icon
التغطية الحية

شبان سوريون لم يستسلموا لنظام الأسد وواصلوا عطاءهم بدول اللجوء

2020.12.01 | 11:58 دمشق

4ff141eb-77cb-476f-99b8-1291c6f75fa4.jpg
الناشطون من اليمين عمر الشغري ونيفين الموسى وبشار فرحات (تعديل تلفزيون سوريا)
إسطنبول - وكالات
+A
حجم الخط
-A

سلط تقرير لوكالة "AFP" الضوء على قصص أربعة شبان سوريين نشطوا في الثورة السورية واستطاعوا الفرار من الموت الذي كان يعدّه لهم نظام الأسد، ووصلوا إلى دول اللجوء، حيث بدؤوا حياة جديدة مليئة بالعطاء والمثابرة، رغم كل ما عانوه من تعذيب وقصف وتهجير، إذ لم يسمحوا للندم أن يجد إليهم سبيلاً.

عمر الشغري الشاهد على مجزرة بانياس

قرب سريره في ستوكهولم، يضع عمر الشغري صورة حارسين تعرض على أيديهم للتعذيب خلال اعتقاله في "الفرع 215"، أحد الـفروع الأمنية الذائعة الصيت في سوريا.

والسبب، وفق ما يشرحه للوكالة، أنه يريد أن تكون صورتهما أول ما يراه كل صباح فيقول في قرارة نفسه "لم يتمكنا من كسري، ما زلت على قيد الحياة".

كان عمر يبلغ 15 عاماً فقط حين اعتقلته قوات الأمن مع جميع الرجال في قريته قرب مدينة بانياس الساحلية. ورغم أنّه أفرج عنه بعد يومين فقط، لكن هذين اليومين كانا كافيين ليرى فيهما حقيقة ما يحصل في سجون النظام. وأطلق سراحه بعدما اقتلع المحققون أظافره وكسروا رجله.

ويقول الشاب البالغ اليوم 25 عاماً "فهمت يومها ماذا تعني الحرية، وبدأت بالتظاهر منذ ذلك الحين".

خلال 18 شهراً، أعيد اعتقاله ست مرات. في أيار 2012، شنّت قوات النظام هجوماً على قريته، وقتلت والده، العسكري المتقاعد، وشقيقيه.

وفي آخر مرة اعتقل فيها في تشرين الثاني 2012، تمّ نقله بين عشرة سجون وفروع أمنية، ويقول "رأيت سجون سوريا أكثر مما رأيت من سوريا نفسها".

في العام 2015، أفرج عن عمر وكان وزنه 34 كيلوغراماً. لم تجد والدته خياراً لإنقاذه مع شقيقه (11 عاماً حينئذ) إلا بتهريبهما إلى تركيا.

وفي ذروة أزمة الهجرة إلى أوروبا، هرب الشقيقان في مركب صغير إلى اليونان، ومنها عبر دول أوروبية عدة إلى السويد حيث حصلا على اللجوء، والتحقت بهما والدتهما بعد ثلاث سنوات.

صمّم عمر على تحديد مسار حياته. تعلّم اللغتين السويدية والإنكليزية حتى بات يتحدّث بهما بطلاقة. وبات من المؤثرين على موقع تويتر، ولا يتردّد في استعادة تجربته عبر تغريدات وأشرطة مصورة على موقع يوتيوب.

يعمل عمر اليوم في "المنظمة السورية للطوارئ" التي مقرها في الولايات المتحدة. وقدّم شهادته حول التعذيب في السجون السورية أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي. كما أجرى مداخلات عدة حول تجربته، وبات متكلماً معروفاً قادراً على إلهام جمهور برسالته حول تخطي الألم عبر إيجاد معنى حتى لأكثر الأوقات ظلاماً.

في تشرين الأول، تمّ قبوله في جامعة جورج تاون في واشنطن حيث سيدرس إدارة الأعمال.

ويقول "ليس سهلاً أن تخسر منزلك ووالدك وأشقاءك، ومدرستك وقريتك وجبالك وحتى ذكرياتك.. لكن لو كانت لدي فرصة لأعود في الزمن، أفعل ذلك مجددا.. لأن الثورة هي أول عمل صائب أقدمنا عليه في سوريا".

نيفين الموسى.. عاملة إنسانية في برلين

منذ العام 2015، تعيش نيفين الموسى (36 عاماً) في برلين حيث بنت حياة جديدة لها ولعائلتها الصغيرة.

وتقول "مرت علينا فترات صعبة خصوصاً حين كنت أتألم أثناء الحمل ولا أقوى على النوم. كنت أبكي، لا على نفسي أو جراء الألم لكن من أجل الناس غير القادرين على الوصول إلى طبيب، والمعتقلين الذين يتعرضون للأذى في كل لحظة".

حين انضمت نيفين للتظاهرات في قريتها طيبة الإمام في محافظة حماة، لم تتخيل أن ينتهي بها المطاف لاجئة في أوروبا.

في العام 2013، اعتُقل شقيقها حمزة، الناشط السلمي، عند أحد حواجز النظام.

وتتذكر نيفين "علمنا أنه مات تحت التعذيب"، بعدما رأت صورة جثته بين آلاف الصور التي نشرها مصور عسكري انشقّ عن قوات نظام الأسد واتخذ لنفسه اسم "قيصر" بعد فراره في العام 2014.

وتقول "اللحظة التي ترى فيها الصورة، يُفتح جرح في داخلك، ولا يمكن التعافي من الألم أبداً".

فرّت نيفين مع والدتها وأشقائها إلى تركيا في رحلة محفوفة بالمخاطر تشبّهها بإحدى مغامرات "أفلام جيمس بوند". وتقول "كانت الطائرات تحلّق فوقنا، والقذائف تتساقط حولنا والسائق يقود بسرعة مئتي كيلومتر في الساعة".

في تركيا، تعرّفت نيفين إلى زوجها محمّد الذي نجا بأعجوبة من رصاصة قناص أصابت رأسه. وفي العام 2015، نال تأشيرة لتلقي العلاج في ألمانيا حيث حصلت العائلة أخيراً على اللجوء.

لا تفارق الكوابيس نيفين، لكنها تبذل جهداً للتأقلم مع حياتها الجديدة من أجل طفلتيها (أربع وست سنوات). وتقول "أنا شخص منهار من الداخل، لكنني متمسكة بقدرة إلهية غريبة".

بعد سنوات، باتت نيفين تتحدّث الألمانية والإنكليزية بطلاقة. وتعمل في منظمة تُعنى بدعم ومساعدة اللاجئين من ذوي الاحتياجات الخاصة.

تحاول أن تشارك في كل التحركات التي تنظمها جالية اللاجئين السوريين الكبيرة في ألمانيا، علّها تساهم في تسليط الضوء أكثر على معاناة المعتقلين في سجون النظام.

وتقول "الأمل موجود لأن هذا ما يجعلنا على قيد الحياة..الأمل بأن هذا النظام سيلقى الجزاء الذي يستحقه.. أنا أريد دولة ديموقراطية وحكماً مدنياً فيه حقوق وواجبات".

تهامى درويش الناجية من مجزرة الكيماوي في الغوطة

نجت تهامى درويش من الهجوم الكيميائي الذي استهدف في آب 2013 بالغوطة الشرقية، وأودى بحياة 1400 شخص.

في 2018، وبعد حصار محكم وهجوم عسكري واسع، تمكّنت قوات النظام بدعم جوي روسي من السيطرة على الغوطة الشرقية، ما شكّل ضربة قاصمة للمعارضة السورية.

وتقول تهامى "كان القصف شديداً، حتى إنني تمنيت لو كانت ابنتي (عمرها عامان حينذاك) ما تزال في بطني حتى أتمكن من الركض سريعاً".

انضمت تهامى، وكانت ممرضة متطوعة حينئذ، وعائلتها إلى صفوف الآلاف من المقاتلين المعارضين والمدنيين الذين فضلوا مغادرة الغوطة الشرقية على البقاء تحت سيطرة قوات النظام لينتقلوا إلى شمال غربي سوريا.

ومع انصرافها هناك إلى توعية النساء حول العنف الذي يتعرضن له، وجدت نفسها متهمة من الفصائل المتشددة بنشر "الفحشاء"، وفق قولها.

وتضيف "لم نكن نرغب بمغادرة سوريا، لكن للأسف لم يكن هناك أي فارق بين النظام والإسلاميين".

انتقلت العائلة إلى تركيا حيث قدّمت طلب لجوء إلى فرنسا. وتعيش تهامى اليوم في مسكن حكومي في بلدة كولمار في شمال فرنسا حيث تتعلم مع زوجها اللغة بانتظار الحصول على الإقامة.

وتشرح "من وجهة نظر جندرية، الحياة هنا أفضل. من الصعب أن تكون الواحدة منا نسويّة في سوريا".

وتضيف "أشعر بالذنب لأنني تركت أقربائي خلفي. لكنني سعيدة في الوقت ذاته بأن سمو تدرس هنا".

وتتابع "ستكون سوريّة دائماً، لكن حياتها باتت هنا. وحين تكبر، سأروي لها كل ما حصل".

طبيب في لندن

حين أفرجت قوة أمنية تابعة لنظام الأسد عن بشار فرحات مطلع العام 2013، مُنع من متابعه تدريبه المهني في اختصاص طب الأطفال في مستشفى حكومي في مدينة اللاذقية الساحلية.

اعتُقل بشار لمشاركته في التظاهرات ضد النظام، وتعرّض على غرار آخرين للضرب على أيدي المحققين. لكنّ حصّته كانت "أشد" لمجرد كونه طبيباً حائزاً على شهادة من جامعة حكومية.

في أبريل 2013، اعتقل مجدداً لمدة ستة أشهر.

ويقول بشار (36 عاماً) من لندن حيث يعمل كطبيب مسجل "في المعتقل، كان هناك تعذيب وضرب وإهانات، لكن التعذيب الأسوأ والمستمر هو في وجودك في زنزانة مساحتها 30 متراً مربعاً (...) مع 90 إلى مئة شخص آخر".

ويضيف "كانت الحياة اليومية تعذيباً بحد ذاتها، كيف تأكل وكيف تشرب وكيف تنام وكيف تجلس. لم يكن هناك مكان للجلوس، كنا ننام مداورة، ينام أحدنا ويقف الآخر".

وباعتباره طبيباً، اعتاد زملاؤه المعتقلون في مركز للاستخبارات العسكرية في دمشق أن يطلبوا منه معالجة جروحهم، "لكن لم يكن لدي ما أعالجهم به".

ويستعيد تلك الفترة "أحياناً، كان الحارس يعطيني قرصي فيتامين وقرصي دواء مضاد للالتهاب ليتشاركها مئة شخص"، متحدثاً عن معتقلين "فقدوا أطرافاً بسبب جروح بسيطة تفاقمت بغياب العلاج".

بعد إطلاق سراحه في تشرين الثاني 2013، لجأ بشار إلى لبنان حيث تقدّم بطلب إعادة توطين عبر الأمم المتحدة، ووصل إلى بريطانيا في آذار 2015.

وتمّكن من اجتياز الامتحان المطلوب لممارسة الطب في المملكة المتحدة حيث تزوج من مهندسة ديكور ويعمل في مستشفى في شمال لندن.

ويقول إنه حين بدأ وباء كورونا بالانتشار، "خفت بالطبع على أحبتي، لكنني لم أشعر أنها أزمة كبيرة، ربما لأنه مرّ عليّ ما هو أصعب" في سوريا.

عبر الانترنت، أطلق موقعاً لتقديم الاستشارات الطبية مجاناً للسوريين. ويقول "يجب أن نكون أقوياء وأن نعمل بجد ونثبت أنفسنا حتى نكون جاهزين للمساهمة في مستقبل سوريا حين يسقط النظام".

بالعودة إلى العام 2011، يقول بشّار إن النصيحة الوحيدة التي يمكنه أن يسديها إلى بشار الطبيب الشاب قبل عشر سنوات "اخرج. شارك في الثورة، وقم بأكثر مما فعلت".

ويسأل "هل أندم على مشاركتي في الثورة؟ أبداً، ولا حتى للحظة واحدة. فالثورة هي التي حدّدت هويتي".