سهيل أبو التاو.. وذكرى الثورة

2020.03.25 | 23:01 دمشق

wrwer.jpg
+A
حجم الخط
-A

دخلت سوريا في الأسبوع الماضي عامها العاشر من الثورة طلباً للكرامة والحرية من جهة، ومن جهة أخرى الحرب التي يشنها النظام عليهم رداً على مطالبهم، حيث يخيم على السوريين جو من اليأس ناتج عن خذلان العالم "المتحضر" لهم تجاه المجازر اليومية، وتجاه الحال الذي آلت إليه الثورة  لتنحصر في رقعة جغرافية صغيرة تنشد وقف القصف والتدمير المستمرين، ووقف التهجير وعودة المهجرين الجدد، بعد أن انطوت صفحة المهجرين الذين سبقوهم والذين استعاد النظام مناطقهم عنوة أو من خلال اتفاقات استسلام سموها اتفاقات "المصالحة" برعاية الروس.

رغم كل الظروف القاسية التي يمر بها السوريون، وآخرها ما نتج عن الحملة الوحشية على ريف إدلب وحماة، والتي كانت حصيلتها مرعبة من حيث دمار القرى والبلدات، وتهجير حوالي المليون شخص إلى المناطق الحدودية مع تركيا، هذه القضية التي لم يجلب لها الاتفاق الذي توصل إليه الرئيسان بوتين وأردوغان في الخامس من آذار الحالي، مع أنه أوقف آلة الموت اليومي، أيَ حل، بل تركها قضية عالقة يخشى المهجرون من أن يطويها النسيان كما طوى تهجير مناطق أخرى من قبلها. ومع معرفة السوريين أن آليات ما يجري في بلدهم قد اُنتزعت من أيديهم لتصبح قضية تصارع دولي يخضع لحسابات مصالح تلك الدول من دون أن تأخذ ما قدموه من تضحيات ودماء بعين الاعتبار، لكنهم يصرون على الاحتفال بذكرى انطلاقتهم في وجه أبشع نظام عرفه التاريخ، نظام القتل الجماعي والتهجير.

كانت الذكرى السنوية هذا العام لها طعم آخر، فغيرُ انحسار الرقعة الجغرافية التي سيطرت عليها المعارضة إلى حد كبير، وتهجير ما يقرب من نصف سكان البلاد خارج بيوتهم، ومقتل حوالي المليون إنسان تقريباً، واعتقال مئات الألوف وموت كثير منهم بفعل التعذيب، برزت قضية سيطرة تيارات لم ترَ في الثورة السورية إلا فرصة لإقامة إمارتها في انفصال تام عن طموح وتطلعات غالبية السوريين، تيارات شكلت في كثير من الأحيان عبئاً مباشراً على قوى الثورة وشاركت في قمع رموزها تحت حجج مختلفة. وما جرى يوم الثامن عشر من آذار في إدلب، بعد المظاهرة التي رددت مطالباتها بالحرية والكرامة، بمشاركة شخصيات معروفة من قبل أكثر السوريين، يجعل من إعادة النظر وتقييم لما جرى أمراً ضرورياً، بدافع وحيد، وهو تجديد الانطلاقة بروحية 2011.

سهيل الحمود، والمعروف لدى الغالبية بـ "سهيل أبو التاو" كأحد أبطال الجيش الحر، وصائد دبابات القتل الأسدية، بعد أن تعرض له ملثمون بغرض اختطافه، ونتيجة لمقاومته البطولية ودور صديقه المكنى أبو وطن، أطلق عليه الخفافيش رصاصتهم ليكسروا ساقه، ردد كلمات مؤلمة لحد الموت، وهو يناشد الجمهور بأن ينجدوه من بين أيدي القتلة، وهو يُعرّف بنفسه، رغم أنه لا حاجة لذلك فهو أشهر من علم، أنا سهيل أبو التاو، لكن لم يتقدم أحد منهم لمساعدته، ليكمل بحسرة: ماذا فعلتُ لكم سوى أني صددتُ كثيراً من الدبابات التي كانت تستهدف بيوتكم؟ لكن من دون طائل، سوى أن كلماته تستدعي التفكير ولو كان مؤلماً بما يمكن أن يصل إليه.

لم يعد من المفيد القول بأنه كان يجب أن نعمل كذا، وأننا كان يجب أن ننتبه لمخاطر بروز تيارات كذا، وأن نلقي اللوم على الأطراف الخارجية، فما هو مفيد أن ندرك ما يمكن أن نفعله اليوم ضمن الآليات الجديدة للثورة رغم تحولها من طرف الدول إلى عملية تصارع، وهيمنة تيارات لا تعنيها الثورة كما تعني السوريين، وأن نستفيد من خطايا ساهمت وفقاً لحجمها في كارثة السوريين. ولربما يمكن الحديث عن بعضها، وهي:

وهم الاعتماد على مناصرة التيارات الجهادية التي لا تولي قضية الوطن أي اهتمام وتركز في عملها على تحقيق ما تدعيه من أوهام

وهم الاعتماد على نخبة سورية مؤدلجة تتعامل مع القضايا السياسية وفق منظوراتها الأيديولوجية أكثر من حسابات الواقع السياسي ومصالح غالبية السوريين، مما ساهم بهيمنة الاستقطابات الأيديولوجية والمذهبية والعرقية على خطاب الثورة، ناهيك عن ضبابيته وتزلفه لبعض الفئات.

وهم الاعتماد على مناصرة التيارات الجهادية التي لا تولي قضية الوطن أي اهتمام، وتركز في عملها على تحقيق ما تدعيه من أوهام ضمن إماراتها، فالعداوة المشتركة إن وجدت، لا تعني بأي حال التوافق، وهي مؤقتة ومتغيرة بتغير الظروف.

وهم الاتكال على الأصدقاء والداعمين، والانتقال لفهم للعلاقة يقوم على التوافق والاختلاف أكثر من العداوة أو الاستتباع.

وهم أن القيادة الموحدة للثورة يمكن أن يسرّع بالقضاء عليها، فكثير من الهزائم كانت بسبب غياب التنسيق والقرار الموحد، وبالتالي يصبح من الضروري صنع القيادة الوطنية، وهي ليست احتكارية على أحد، بل تفرزها نضالات البشر اليومية.

لم يعد الاستبداد مقتصراً على النظام الأسدي وحده، وإن كان هو المفرخة لغيره من أشكال الاستبداد، لكنه انتشر في عموم سوريا حتى في المناطق الخارجة عن سيطرته، وخاصة استبداد "هيئة" الاعتقال والضرائب في إدلب، أو قوات سوريا الديمقراطية، التي لا تحمل من ديمقراطيتها إلا الاسم فقط، والتي تعمل جميع تلك الكيانات على خنق أصوات الناشطين والناقدين لسلوكها، وحتى المختلفين معها، وبالتالي يصبح من الضروري مناهضة كل أشكال الاستبداد أينما كان وبكل وضوح وعلانية، الذي تضرر منه غالبية السوريين، والذين لهم مصلحة في عملية التغيير. وكما يُقال ليس من الحرية والشجاعة أن تلعن من دمشق الرئيس الأميركي، بينما تسكت عن ظلم حاكمها كتعبير عن الحرية لديك.