سياق أزمة الطاقة في مناطق سيطرة النظام السوري وسيناريوهات الحل

2022.12.13 | 06:27 دمشق

أزمة المحروقات في سوريا
+A
حجم الخط
-A

مع بداية فصل الشتاء يعاني السوريون في مناطق سيطرة النظام من أزمة حادة في تأمين المحروقات (الديزل، الغاز) ومشتقات البترول الأخرى، والتي ترافقت مع ارتفاع جنوني لأسعار المحروقات، مع ذلك، لا تتوفر المحروقات في الأسواق في كثير من الأحيان. نقص موارد الطاقة في مناطق النظام انعكس بشكل خانق على قطاع الكهرباء، مما أدى إلى زيادة عدد ساعات التقنيين، وفي بعض المناطق لم تعد الكهرباء متوفرة على الإطلاق. ومن المعروف أن أكثر من 90٪ من إنتاج الكهرباء في سوريا مصدره المحطات الحرارية التي يبلغ عددها 30 محطة، وتعمل معظمها على الديزل والغاز. حتى المولدات الضخمة للكهرباء التي انتشرت في سوريا في السنوات الاخيرة، لا تعمل في الوقت الحالي بشكل دائم لعدم توفر مادة الديزل وارتفاع أسعاره.

أدّت أزمة المحروقات التي عصفت بمناطق النظام إلى توقف كل جوانب الحياة، فتوقفت العديد من المصانع عن الإنتاج، وأصبحت حركة النقل شبه معدومة، وتباطأ إنتاج القطاع الزراعي.

في سطور هذه المقالة أناقش السياقات التي أوصلت مناطق النظام السوري إلى أزمة حادة في نقص المحروقات، وفي القسم الثاني طرحنا بعض السيناريوهات المتوفرة بيد النظام السوري.

يستحوذ على قطاع المحروقات في مناطق النظام شبكة من الشركات المرتبطة بشكل مباشر بعائلة الأسد، ونخص بالذكر هنا شركة القاطرجي

سياقات الأزمة 

نقص المعروض، انتشرت في أوساط العديد من المواقع الإخبارية المحلية أن سبب الأزمة الحالية هو توقف الخط الائتماني للنفط الإيراني للنظام السوري، لكن لا يوجد إثبات حقيقي لهذا الخبر حتى كتابة هذه المقالة، فما زالت ناقلات النفط الإيرانية تصل إلى موانئ بانياس، إضافة إلى ذلك أبدت إيران استعدادها لرفع الخط الائتماني إلى مليوني برميل شهرياً، لكن حتى هذه الكمية لا تكفي النظام السوري أكثر من 10 أيام، بحكم أن الاستهلاك اليومي لمناطق النظام بحسب "وزارة النفط" هو 200  ألف برميل يومياً، ومن المهم التذكير أن غالبية حقول النفط تقع خارج سيطرة النظام، وهي تحت سيطرة مناطق قسد في محافظتي الحسكة ودير الزور.

البنية التحتية الضعيفة، فقد تضررت البنية التحتية المتعلقة بإنتاج الديزل والغاز بأضرار بالغة، وأخص هنا مصافي النفط وأنابيب النقل، حيث تمتلك سوريا مصفاتين للنفط (بانياس، وحمص)، وتبلغ القدرة الإنتاجية لهما قبل الثورة 300 ألف برميل في اليوم، أما في الوقت الحالي فلا يتجاوز إنتاجهما بين 50 - 100 ألف برميل في اليوم (من الصعب إعطاء رقم دقيق) بالمقابل يحتاج النظام يومياً 200 ألف برميل وسطياً لتمويل مناطقه. التراجع في إنتاج المصافي جاء نتيجة أعطال متكررة، والحاجة للصيانة الدورية، والأهم من ذلك النقص الكبير في قطع الغيار، والحاجة للخبراء. وفي المقام الثاني، ترتبط مصافي النفط بمناطق الاستهلاك بمجموعة من خطوط الأنابيب الداخلية، فبعد تعرض العديد منها  للتدمير أصبح توصيل المحروقات لمناطق الاستهلاك  يسير بطريقة بطيئة.

الفساد المتفشي، يستحوذ على قطاع المحروقات في مناطق النظام شبكة من الشركات المرتبطة بشكل مباشر بعائلة الأسد، ونخص بالذكر هنا شركة القاطرجي ذائعة الصيط في الفساد، والتي استطاعت أن تسيطر على القسم الأكبر من تجارة المحروقات، باستيرادها سابقاً من مناطق داعش ومن ثم من قسد، إضافة إلى عمليات التهريب عبر حدود لبنان والعراق. تحكم واحتكار ميليشيا قاطرجي بالمحروقات، وعدم طرحها في الأسواق هو جزء أساسي ومهم من المشكلة، لأنهم بذلك يسعون لرفع أسعار الديزل لتعويض خسائرهم من انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار. 

ارتفاع الاستهلاك في فصل الشتاء، يترافق دائما مع أزمة المحروقات في مناطق النظام ومع دخول فصل الشتاء، ويرجع ذلك إلى زيادة الطلب عليها.

ويستحوذ المقربون والمحسوبون على النظام السوري على الجزء الأكبر من المحروقات، مما يقلل المعروض في السوق، إضافة لذلك الكميات القادمة من مناطق قسد ومن مصادر التهريب تنخفض بشكل كبير، لارتفاع الطلب في مناطق الإنتاج.

سيناريوهات الحل 

قبل الخوض في سيناريوهات النظام السوري لحل أزمة المحروقات المتكررة لابد من التأكيد على صعوبة تحقق كل السيناريوهات والاحتمالات ومحدوديتها.

أولاً، سيناريو اللجوء إلى استخدام الطاقة المتجددة، الاعتماد على مصادر الطاقة الطبيعية المتجددة يخفض بشكل كبير من الطلب على استهلاك مصادر الطاقة الأحفورية (النفط، الغاز…الخ)، لكن هذا السيناريو من المستحيل تطبيقه في مناطق النظام في الفترة الحالية لعدة أسباب وأهمها: أولاً، الكلفة المرتفعة إذ يحتاج لمليارات الدولارات لتنفيذ مشاريع متكاملة من مصادر الطاقة الشمسية والرياح، إضافة إلى الحاجة لتقنيات وخبرات أجنبية. ثانياً، من الصعب أن يجد النظام شركات منفذة لمشاريع الطاقة المتجددة في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليه.

 ثالثاً، عدم توفر البيئة الآمنة لحفظ وحماية منشآت الألواح الشمسية أو عنفات الرياح. ورغم كل المعوقات انتشرت بشكل واسع مبادرات فردية لاستخدام تقنيات الطاقة المتجددة بشكل مصغر جداً (الطاقة الشمسية، طاقة عنفات الريح) لكن اقتصر استخدام هذه المصادر على أصحاب الدخل المرتفع، لارتفاع تكاليف إنشائها، وهذه المبادرات الفردية لا تشكل أي جزء من الحل.

ثانياً، سيناريو دعم الحلفاء، هذا السيناريو ينقسم إلى شقين: 

الشق الأول، قيام كل من روسيا أو إيران أو حليف للنظام السوري بإمداده بمشتقات النفط (الديزل، الغاز، البنزين….الخ)، وليس دعمه بالنفط الخام، فالنظام غير قادر على تصفية النفط الخام كما ذكرنا سابقاً. حقيقةً حلفاء النظام باستثناء روسيا لا يملكون قدرات عالية لتصفية النفط، ومن المعلوم أن غالبية الشركات العالمية للبترول توجد في دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية، ودول شرق آسيا. روسيا لم تدعم النظام بمشتقات النفط ولم تفتح له خطاً ائتمانياً كما فعلت إيران، لأنها لا تعطي دون مقابل، وحاجة النظام لمشتقات النفط مستمرة، وكلفتها عالية. 

الشق الثاني، إصلاح وصيانة مصافي حمص وبانياس بالاستعانة أيضاً بالحلفاء، الشركات الروسية فقط هي القادرة على مساندة النظام في هذا النطاق، لكن تتخوف هذه الشركات التي ترتبط مع السوق الدولية من الالتزام بعقود ضخمة خشية أن تقع تحت العقوبات الأميركية والأوروبية.

ثالثاً، سيناريو عودة سيطرة النظام على مناطق آبار النفط في محافظتي الحسكة ودير الزور، تحقق هذا السيناريو بعيد جداً في ظل المعطيات الحالية، وتشبث أميركا في منطقة شرق الفرات.

يتضح لدينا بحسب سياقات الأزمة وسيناريوهات الحل المحدودة والمتوفرة بيد النظام أن أزمة نقص المحروقات المتكررة عصية على الحل في الوقت الحالي، ومن المتوقع بشكل كبير أن تعاود في الظهور بين الفترة والأخرى لاسيما في فصل الشتاء. وسيبقى المواطن السوري المتضرر الأكبر من نقص المحروقات، في حين يتنعم المقربون من النظام بكل وسائل التدفئة والكهرباء.