سوريا.. قلب المفاوضات الساخنة

2023.08.08 | 07:10 دمشق

سوريا.. قلب المفاوضات الساخنة
+A
حجم الخط
-A

شهدت الفترة الماضية مجموعة أحداث في المنطقة ظهرت وكأنها ارتداد على الفترة التي سبقتها من تهدئة وتوافقات، كان على رأسها اندفاعة العرب للتطبيع مع الأسد ودخول الصين للشرق الأوسط من بوابته الدبلوماسية العريضة.

فقد ظهرت توترات عسكرية أميركية - روسية في أجواء سوريا الشرقية حيث اعترضت طائرات روسية حربية ثلاث طائرات أميركية من دون طيار في أثناء استهداف هذه الطائرات لأهداف تابعة لداعش، وفقا لما نقل عن الطرف الأميركي. إضافة، فقد استعملت روسيا حقّها في النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي معترضة على طلب الأمم المتحدة لتمديد مهلة السماح بإدخال المساعدات إلى سوريا لمدة عام، في وقت أصرت فيه روسيا على تمديدها لستة أشهر لا أكثر وهي مساعدات حيوية مهمة للشعب السوري الساكن في المناطق المحررة وتمر مباشرة إلى مناطقها دون المرور بمناطق سيطرة النظام.

في الوقت نفسه فترت موجات التطبيع الإقليمية مع الأسد. فمن ناحية تركيا وبعد أن كانت تقوم بخطوات سريعة باتجاه الأسد قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، دون التركيز على العواقب الاستراتيجية، خفتت الاندفاعة مؤخرا وخرجت بعض التصريحات من رسميين تعلق على نقاط محددة في العلاقة مع سوريا على رأسها التشديد على رفض أنقرة لفكرة سحب قواتها من شمال سوريا كمطلب أسدي رئيس لتطبيع العلاقات بين الطرفين. أكدت أنقرة أن هذا الطلب مرفوض.

تكرر الأمر مع المملكة العربية السعودية والتي فتر الحديث عن اندفاعتها تجاه تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهو ما تكرر التلميح إليه في وسائل إعلام مقربة من النظام السعودي.

لا تعني هذه التحركات كلها أن المنطقة متوجهة نحو حرب مفتوحة، أو أن المعادلات في سوريا قد عادت لسابق عهدها من الفصل بين معسكرين صلبين متواجهين، بل يجب قراءة الأحداث في سياقها وبحدودها

على المقلب الآخر، عززت أميركا كذلك وجودها العسكري في الشرق الأوسط. فقد أعلنت قيادة سلاح الجو الأميركي أن مجموعة من طائرات F-35 التابعة للقوات الجوية الأميركية وصلت إلى المنطقة العربية (قطر والأردن). كما كثفت الولايات المتحدة المناورات عند مضيق هرمز في وقت تحتجز فيه إيران ناقلة نفط في أثناء عبروها المياه الدولية الخليجية. لم تكفِ هذه الأحداث بل لوح الحوثيون كذلك باحتمالية استئناف القتال في اليمن وتوجيه الهجمات باتجاه محافظات محددة.

لا تعني هذه التحركات كلها أن المنطقة متوجهة نحو حرب مفتوحة، أو أن المعادلات في سوريا قد عادت لسابق عهدها من الفصل بين معسكرين صلبين متواجهين، بل يجب قراءة الأحداث في سياقها وبحدودها.

إن الهجوم الذي تعرضت له الطائرات الأميركية في سوريا كان مدروسا بعناية وتحت سقف المناورات والمناوشات، فهو استهداف لتحركات الطائرات لا الطائرات نفسها وحتى ولو وقع خطأ وأسقط الروس طائرة أميركية فإن الطائرة نفسها من دون طيار، أي أن الخط الأحمر الأميركي المعروف والمرتبط بالأرواح لم يكن معرضا لأي خطر. بالمقابل فإن الفيتو الروسي في مجلس الأمن يطول فقط مساعدات الأمم المتحدة وهي لا تعدو عن كونها محاولة روسيا لحصر طريق المساعدات إلى سوريا بالنظام لتأكيد سيادتها على كامل التراب السوري- وهو هدف بعيد المدى يدرك الروس صعوبة تحقيقه الآن. أما الهدف العملي للفيتو الروسي فهو تقصير مدة التمديد المطلوبة وبالتالي الحصول على كرت تفاوضي كل 6 أشهر بدل من كل سنة، وهو جزء من الكباش السياسي بين الروس والأميركيين.

فالسمعة التي ذاعت عن روسيا في فترة الحرب الأوكرانية هي أن اهتمامها بسوريا قد تضاءل بشكل كبير، وهو ما تحاول روسيا رفضه من خلال حركة الفيتو التي لا تكلفها شيئا وتوحي باهتمامها ووجودها في الملف السوري كلاعب أساس ممسك بزمام الأمور.

أما الولايات المتحدة فقد كانت أجندتها غير واضحة في المنطقة بعد تسلم بايدن الرئاسة بين اعتقادها بإمكانية الانسحاب الهادئ من المنطقة والتفرغ للصين، وبين التحديات التي سرعان ما ظهرت وطالت الولايات المتحدة مباشرة والتي كان آخرها الاتفاق السعودي-الإيراني برعاية صينية، والذي يؤكد للولايات المتحدة أن أي فراغ تخلّفه، أو حتى تراجع غير مدروس، سيظهر من المنافسين الأقوياء من هو مستعد بل مندفع لملئه سريعا. إذا، فروسيا تريد تأكيد حضورها وكذلك الولايات المتحدة.

الأسد لا يمتلك ما يقدمه للأطراف الإقليمية التي تنتظر أصحاب القرار الحقيقي في سوريا والمنطقة كروسيا والولايات المتحدة

لا يقتصر الأمر على هذه الأسباب بل إن من عادة المفاوضات السياسية أن تمر بفترات ارتفاع المنسوب التفاوضي عبر التحركات والمناورات العسكرية المتقدمة وهو ما كان. فالولايات المتحدة وكذلك إيران يدركان بأنهما بحاجة لترسيم الحدود السياسية بينهما، غير أنهما لم يتفقا عليها بعد وهو ما تلعب التحركات الأخيرة دورا في إثبات الوجود والحدود لكل طرف.

يفسر ذلك أيضا تراجع موجات التطبيع الإقليمي مع الأسد لإدراك كل الأطراف الإقليمية أن المفاوضات الآن عادت لتكون أكبر من الأسد، ولا يجب تقديم التنازلات فيها دون مقابل، أو بعبارة أدق فإن الأسد لا يمتلك ما يقدمه للأطراف الإقليمية التي تنتظر أصحاب القرار الحقيقي في سوريا والمنطقة كروسيا والولايات المتحدة.

إن هذه الدينامية السريعة والتي تنعكس في جل المنطقة وفي كل ملفاتها يلفت الانتباه فيها ناحيتين أساسيتين هما، حجم الأسد الحقيقي والمحدود في لعبة الأمم، وكذلك غياب الفاعل السوري المعارض المحرك والمفاوض في الشمال السوري، وفي الدول المجاورة التي يعاني فيها اللاجئ السوري بشكل كبير ويزيد الضغط عليه بشكل متسارع وهي قصة حزينة أخرى تحتاج للاسترسال فيها في قادم الأيام.