icon
التغطية الحية

شتاء جديد على أهالي درعا ولا حلول للإنقاذ

2021.12.30 | 05:13 دمشق

a2ef719e-e2be-4b2e-a5a7-fe883491d195.jpeg
درعا - محمد علي
+A
حجم الخط
-A

مع حلول فصل الشتاء يعجز أهالي درعا وعموم سوريا عن تأمين الاحتياجات الأساسية من مواد التدفئة، وما يقيهم من برد الشتاء، في ظل غلاء فاحش في أسعار المحروقات، وإدارة النظام القاصرة عن احتياجات المواطنين، التي تحثهم - عبر إعلامها - على الاستحمام في الماء البارد.

في ظل هذه المجريات يسعى الأهالي لتدفئة منازلهم بشتى السبل المتاحة لهم، إن كان عن طريق الدعم الحكومي الشحيح، أو من خلال طرق التدفئة المتاحة، في حين يعجز كثيرون عن تأمين ولو جزءاً يسيراً من المحروقات أو حوائج الشتاء. 

نقص المخصصات وتوافرها في السوق الحر

يعزو علي محمد أحد سكان مدينة درعا، عدم قدرته على تلبية أساسيات الدفء إلى الغلاء الفاحش في الأسعار، دوناً عن انقطاع المازوت والحطب بشكل متعمد عن الأسواق والشح الكبير في توافرها، بعد أن رفعت وزارة التجارة الداخلية في حكومة النظام سعر لتر المازوت "الديزل" المدعوم من خلال البطاقة الذكية إلى 500 ليرة في تموز الماضي بنسبة تتجاوز الـ 170% للتر الواحد. 

والمخصصات تقتصر على 50 لتراً للعائلة الواحدة بعد أن كانت 200 لتر في الأعوام السابقة، ما يجعل تأمين مازوت يكفي الشتاء من المستحيلات في قاموس الفقراء وغيرهم من أبناء الطبقة الوسطى في المحافظة، بينما يبلغ سعر لتر المازوت غير المدعوم "الحر" في السوق السوداء 4000 ليرة سورية، ليصل سعر البرميل الواحد إلى 880 ألف ليرة ما يعادل 275 دولارا أميركيا. 

والحال مشابه لجرة الغاز، فقد وصل سعرها إلى أكثر من 100 ألف ليرة (32 دولارا أميركيا) في السوق الحرة، لأنها تمنح للعائلة فقط مرة واحدة كل ثلاث أشهر عن طريق البطاقة الذكية، وهي لا تكفي لسد احتياجات المنزل في الطبخ، فلذلك من الصعب جداً استخدامها  بالتدفئة.

التحطيب كحل بديل ومؤلم للأهالي

هذا الغلاء والشح بتوفير المواد دفع الناس إلى مصادر أخرى للتدفئة كما هو الحال مع أحمد أبو عمر، الذي كان يملك مزرعة في منطقة الشياح جنوب مدينة درعا، فيها أكثر من 400 شجرة زيتون. قبل اندلاع الثورة السورية، في العام 2011، كانت المزرعة تؤمن عائداً مادياً جيداً له، إلا أنها غدت قاحلة، بعدما أصبحت أشجارها حطباً للتدفئة.

والذي ألجأه إلى هذا الخيار، عدم قدرته على تأمين الرعاية المناسبة للأشجار بسبب ارتفاع أسعار الوقود، الذي يجعل كلفة عملية ري المزرعة لمرة واحدة تحتاج إلى مبلغ كبير من الصعب تأمينه هذه الأيام، ونتيجة لهذا الغلاء وضعف الإمكانيات جفت جذور الأشجار. وبات قطعها وبيعها حطباً "حلاً أفضل" بحسب محدثنا.

الثروة الحراجية في خطر 

فوضى قطع الأشجار في محافظة درعا لم تقتصر على الحالات الفردية، إنما أصبحت نهجاً يتبعه كثيرون سواء على الأملاك الخاصة أو العامة في المحافظة، ما تسبب بإلحاق الضرر بزراعة الزيتون والثروة الحرجية بشكل عام.

حيث بلغت المساحات المزروعة بشجر الزيتون نحو 30507 هكتارات، أي ما يقارب 6,4 ملايين شجرة. وبحسب أحد المهندسين الزراعيين من أبناء المنطقة، الذي عمل في مديرية البحوث الزراعية ومديرية الزراعة في درعا، فإنه لا توجد حالياً إحصاءات دقيقة لأعداد الأشجار، ولا سيما أن موجة من عمليات التحطيب طالت العديد منها، لقلة مياه الري وتراجع الرعاية.

ويضيف: "تراجع إنتاج القطاع الزراعي في المحافظة، أدى إلى قلة العرض في الأسواق، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات الحيوانية والنباتية بشكل كبير، مع ضعف الموارد المالية لدى العائلات، لا سيما محدودة الدخل". وهذا الأمر كان سبباً رئيساً في تقهقر المساحات الخضراء بشكل عام.

المازوت الأنباري الأرخص في السوق.. لم يعد متوافراً 

بالحديث عن مصادر مواد التدفئة في المحافظة، فالجدير بالذكر أن المازوت الأنباري – نسبةً إلى الأنبار في العراق إبان سيطرة تنظيم داعش عليها وعلى منابع النفط في سوريا- كان في السابق منتشراً بكثرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بسبب تدني أسعاره التي تعزى إلى جودته المنخفضة.

وكان الأهالي يشترونه من المهربين الذين كانوا ينقلونه إلى الجنوب السوري مروراً ببادية الحماد بطرق خارجة عن سيطرة النظام ومروراً بحواجز اللجان الأمنية في السويداء، بحسب ما أوضحه مسؤول أمني في فصائل الجيش الحر في درعا سابقاً.

المازوت الأنباري كان يصل بكميات كبيرة جداً، كما أنه ينقسم إلى أنواع متعددة الجودة الأقل يشتريها المدنيون، حيث يكون مستخرجاً من مصافي بدائية ومحملاً بالشوائب. وهناك نوع يكون مخلوطاً بمادة البنزين وفيه نسبة عالية من الغاز، وقد يسبب الحرائق كونه سريع الاشتعال، أما النوع الذي يسمى "المازوت الأصفر" وهو من الدرجة الأولى، فكان النظام يحتكر توزيعه في محطات تابعة له، بعد الحصول عليه من تجار مرتبطين بشكل مباشر بفروع الأمن.

سعر المازوت الأنباري كان بمتناول الأهالي بشكل أو بآخر بسبب الأسعار المتدنية التي جعلته موجوداً بوفرة، لكنه انقطع مباشرة بعد سيطرة النظام وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" على منابع النفط في الشمال والشمال الشرقي من سوريا.

هل هناك طرق تدفئة أخرى؟ 

يعمد كثير من السكان في المحافظة إلى تدفئة منازلهم أو ما تبقى منها بشتى السبل، فمن لم يجد ما سبق ذكره كالغاز والمازوت أو الحطب، يلجأ إلى جمع بقايا الأقمشة والأحذية القديمة، أو إلى البقايا البلاستيك من القمامة لتدفئة بيوتهم رغم الروائح الكريهة والدخان الذي تنتج عنه أمراض كثيرة تضر بشكل خاص بالأطفال.

هذه الحالة من الشح ليست مقتصرة على درعا، وإنما هي حالة عامة في سوريا ككل، ولم تفلح محاولات الحراك المدني، عندما تظاهر أبناء مدينة السويداء أمام مبنى المحافظة وطالبوا المحافظ "همام دبيات" بزيادة مخصصات التدفئة لتصبح 400 لترٍ بدلاً من 50 لتراً المدعومة والتي يحصلوا عليها من خلال "البطاقة الذكية".