالة تحتاج إلى تداخل جراحي و10 حالات بحاجة لجراحة إسعافية قمت أنا وزميلي الطبيب الدكتور نادر بإجراء جراحات إسعافية لهم لست ساعات متواصلة ثم خرجنا وقمنا بتقييم الحالات الجديدة التي ما زالت تتوافد للمشفى وعاودنا إجراء عمليات جراحية اسعافية حتى الواحدة ليلا".

يتابع في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "عشنا أياماً عصيبة وشاهدنا الكثير من القصص المأساوية التي ستبقى عالقة في أذهاننا ومنها قصة الطفل أرسلان الذي بقي 60 ساعة عالقا تحت أنقاض منزله وهو الناجي الوحيد من عائلته تحدثت معه في المشفى وشد انتباهي وعاطفتي نحوه لكنه للأسف التحق بعائلته بعد أيام متأثرا بإصابته".

ويشير الطبيب إلى أنّ أكثر ما كان يدمي القلوب هي الأمهات اللاتي فقدن أطفالهن أو الأطفال الناجين دون أسرهم وكانوا يظنون أنهم أحياء ويقدم لهم العلاج في مشاف أخرى.

الطبيب عبد السلام النعسان خلال إجراء العمليات الجراحية للمصابين في الزلزال (تلفزيون سوريا)
الطبيب عبد السلام النعسان خلال إجراء العمليات الجراحية للمصابين في الزلزال (تلفزيون سوريا)

ساعات من العمل بلا توقف

يكمل الطبيب: "لم أشعر بالإرهاق والتعب كنت أعمل بجهد وأقيس حالة هؤلاء الأطفال والمصابين بأفراد عائلتي وهم على شرفة بناء في الطابق الرابع ماذا كنت سأفعل لو لا سمح الله أصابهم مكروه.. عملت من الفجر حتى الساعة الواحدة ليلا صدقا لم أشعر بتعب جسدي هذا واجب إنساني وأخلاقي قبل أن يكون واجبا وظيفيا".

"مواقف صعبة"

يصف الممرض أحمد الشيخ المهجر من مدينة حمص اللحظات الأولى للزلزال بالقول: "لم أشعر بالزلزال منذ لحظاته الأولى كنا نياما أنا وعائلتي ولكن سرعان ما استيقظت وذهبت فورا لغرفة أطفالي احتضنتهم وحاولت أن أهدئ من روعهم، كان الأمر مرعبا لم أتخيل أن الأمر بهذه الخطورة حتى إنني لم أفكر بداية في إخراج أطفالي وعائلتي توقعت أنها لحظة وتنتهي حتى سمعت صراخ جيراني وينادون علي طالبين مني الخروج أنا وعائلتي".

ويقول أحمد الشيخ في حديث لموقع تلفزيون سوريا: "وما هي إلا لحظات حتى هدأ الزلزال تصفحت هاتفي الجوال لأعرف ما يحدث وبدأت الأخبار تتوالى عن سقوط أبينه وإصابات وجرحى فقررت التوجه إلى المشفى مباشرة، وعند وصولي صدمت بما رأيت؛ لقد عايشت كوارث وحروبا وعملت في المشافي منذ بداية الثورة لكن ليلة الزلزال كانت الصدمة شديدة؛ جثث الأطفال المضرجين بالدماء تملأ المداخل".

يذكر الشيخ أن المشفى اكتظ بالحالات التي تحتاج للإسعاف ويصف الساعات الأولى بالقول: "دخلت لقسم الإسعاف وباشرت بعملي من ضمادات وإيقاف نزيف وإسعافات أولية؛ كثيرة هي الإصابات كثيرة هي الحالات التي تركت أثرا لا يمحى وما زلت أستذكر حالة طفلين شقيقين اثنين مصابين موضوعين على سرير واحد يحتضنان بعضهما كان الطفل يطلب مني الماء ويقول إنه جائع أيضا وأعطاه رجل قطعة من البسكويت طلبت من شقيقه الكبير والذي يكبره قليلا أن لا يأكلا فربما سيحتاجان لعمل جراحي ولا يصح أن يتناولا طعاما أو شرابا قبل إجراء العمليات، وما هي إلا 3 دقائق عندما عدت إليهما كان قلب الصغير قد توقف فأدخلناه إلى العمليات وحاول الأطباء إنعاش قبله حتى استجاب وقمنا بنقله فورا إلى مشفى باب الهوى لوجود اختصاصات طبية يحتاجها هناك لكنه توفي في الطريق إلى هناك".

وأردف: "توالى وصول الجرحى ومع كل دفعة جديدة تصل إلى المشفى كنت أخشى أن أرى أفراد عائلتي بينهم.. لقد كانت أطول 4 ساعات في حياتي".

الممرض أحمد الشيخ يتفقد حال طفلة مصابة تتلقى العلاج في المشفى (تلفزيون سوريا)
الممرض أحمد الشيخ يتفقد حال طفلة مصابة تتلقى العلاج في المشفى (تلفزيون سوريا)

ساعات من القلق

أما فني التخدير محمد سرجاوي فكان مناوبا في مشفى عقربات ليلة وقوع الزلزال، ويقول واصفاً لحظة الزلزال: "اهتز المشفى بنا كان المشهد مرعبا رافقته أجواء ماطرة وباردة جدا.. وبعد دقائق معدودة فقط بدأ الجرحى والمصابون يتوافدون إلى المشفى ولا سيما من المناطق القريبة.. وبقيت الساعات الأربع الأولى بعد الزلزال من دون تواصل مع عائلتي كنت أتابع وجوه المصابين الواصلين ومع كل دفعة جديدة كنت أخشى أن أرى افراد عائلتي بينهم.. لقد كانت أطول 4 ساعات في حياتي حاولت أن أضبط نفسي باستمرار عبر مساعدة المصابين الذين لم تتسع لهم أسرة الإسعاف".

يكمل سرجاوي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "أحضرنا البطانيات فرشنا بها الأرض ووضعنا بها المصابين لقد كانوا حفاة وبثياب النوم كانت ثيابهم مبتلة بسبب المطر الغزير وأعدادهم كبيرة، كثير منهم من الأطفال والنساء".

فني التخدير محمد سرجاوي في غرفة العمليات (تلفزيون سوريا)
فني التخدير محمد سرجاوي في غرفة العمليات (تلفزيون سوريا)

"ندوب في القلب"

يتحدث سرجاوي عن حال المصابين التي وصلت بعد الزلزال: "كثيرة هي الإصابات التي تركت ندوبا في قلبي منها طفل عمره ثلاث سنوات فقد كل عائلته أصيبت ثلاثة من أطرافه نتيجة الزلزال لم يكن له سوى يد واحد سليمة عندما كنت أذهب إليه لأضع له بعض الأدوية التي تحتاج لفتح وريد كان يبكي ويطلب والده وأمه مناديا "أريد بابا أريد ماما" لم يكن واعيا لما حدث لقد فقد كل عائلته كنت أخفي دموعي عنه لكن لم يكن لديه سوى طرف واحد سليم نقدم له الأدوية والعلاج من خلاله الحمد لله الآن وضعه أفضل لقد أجرينا له في المشفى عدة عمليات".

"مشاهد مؤلمة"

الممرضة ملك دبيس والتي تعيش مع عائلتها في مخيمات قاح القريبة من المشفى شعرت بالزلزال مثلها مثل جميع السكان في شمال غربي سوريا تقول: "توجهت مباشرة إلى مشفى عقربات وكان المشهد كارثيا فبدأت أنا وزملائي بتقاسم المهام نستقبل الحالات من الأطباء مع التعليمات الخاصة بكل حالة منها ما هو بحاجة لضماد أو لفتح وريد أو لنقلها لأقسام المشفى ونقوم بفرزهم إلى غرف كل حسب حالته ونقوم بتأمين المستلزمات التي يحتاجونها وأيضا حتى اللباس لأن كثيرا منهم كانوا من دون لباس أو ثيابهم مبلله".

وترى ملك أن أكثر المشاهد إيلاماً كان الأطفال الموجودين في المشفى والذين فقدوا كل أفراد عائلاتهم وبعضهم لا يعرفون، ويزداد الألم عندما تسمع الطفل يطلب أمه ولا يتمكن الفريق الطبي من إخباره بأن ذويه قضوا في الزلزال.

الممرضة ملك دبيس تتابع حال المرضى في مشفى عقربات بريف إدلب (تلفزيون سوريا)
الممرضة ملك دبيس تتابع حال المرضى في مشفى عقربات بريف إدلب (تلفزيون سوريا)

المشفى يعود لاستقبال الحالات الباردة

بعد مضي قرابة الشهر وبضعة أيام على الكارثة يعود مشفى عقربات بريف إدلب لاستقبال الحالات الباردة والمراجعات التي أوقف استقبالها منذ بداية الزلزال فاتحا أبوابه لعمله الاعتيادي في معالجة الكسور والرضوض وغيرها من الجراحات العظمية والترميم وتقديمه العلاج الفيزيائي إضافة إلى الأطراف الصناعية والدعم النفسي للمرضى.