icon
التغطية الحية

متطوعات الدفاع المدني.. أياد بيضاء تضمد الجراح

2023.03.10 | 05:13 دمشق

متطوعات الدفاع المدني السوري
لم يقتصر عمل "الخوذ البيضاء" على الرجال، بل لبت متطوعات الدفاع المدني نداء الاستجابة منذ الساعات الأولى للزلزال المدمر
إدلب ـ رامي السيد
+A
حجم الخط
-A

منذ اللحظات الأولى للزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال غربي سوريا كان متطوعو الدفاع المدني من أوائل المستجيبين للكارثة، وعلى الرغم من ضعف الإمكانيات وقلة المعدات وصل المتطوعون الليل بالنهار بحثاً عن ناجين وعالقين تحت الأنقاض.

ولم يقتصر عمل "الخوذ البيضاء" على الرجال، بل لبت متطوعات الدفاع المدني نداء الاستجابة منذ الساعات الأولى للزلزال المدمر، وساهمن إلى جانب المتطوعين في كل عمليات الإنقاذ ومراحلها، من البحث عن ناجين وانتشال العالقين تحت الأنقاض، إلى تضميد الجراح وإسعاف المصابين، ولا سيما من النساء والأطفال.

شورشفان.. عملنا إلى جانب الرجال مكمل لهم

شورشفان إحدى متطوعات الدفاع المدني من مدينة جنديرس، عايشت الزلزال منذ لحظاته الأولى، كونها من سكان المدينة، تقول إنها استيقظت فزعة ومرعوبة، ظنت في البداية أنه قصف استهدف المدينة، ثم ما لبثت أن أدركت أنه زلزال، فسارعت بالخروج من المنزل مع أطفالها.

عندما وصلت شورشفان إلى الشارع صدمت بحجم الكارثة، وقامت على الفور بالبحث عن الإنترنت لكي تطمئن على أهلها وأصدقائها، ولكن دون جدوى، فقد تسبب الزلزال بقطع الاتصالات.

"كان الجو ماطراً، قمت بتأمين أطفالي لدى أهلي، وفوراً توجهت إلى مركز الدفاع المدني بجنديرس، وشكلنا فرق مع المتطوعات الأخريات، كل اثنتين ترافقا مجموعة من الرجال"، وتؤكد "هذا واجبنا، إذا لم نكن مع أهلنا في هذه المحنة متى نكون معهم"، تقول شورشفان.

وتضيف "عندما وصلنا إلى الأبنية المنهارة بفعل الزلزال وسماعنا أصوات الصراخ والاستغاثة من العالقين تحت الأنقاض شكل ذلك دافعاً قوياً لي، ومدني بالشجاعة بعد أن كنت مذعورة وخائفة، وسارعنا مع المتطوعين الآخرين بمساعدة العالقين تحت الأنقاض وإسعاف الجرحى".

تؤكد شورشفان "أنا كأم قمت بتأمين أطفالي لدى عائلتي، بينما في موقع الكارثة هنالك أطفال ونساء بحاجتنا أكثر من أطفالي وعائلتي"، وتضيف "أعرف هذا الشعور جيداً، وأحسست بإحساس كل الأمهات والأطفال العاقلين تحت الأنقاض أنهم بحاجة للمساعدة".

تقول "من أكثر الأشياء التي أثرت بي وآلمتني هي طلبات الأمهات واستغاثتهن.. أرجوكم أنقذوا أطفالي فقط، وأيضا مما أحزنني وآلمني أكثر هم أولئك الناجون من الزلزال الذين أسعفناهم إلى المشافي لكنهم توفوا نتيجة إصابتهم بجروح بليغة".

تشدد المتطوعة في الدفاع المدني السوري على أن "وجودنا كان ضرورياً هنالك، الكثير من النساء اللواتي كن تحت الأنقاض وبحاجة لسيدة تتعامل معهن وتساهم في إخراجهن وإنقاذهن، عملنا كمتطوعات في الدفاع المدني إلى جانب الرجال كان عملاً مكملاً لبعضه".

أريج.. لقد فطرت قلوبنا

أريج الكني، متطوعة في "الخوذ البيضاء"، وهي أم لثلاث بنات، التحقت بعملها منذ الساعات الأولى التي تلت الزلزال، بعد أن قامت هي أيضا بتأمين أطفالها لدى عائلة زوجها.

لم تتوقع أريج حجم الكارثة الكبير، كانت تظن أن بناء أو بناءين أو بعض الجدران التي انهارت، لكن المشهد في مدينة جنديرس كان مرعباً، وأشبه بالقيامة، وفق وصفها.

كانت لحظات صعبة وقاسية عندما شاهدت أريج المفجوعين الذين فقدوا أولادهم أو أفرادا من عائلاتهم، أو أطفالا فقدوا أمهاتهم، تقول "البكاء والصراخ والاستغاثة أكثر الأشياء العالقة في ذاكرتي إلى اليوم".

تضيف أريج "أول ما فكرت فيه، هو زميلتنا في الدفاع المدني التي كانت تقطن في الطابق الخامس بأحد الأبنية بمدينة جنديرس، شعرنا بالقلق لأننا لم نستطع التواصل معها، فتوجهت مع بعض المتطوعات إلى الحي الذي تقطن به، صدمنا من هول ما رأيناه، كان البناء منهاراً بالكامل، كنا نصرخ وننادي باسمها واسم زوجها، دون أن نتلقى أي إشارة أو إجابة، باشرنا البحث عن ناجين ومفقودين في هذا البناء لكن لم نعثر عليها".

توجهت أريج وزميلاتها إلى المشفى في جنديرس عسى أن تجدن زميلتهن بين المصابين، لكنهن لم يعثرن عليها، وقال لهم أحد الحراس "ابحثن هناك" مشيراً إلى جثث وضعت على رصيف الطريق، وتمت تغطيتها ببطانيات.

تقول أريج "كان صعباً علي وعلى زميلاتي البحث في وجوه الموتى، كانوا يضعون عليهم بعض البطانيات، قمنا بالكشف عن وجوههم وبحثنا بين عشرات الجثث دون أن نعثر على فاطمة، لكن الوجوه التي شاهدناها مازلت عالقة في أذهاننا".

تشير أريج إلى أن فرق الدفاع المدني واصلت البحث والإنقاذ في نفس الحي وتمكنوا من العثور على عائلة فاطمة، لكنهم كانوا قد فارقوا الحياة جميعاً، جميع أفراد عائلة المتطوعة فاطمة قضوا من جراء الزلزال، تقول "كان الأمر قاسياً علينا، فقدنا صديقة وأختا مع عائلتها".

تؤكد المتطوعة في الدفاع المدني السوري أنه "لن أنسى هذا المشهد ما حييت، كانوا جميعاً نياماً، لم يتحركوا عندما عثرنا عليهم، كانوا جميعا في أماكن نومهم، نعم لقد ناموا ولن يستيقظوا مجدداً".

وعن مساهمتها مع فرق الدفاع المدني، تقول أريج "كانت خطتنا منذ البداية التوجه إلى الأماكن الأكثر كثافة سكانية، كالأحياء التي تضم أبنية من عدة طوابق، وحاولنا البحث عن ناجين بمعدات بسيطة بأيدينا، وحاولنا فعل ما باستطاعتنا، أنقذنا نساءً وأطفالاً ورجالاً من خلال وجودنا مع المتطوعين، قمنا بإسعاف الكثير منهم إلى المشافي، لكن لو كنا نملك المعدات الكافية لاستطعنا إنقاذ كثيرين غيرهم".

تقول أريج "لن تختفي مشاهد الخوف والهلع وأنين الجرحى وأصوات العالقين تحت الأنقاض من حياتنا إلى الأبد، لن ننسى وجوه الناجين والدموع في أعينهم، أمهات وأطفال وحتى رجال. لقد فطرت قلوبنا".

مرح.. العديد من القصص لم تروَ بعد

(من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) هكذا بدأ مرح الخطيب، ابنة مدينة حمص والمتطوعة في الدفاع المدني السوري، وتضيف "عملنا لساعات متأخرة، لم نشعر بالتعب أو الإرهاق في أي وقت من الأوقات".

تؤكد مرح أن "كل حياة استطعنا إنقاذها كانت دافع لنا يعطينا القوة للاستمرار في إنقاذ حياة الناس، ولم تتقاعس أي متطوعة، ولم تقل أي واحدة منهن أن لدي عائلة وهي بحاجتي، بل كنا في كل مرة ننقذ شخصاً وننقله للمشفى أو نقدم له الإسعافات اللازمة ننطلق بعزيمة أكبر لأننا أنقذنا حياة".

بعد تجاوز الأيام الأولى التي تلت الزلزال، وتوقف عمليات البحث والإنقاذ، لم ينته عمل متطوعات الدفاع المدني، بل استمرت جهودهن في مراكز الإيواء، حيث كانت مهماتهن متابعة الجرحى والمصابين.

تقول مرح "زرنا عشرات الجرحى والمصابين، وتابعنا أوضاعهم الصحية لأيام، وقمنا بتأمين لوازم العلاج لهم، ونقلنا المصابين إلى المشافي، وتابعنا المرضى والجرحى قبل وبعد العمل الجراحي، كما قدمنا خدماتنا للنساء الحوامل أيضاً".

تشير المتطوعة في الدفاع المدني إلى أن "الأعمال التي تقوم بها المتطوعات كثيرة، بالإضافة إلى التوعية الصحية داخل نقطة جنديرس النسائية وخارجها"، وتؤكد أن "الجهود التي قام بها جميع متطوعي الدفاع المدني، ذكوراً وإناثاً، زادت من عزيمتهم وإرادتهم في متابعة مهمتهم الإنسانية".

تؤكد مرح "أنا أم أيضاً، وأعرف ما تعنيه هذه الكلمة، لذلك أحاول أن أقدم ما أستطيع لأولئك الذين فقدوا أمهاتهم أو أفراداً من عائلاتهم".

وعن المواقف التي واجهتها خلال عملها الإنساني، تقول مرح "كنت في أحد مراكز الإيواء أغير ضمادات جروح لإحدى السيدات أصيبت بها هي وزوجها، كنت أواسيها وأقول لها الحمد لله أنكم بخير ونجوتم من الزلزال، لكن المرأة أجهشت بالبكاء وقالت أنا وزوجي نجونا لكن أطفالي قضوا في الزلزال، لم أتمالك نفسي، وشعرت بالخجل وبكيت، تمنيت لو أنني لم أقل لها أي كلمة".

تقول مرح "كثيرة هي المواقف التي لا تمحى من الذاكرة والتي أثرت فينا، هنالك العديد من القصص التي لم تروَ بعد".