سوريا بلد طارد للحياة

2021.09.14 | 06:09 دمشق

syria-past-to-present-aleppo-fanack-afp750px-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

قبل أيام، تحدثت إلى صديق ما زال يقيم في دمشق، وفاجأني أنه يتابع بدقة كل التحركات السياسية المرتبطة بسوريا، حيث علمي به أنه لا يكترث كثيرا بهذه الأمور. وحين سألته عن سبب هذا الاهتمام المستجد لديه، قال إنه وكثير من الناس باتوا يتابعون ويترقبون أية تحركات، أو اجتماعات، أو لقاءات سياسية، أو اقتصادية تخص سوريا، وذلك بحثا عن بارقة أمل تأتي من الخارج للوضع المتردي كل يوم لحالهم، دون أن يلوح قاع لهذا التردي.

من الواضح أن سوريا باتت اليوم بلدا طاردا للحياة، حيث لا تتوفر المقومات الأساسية لهذه الحياة من كهرباء وطاقة ومواصلات وعمل وحتى خبز

والواقع أن غالبية الناس ممن بقوا في سوريا لم يعودوا يعولون على النظام وحكوماته وإجراءاته ووعوده لتغيير واقع الحال، ويدركون أنَّ هذا النظام ليس عنده ما يقدمه لهم، بل إنه لا يتوانى عن ابتكار أساليب جديدة كل يوم لعصر جيوبهم المثقوبة أصلا، سواء عبر إجراءات حكومية رسمية مثل الضرائب التي باتت تفرض على كل شيء تقريبا، أو من خلال الإتاوات وعمليات الابتزاز التي يتولاها شبيحة النظام المتنفذون سواء على التجار والصناعيين، أم على المواطنين العاديين ممن قد يكون لهم حاجة عند النظام وأجهزته الحكومية والأمنية، مثل محاولة معرفة مصير معتقل أو العمل أو السفر.

ومن الواضح أن سوريا باتت اليوم بلدا طاردا للحياة، حيث لا تتوفر المقومات الأساسية لهذه الحياة من كهرباء وطاقة ومواصلات وعمل وحتى خبز، فضلا عن الغلاء الفاحش لما هو متوفر، ما يجعله بعيدا عن متناول غالبية الناس، حيث متوسط الرواتب لا يتجاوز 20 دولاراً شهريا.

وإضافة لذلك، يبقى الأمن والأمان هاجس كثير من الناس، فالشيء الوحيد الذي لم يتراجع في البلاد، هو سطوة أجهزة الأمن وتجبرها على الناس، فضلا عن تفشي عصابات الجريمة والخطف والابتزاز، وغالبا عبر شبكات على صلة بمسؤولي النظام وأجهزته الأمنية.

ومن هنا، فإن هناك حركة هجرة يومية للناس إلى خارج سوريا، بالرغم من ضيق الحال وتعسر توفر كلفة المغادرة التي تكون غالبا عبر طرق التهريب سواء باتجاه شمالي العراق أو تركيا أو لبنان، وهي تكلف وسطيا نحو 2000 دولار لكي يكون الفرد الواحد خارج سوريا، وتزيد أو تقل الكلفة بحسب بعد سكن الشخص عن الحدود، ومدى تيسر مغامرته للمغادرة والتي تتضمن عدة مخاطر تصل حدَّ الموت، أو التعرض للسرقة والنصب والابتزاز وربما الاعتقال من جانب المهربين أو القوى المسيطرة على مناطق المرور والعبور.

ويشبه البعض ما يحدث اليوم من هجرة "خافتة" أي تتم بلا ضجيج، بالهجرات الكبرى بين عامي 2013 و 2016 في ذروة العمليات العسكرية في سوريا، حيث بدأت خلال الأشهر الأخيرة موجة هجرة إلى مصر وخاصة بين الصناعيين والتجاريين وخريجي الجامعات، فضلًا عن موجة هجرة كبيرة نحو إقليم كردستان العراق والسودان وبعض دول الخليج، في حين يتجه عشرات الشبان والعوائل يومياً إلى مناطق سيطرة الفصائل في شمال غرب وشمال شرق سوريا، بهدف الوصول إلى تركيا رغم الإجراءات التي تتخذها الحكومة التركية للحد من الدخول غير الشرعي إلى أراضيها، وغالبية من ينجح بالدخول إلى تركيا يكون تخطيطه الوصول إلى أوروبا، لكن قد يطول به المقام في تركيا لعدة أسباب.

النظام وخاصة بالنسبة لبعض المناطق يشجع على هجرة الشبان والعوائل بغية تخفيف أعباء تخديمهم من جهة، ولاستكمال مخططاته المتعلقة بالتغيير الديمغرافي في بعض المناطق

وفي ضوء هذا الواقع، تأتي دعوات النظام وروسيا للسوريين في الخارج من أجل العودة إلى بلادهم، بمثابة نكتة سمجة بدعوى أن البلاد باتت آمنة وخالية من "الإرهاب" وصالحة للعيش بعد سيطرة النظام على نحو ثلثي البلاد.

والواقع أن العديد من المعطيات على الأرض تشير إلى عكس هذه الحملات الدعائية، فالنظام وخاصة بالنسبة لبعض المناطق يشجع على هجرة الشبان والعوائل بغية تخفيف أعباء تخديمهم من جهة، ولاستكمال مخططاته المتعلقة بالتغيير الديمغرافي في بعض المناطق التي يعتبرها مناوئة له من جهة أخرى. وسياسة النظام تقوم على دفع الفئات "المناهضة" و"غير المفيدة" إلى الهجرة للتخلص من أعبائهم المادية والأمنية، مقابل محاولة استقطاب أصحاب رؤوس الأموال وممن يملكون العملة الصعبة لضخ بعض الأوكسجين في عجلات اقتصاده المترهل.

وخلاصة المشهد أننا بتنا اليوم أمام واقع بلا أفق، سواء للنظام وحلفائه أو لمن تبقى من مواطنين في البلاد، وحيث يعلم الجميع أنه لن يحدث أي اختراق حقيقي لهذا الواقع طالما لا يوجد حل سياسي مقبول من جانب المجتمع الدولي، ومن جانب غالبية السوريين قبل ذلك.