سياقات التطبيع مع الأسد ومآلاتها الراهنة

2023.07.25 | 06:45 دمشق

آخر تحديث: 25.07.2023 | 06:45 دمشق

بشار الأسد في جدة
+A
حجم الخط
-A

ثمة سياقان سياسيان متوازيان يحاول كل منهما أن يكون الحامل الحقيقي لمبادرات التطبيع مع نظام الأسد، يتمثل الأول بالمبادرة التركية التي أعلنت عنها خارجية أنقرة في شهر آب من العام الفائت، وكان واضحاً ان تلك الاندفاعة التركية تجاه الأسد لم تكن بعيدة التأثّر بالدفع الروسي الذي جعل من سوريا إحدى أوراق مصالحه التي يفاوض عليها، وعلى الرغم من الزخم الإعلامي الذي واكب تلك الاندفاعة التركية، إلا أن النتائج المتوخاة من جانب موسكو لم تكن توازي التطلعات، كما كان واضحاً أيضاً أن الحماس التركي لمصالحة الأسد قبل الانتخابات التركية التي جرت في أيار الماضي، لم يعد كما هو من ذي قبل، ذلك أن حاجة حزب العدالة والتنمية في انتزاع ورقة اللاجئين السوريين من أيدي أحزاب المعارضة بدأت تسير في منحى مختلف، بعد فوز الرئيس أردوغان في انتخابات الرئاسة، مع التأكيد على أن مسألة اللاجئين السوريين ما تزال تزداد سخونةً لكونها لم تعد ورقة سياسية بيد الأحزاب فحسب، بل تحوّلت – بفعل التعبئة الشعبوية – إلى قضية رأي عام تركي، ولكن مع ذلك ما تزال أنقرة ملتزمة بخطابها التصالحي مع الأسد، على المستوى الإعلامي على الأقل ، ليس لأنها على يقين بثمار يمكن جنْيها قريباً من هكذا مصالحة، بل التزاماً بالتفاهمات التي أنجزتها منذ انطلاق مسار أستانا في مطلع العام 2017، مع الشريك الروسي الذي تربطه بأنقرة مجموعة من المصالح تتجاوز الشأن السوري، بل يمكن الذهاب إلى أن أنقرة لديها حرص واضح على الاستمرار في حوار الأسد حتى لو أبدى الأخير بعض الاستفزازات الكلامية تجاه تركيا، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى التصعيد الذي بدا واضحا في حديث رأس النظام في دمشق خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق، إذ اتهم الأسد تركيا بالمطامع في سوريا نتيجة دوافع توسعية وكذلك دوافع دينية متخلفة بحسب تعبير الأسد، إلّا أن الردّ التركي في اليوم التالي جاء على لسان الرئيس أردوغان في تصريحاته للصحافة التركية قبيل انطلاقه لجولة خليجية، مؤكّداً أن تركيا لم تغلق أبوابها أمام الأسد ولكنه يتقدم بطلبات غير واقعية، كمطالبة تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية، في حين أنه لا يطالب دولاً أخرى بذلك، كما أكد السيد أردوغان أنه إذا تراجع الأسد عن هذه المطالب فيمكن استمرار الحوار أو اللقاء، وواضح أن كلام الرئيس التركي ينطوي على نبرة يُراد منها احتواء نزق الأسد أكثر من كونها موقفاً تركياً استراتيجياً.

ويتجسد السياق الثاني بمجمل الحراك العربي الذي أعقب زلزال السادس من شباط الماضي، إذ وجد هذا الحراك في تداعيات الزلزال الكارثية مدخلاً ظن الكثيرون أنه لن يتجاوز إطاره الإنساني، لكن الأحداث المتلاحقة أثبتت أن الفحوى الإنساني لم يكن سوى شعار يخفي تحته نزوعاً براغماتياً بعيداً عن أي مضمون قيمي، لعل هذا ما أفصحت عنه تداعيات المصالحة الإيرانية السعودية التي أشرعت أبواب دمشق أمام العرب، وقد أثبتت مجريات قمة جدة وكذلك لقاء عمان الوزاري أن الارتداد العربي نحو كيان الأسد إنما كان مدفوعاً بحاجات أمنية ومصالح سلطوية لعدد من الدول العربية، ولم تكن قضية الشعب السوري تحتل من حيّز اهتماماته سوى ما يمكن تصديره للإعلام ليكون غطاء سياسياً آنياً لعملية التطبيع لا أكثر.

المعنى الرياضي لمفهوم التوازي يؤكد عدم تلاقي السياقين المتوازيين، فهل بمقدور السياسة والمصالح اختراق المنطق الرياضي الصارم؟ ربما الجواب الأقرب للمنطق هو النفي

المعنى الرياضي لمفهوم التوازي يؤكد عدم تلاقي السياقين المتوازيين، فهل بمقدور السياسة والمصالح اختراق المنطق الرياضي الصارم؟ ربما الجواب الأقرب للمنطق هو النفي، ولكن ليس نتيجة لصرامة المنطق فحسب، بل لسطوة المصالح أيضاً، ذلك أن إيران التي لم تكن بعيدة التأثير على السياقين معاً، ما تزال ترى أن لها الأحقية العظمى بالتحكم ليس بمصير الأسد فحسب، بل بهندسة وتوجيه علاقاته الإقليمية والدولية أيضاً، إذ لم تقبل طهران أن تكون بعيدة عن المفاوضات الوزارية بين دمشق وأنقرة وموسكو، بل استطاعت فرض ذاتها كطرف رابع لكي لا تتيح لموسكو وأنقرة معاً أن يستهلكا الورقة السورية لمصلحتيهما فقط، وربما هذا ما جعل الأسد يظهر نبرةً استعلائية وعدم اكتراث حيال اندفاعة أنقرة، مؤكداً تمسّكه بانسحاب تركيا من جميع الأراضي السورية كشرط سابق لأية خطوة تطبيعية بين الطرفين، وهكذا تؤكد إيران أنها قادرة على عرقلة الإيقاع التركي – الروسي إن لم تكن هي المُمسك الأساسي لزمام المبادرة، في حين أنها تجد في المبادرة العربية تجاه الأسد أكثر جدوى لعدة أسباب، لعل أبرزها أن التطبيع العربي مع الأسد كان مجانياً ولم يكن يُلزم حكومة دمشق بأية مستحقات فعلية، وحقاً لقد عاد الأسد إلى الجامعة العربية، كما تمت عملية تفعيل عمل السفارات بينه وبين المطبعين معه وانتهى الأمر، وثاني الأسباب يعود إلى رغبة إيران بإبلاغ العرب أن رهانهم على إبعاد الأسد عن طهران هو مجرد نكتة، إذ ها هي إيران تعيد العرب إلى الأسد وليس العكس. ولعل السبب الثالث يكمن في نزوع إيران نحو استدرار الضرع الخليجي لإنعاش الأسد بمزيد من الأموال التي ستدفعها دول الخليج تقيّةً من استمرار تدفق الكبتاغون، ودعماً للحفاظ على وحدة البلاد السورية، ومساهمةً في إعادة إعمار البلاد كمكافأة للأسد في حربه على السوريين.

في مقابل السياقين التطبيعيين -  العربي والتركي – مع الأسد، ثمة موقف أميركي وأوروبي ما يزال رافضاً لمفهوم إعادة تعويم الأسد أو تسويقه من جديد، ولكنه موقف لم يخرج بعد من الحيّز الإعلامي، ولا توجد أي إرهاصات توحي بإمكانية ترجمته إلى مواقف عملية حيال سلطة دمشق، ولئن كان هذا الرفض الأميركي الأوروبي ما يزال كابحاً لعملية انتعاش حقيقي للأسد، إلّا أنه من جهة أخرى لا يعدو كونه جزءًا من عملية إدارة الأزمة السورية وليس سعياً فعلياً نحو إيجاد حلول جذرية لها.