سليماني الذي انتهى وقلب الصفحة

2020.01.19 | 23:01 دمشق

slymany.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يكن الرقم  "52" عبثياً في أحد الخطابات الأحدث للرئيس الأمريكي "ترامب" للإشارة إلى الأهداف الإيرانية الاستراتيجية التي وضعتها أمريكا أمام فوهة نارها. إنه يشير إلى عدد الأشخاص الأمريكيين الذين أخذهم حرس الثورة الإيرانية رهائن في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979. أولئك الرهائن ال52 كانوا السبب في خسارة الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" أمام ممثل أمريكي مغمور اسمه "رونالد ريغن". وأتى ذكر ترامب لذلك الرقم 52، انتخابياً بامتياز.

خطاب ترامب الأخير- إثر صورايخ ايران الخلبية -  كان أيضاً انتخابياً بامتياز، ولكن ظهر فعلاً كخطاب رجل دولة يضع الدعائم الأساس لنجاحه في الانتخابات القادمة. لقد عرّى الرجل القيادة الإيرانية، كما لم تتعرى من قبل. كانت القوة حاضرة في خطابه، وبموقعها المبجل. ولو أنه نسف ال52 هدفاً التي تحدث عنها مسبقاً، لما كان وقْعُ ذلك مؤلماً على الملالي، ولما كانت هزيمتهم الفعلية بهذا الحجم والزخم. إن قتل ترامب للرجل الثاني - وربما الأول بحكم صيته وقدرته التنفيذية - قد عاكس كل الأقاويل والتوقعات في الهيجان والارتجال وضعف الحسابات؛ فقدّمه مَن كتب له الخطاب كرجل الدولة الأول في العالم؛ والطبيعي أن يكون المنتخب الأول في أمريكا الأقوى في العالم. 

قَتْلُ سليماني كان الإشارة الأوضح إلى تغيّر فعليٍ في السياسة الأمريكية تجاه ايران. بقتله، تحوّلت سياسة أمريكا من الاحتواء إلى الردع. كانت أمريكا -ولغايات جيوسياسية تمرر العبث الإيراني كيفما كان شكله؛ بما في ذلك التمدد بأربع دول عربية. ولسوء طالعهم، استمر الملالي بالقراءة من الصفحة السابقة، وعنوانها سياسة الاحتواء الأمريكية؛ ومن هنا أتت تلك الفورة الكلامية لأبواقها تنضح من صفحة الكذب والتهويل والتزييف؛ ولكن الملالي سرعان ما أدركوا أن التغيّر الذي حصل بامتداد اليد الأمريكية إلى الرأس الأقوى في إيران. ومن هنا أتى ردهم السخيف المفضوح.. 

يكفي أن معظم العرب ومعظم المسلمين يعرفون الآن مخططات إيران والنمر الورقي الذي تمثله

ما زال جرح قادة طهران حتى اللحظة ساخناً؛ وكلما برد الجرح، سيستشعرون فداحة ما حدث وعقابيله. لقد تم انكشاف وافتضاح عصب "المقاومة والممانعة"، وعلى رأس ذلك تعري أذرع الإجرام والدجل والإحساس بأن كل ما هو ميليشياوي إلى زوال. حتى الجعجعة الأخيرة لحسن نصر الله، محترف الكذب، لن تفيدهم بشيء. من جانب آخر، لا يهم كم مليار في عالمنا بدأ يعرف طبيعة سلطة ايران الحقيقية وأهدافها؛ يكفي أن معظم العرب ومعظم المسلمين يعرفون الآن مخططات إيران والنمر الورقي الذي تمثله.

في عقابيل تغيّر قواعد اللعبة، واستشعارها من قوى إقليمية ودولية؛ نلحظ أن إسرائيل تفرك أيديها فرحًا وحذراً في آن معًا. المزهرية الأوروبية أيضًا -وسياسة ابن آوى-  في حالة من الحذر والارتباك؛ حيث أضحى امتصاص الدم على البارد مراقباً، وربما مكلفاً مستقبلياً. أما جامعتنا العربية، فتذهب بين الأرجل ونواح الأرامل والحرتقات الصغيرة.

لروسيا قصة كبيرة مع الحدث؛ فهي أسرعت بالتصرف الفوري، فبدون تخطيط مسبق، كانت زيارة الرئيس بوتين إلى دمشق، واستدعاؤه رأس النظام إلى موقع روسي في قلب دمشق؛ وكان إبلاغه أن لا ملجأ له إلا الروس، وأن عليه أن يبقى تحت إبهامهم. وأن لا شريك لهم بالسيطرة على سوريا. في هذه الزيارة، رسالة بوتين الأوضح  للأسد تقول: انتهى زمن اللعب على الحبلين /الإيراني والروسي/.

وإذا فتنّا بنظرية المؤامرة، ولو أن الجانبين الأمريكي والإيراني ما زالا يقرأان من الصفحة ذاتها؛ وكان الهدف مما راق للبعض تسميته بـ"المسرحية" إجهاض ثورة الشعب الإيراني، فإن شعب إيران وشعب العراق قد أفشلاها بخروج ملايينهم إلى الشارع رفضاً للاستبداد والاحتلال.

في النهاية، ورغماً عن كل التحليلات -أكانت جزءاً من نظرية المؤامرة، أم أساسية في التحليل العقلاني الموضوعي البارد بأن ما قبل مقتل سليماني ليس كما بعده في العلاقة الأمريكية الإيرانية-، فإن رأس حربة مشروع إيران التوسعي قد ذهب إلى غير رجعة؛ ذهب منزوع المصداقية، رخيص الثمن إلا كلامياً وجعجعةً، مجرمًا بمصافي بن لادن والبغدادي. وما الاعتراف بإسقاط الطائرة الأوكرانية بـ"خطأ بشري"، إلا أول الغيث، وبداية لانهيار امبراطورية الملالي؛ التي لا حلفاء حقيقيين لها، والتي لم يبق أمامها إلا الانحسار إلى داخل " قم"، والموت البطيء؛ أو الاختيار بأن تموت علناًً. وأول الموت سيبدأ من قص الأذرع الميلاشياوية الخبيثة التي كان يقودها سليماني النجس الذي مات وانتهى.