icon
التغطية الحية

سلام أم انقلاب أم سوريا الأوروبية؟ .. ثلاث نهايات للحرب في أوكرانيا

2022.04.05 | 13:55 دمشق

أوكرانية تصلي في ساحة الاستقلال بكييف عند بداية الحرب في شباط 2022
أوكرانية تصلي في ساحة الاستقلال بكييف عند بداية الحرب في شباط 2022
بوليتيكو - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كيف يمكن لهذا الكابوس أن ينتهي؟

إن هذا السؤال لا يقل إلحاحاً ولا يزيد وضوحاً عما كان عليه عندما اندفعت القوات الروسية لتحتل أوكرانيا في 24 شباط، وذلك ابتداء من الملاجئ القاتمة التي يلوذ بها الناس هرباً من القصف في ماريوبول وصولاً إلى الأروقة ذات التهوية الجيدة لدى حلف شمال الأطلسي.

بدا تصريح موسكو يوم الثلاثاء الماضي حول تحويل تركيزها بعيداً عن كييف إلى الدونباس أشبه بإشارة حول استعداد الرئيس فلاديمير بوتين للسعي نحو تحقيق انتصار أكثر تواضعاً، ولكن سرعان ما تم التخلي عن تلك التكهنات بمجرد أن واصلت قواته قصفها للمناطق المحيطة بالعاصمة الأوكرانية.

ومع إصرار قوى حلف شمال الأطلسي على رفضها التدخل لصالح أوكرانيا، أصبح مسؤولون غربيون يرون أن هنالك ثلاث احتمالات ذات خطوط عريضة تندرج تحتها أي طريقة محتملة لإنهاء ذلك النزاع، وبصرف عن النظر عن السيناريو الذي سيحدث في النهاية، سواء طرد بوتين أو التوصل إلى تسوية بموجب المفاوضات أو استمرار تلك الأزمة، من المستحيل العودة إلى النظام القديم لما يحدث بعد الحرب.

فلاديمير.. وداعاً

في عبارة مرتجلة سمعها العالم بأسره، هتف الرئيس الأميركي جو بايدن: "بربك! لا يمكن لهذا الرجل أن يبقى في السلطة"، حيث نطق بتلك العبارة التي كان معظم القادة الغربيين يفكرون بها، لكنهم لم يفهموا أسلوب التفكير الذي يتبعه بوتين، بعدما أتعبتهم استعداداته لاستخدام السلاح النووي، فلم يعد أحد منهم يصدق كلمة واحدة مما يقوله.

إلا أن بوتين الذي تحفزه الأيديولوجيا كثيراً، "ليس من ذلك النوع من الأشخاص الذين يقوم تفكيرهم على تحليل التكاليف والمكاسب" وذلك بحسب ما ذكره السفير الأميركي السابق إلى موسكو مايكل ماكفول في تعليق ساخر، إلا أن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على عدم وجود مساحة واسعة كان بوسع الغرب أن يلعب من خلالها ليمنع بوتين من اختيار تلك المعركة في المقام الأول، كما ليس هنالك مجال واسع أمام الغرب لإقناعه بإنهائها اليوم.

لذا، وبدلاً من القيام بذلك، أخذت واشنطن ولندن تحلمان بشكل العالم بعد بوتين، وقد أعجبهم ذلك كثيراً.

ومن خلال تلك النظرة، نجد المقاومة الأوكرانية (التي زودت بما يكفي من الدعم الغربي لتجنب التصعيد) وهي تواصل حصر بوتين في هذا النزاع الذي امتد لفترة طويلة.

حتى يبقى بوتين ضمن تلك اللعبة، عليه أن يجند المزيد من الجنود، وبالمقابل، يعود هؤلاء الجنود إلى الوطن محملين بأكياس لم يعد بوسع دعاية بوتين تبييض صورتها أمام العلن، وهذا ما دفع الأمهات للنزول إلى الشوارع كما فعلن أيام الاحتلال الروسي الفاشل لأفغانستان. وفي الوقت ذاته، دفعت العقوبات القاسية الطبقة الوسطى في روسيا، التي أصبحت معتادة على كماليات الرأسمالية مثل منتجات إيكيا وماكدونالدز، للوقوف ضد الحرب إلى أقصى الحدود، وللتعبير عن حقدها وغضبها تجاه من شنها.

أما النخب الروسية، فمن المرجح لها أن تشكل فرق إعدام خاصة بها من أجل "التقدم الكارثي" لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، إذ يقول أحد المسؤولين الغربيين: "سيتخذ الناس نزعة دفاعية تجاه فشلهم، كما سينحون باللائمة على الآخرين بحسب اعتقادي".

وأضاف ذلك المسؤول أن هنالك "أدلة كثيرة حول حالة القلق حيال طريقة تطور الغزو بالنسبة لروسيا بين أوساط النخبة".

وفي نهاية الأمر، قد يقرر الجنرالات وكبار المسؤولين عن عمليات التجسس في روسيا، ومعظمهم رهن الإقامة الجبرية اليوم، أن يعطوا بوتين جرعة من السم الخاص به وذلك للتخلص منه عنوة، وإذا صدف أن حدث انقلاب إلى جانب قيام احتجاجات شعبية عارمة، فلا بد أن يخرج جيل موال للغرب بين أوساط الزعماء الذين سيخرجون من تلك الفوضى التي ستحل بموسكو.

كما قد تخلق الحماسة الثورية لدى الروس وانتصار الأوكرانيين شهية جارفة تجاه الديمقراطية الليبرالية لم تشهدها تلك البلاد منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي.

عندها ستغدو أوكرانيا درساً عملياً، ليس فقط بنظر موسكو، بل أيضاً بالنسبة لبكين، وللرئيس الصيني شي جين بينغ الذي قد يبدي ميلاً أكبر لأن يكون من النوع الذي يفكر بتحليل التكاليف والمكاسب، وذلك بعد أن يشاهد بأم عينه الذل الذي ستتعرض له روسيا عند مواجهتها لجبهة غربية موحدة، وسيدرك حينذاك بأن لعب اللعبة نفسها مع تايوان لا يستحق كل هذا العناء.

كانت آخر مرة أسقط فيها الروس أحد زعمائهم بالقوة في عام 1917، لذا ونظراً لعدم وجود معارضة منظمة، ليس ثمة ما يضمن تمتع خليفة بوتين بعقلية مختلفة، وفي الوقت ذاته، قد يخطئ من يعتقد بأن التجربة الروسية قد تدفع بيكين لتفكر مجدداً بشأن تايوان، بحسب ما يراه المؤرخ نيل فيرغوسون، وذلك لأن الصين التي تتمتع باقتصاد أكبر بكثير من الاقتصاد الروسي، قد تشعر بالارتياح وهي ترى الغرب عاجزاً عن حرمان نفسه من الوقود الأحفوري الروسي، مع رفض حلف شمال الأطلسي المخاطرة بشكل مباشر بأمن أي عضو من أعضائه من أجل مساعدة أوكرانيا.

لنعقد اتفاقاً

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن التوصل إلى اتفاق سلام عبر التفاوض ما يزال ممكناً، إلا أن حدود أي تسوية محتملة قد تختلف إلى حد بعيد، وذلك لأن الغموض يكتنف كم التنازلات التي بوسع الشعب الأوكراني والغرب أن يقبل بها.

ثم إن الدول الأوروبية الغربية تحفزها فكرة العودة للتطبيع على المستوى الاقتصادي إلى حد كبير، فمن بين المؤشرات التي تثبت بأن تأثير العقوبات بدأ يتضاءل، نجد من ينادي بتشديد تلك العقوبات فحسب، إلا أن ذلك لن يضر روسيا وحدها، وذلك لأن ارتفاع تكاليف المعيشة أصبح التهديد الأكبر بالنسبة لإعادة انتخاب ماكرون مثلاً.

أما في ألمانيا، فقد حذرت المستشارة أولاف شولتز من أن الابتعاد عن النفط والغاز الروسيين قد يتسبب بحدوث حالة ركود، أما وكيلة وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، فقد تحدثت إلى محطة كارنت تايم الناطقة بالروسية التي تدعمها الولايات المتحدة يوم الأربعاء الماضي، فقالت: "في حال توصلنا عبر التفاوض إلى تسوية لهذا النزاع تقضي بخروج القوات الروسية من أوكرانيا، وبحماية سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، مع ضمان إعادة إعمار أوكرانيا، عندها يمكن التراجع عن تلك العقوبات... وقد تشهدون سيناريو يتم من خلاله تقسيم عملية التراجع عن العقوبات إلى مراحل بناء على خطوات يتم بموجبها جلاء القوات الروسية عن أوكرانيا... إلا أننا ما نزال بعيدين جداً عن ذلك".

هذا ولقد عبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن بعض الانفتاح تجاه عدم ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي، إذ من خلال ذلك قد يتمكن بوتين من انتزاع بعض الأراضي، وذلك عبر التمدد من القرم إلى الدونباس دون أن يعترضه الأوكرانيون، وذلك مقابل انسحاب روسيا مما تبقى من أوكرانيا.

إن التفكير بهذه النتيجة بالتحديد يدفع السياسيين في برلين وباريس إلى تنفس الصعداء، وذلك لأنها تحمل بين طياتها احتمال تحقيق انتصارات للقوة الناعمة على المدى البعيد. إذ في حال تقسيم أوكرانيا إلى دولتين، عندها يمكن للاتحاد الأوروبي أن يستعرض مسؤوليته عن عملية إعادة إعمار الجانب المحرر، وقد يخلق ذلك حالة قد تروق لمن يقارن بين هذه الحالة ونموذج ألمانيا الغربية والشرقية، وذلك بغية توضيح مدى تردي المعيشة عندما تصبح البلاد تحت حكم موسكو (وهنا لا بد أن نتذكر بأننا ما نزال نريد من بوتين أن يخرج من أوكرنيا). كما قد تروق للبعض فكرة إقامة حدود واضحة بحكم الأمر الواقع بين الاتحاد الأوروبي وروسيا على نهر دنيبير، خاصة عندما يكون البديل وجود حدود لروسيا مع بولندا وسلوفاكيا وهنغاريا ورومانيا في حال تمكن بوتين من السيطرة على كامل أوكرانيا.

لقد نكث بوتين بكل وعد قطعه تقريباً خلال الشهر الماضي، ومنها انسحابه من كييف أو السماح بإقامة ممرات إنسانية تسمح للناس بالهروب من ماريوبول، وهذا ما دفع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، للتصريح يوم الأربعاء الماضي: "أرى بكل وضوح أنه لا يمكن الوثوق ببوتين"، وذلك عندما سئل عن أهمية مفاوضات ماكرون مع الكرملين.

وحتى لو التزم بوتين باتفاقية ما، فلابد أن تقوض أية مكاسب يجري تحقيقها من خلال العنف غير المبرر نظام تلك الدولة القائم على القواعد والقوانين.

أما دول أوروبا الشرقية التي بقيت تناصب روسيا العداء، فقد ترى في تلك الاتفاقية استرضاء لمتنمر يهدد أمنهم، في حين قد يجد فيها بوتين دعوة مفتوحة تبيح له محاولة غزو أي دولة جارة من جديد، غير أنه سيبلي بلاء أحسن في المرة القادمة.

لا نهاية لتلك اللعبة/الحرب

قدرت وزارة الدفاع الأميركية لهذا النزاع أن يستمر لعقد كامل من الزمان، إذ لا وجود لأي مؤشر يدل على استعداد أي من الطرفين لخوض مفاوضات سلام جدية في أي وقت قريب.

فزيلينسكي يرفض حتى الخوض في الحديث عن المناطق التي استسلمت إلى أن يعيد الروس جنودهم إلى المواقع التي كانوا فيها قبل 24 شباط، أما تنازله الآخر المحتمل، وهو الالتزام بحياد أوكرانيا، فيتطلب إجراء استفتاء دستوري، بيد أنه من المستحيل تنظيم هذا الاستفتاء في ظل هذه الظروف. وفي الوقت ذاته، ترى أجهزة الاستخبارات الغربية أن بوتين لا يدرك أصلاً إلى أي مدى ستسوء الأمور بالنسبة له، وذلك لأن مستشاريه يكتمون عنه تلك الأخبار حتى ينعم براحة البال. إلا أن العقوبات التي وهن تأثيرها على روسيا جعلت قرار موسكو أكثر حزماً وصلابة، في الوقت الذي يبدي فيه الزعماء الغربيون المزيد من الرفض تجاه الضغوطات المتزايدة التي ترهق كاهل ناخبيهم.

وهكذا صار هذا النزاع العسكري المستمر يشبه سوريا وسط أوروبا الشرقية، وذلك لأن حلف شمال الأطلسي يقف بشكل حازم وموحد بالنسبة لرفضه إرسال جنوده براً أو قصف الطائرات الروسية جواً. أما الأوكرانيون، فبالرغم من شغفهم وتنظيمهم، نجدهم مشتتين بين الدفاع عن كييف وحماية غيرها من المواقع المهمة من المضايقات الروسية التي تهدد بشن حملة عسكرية مضادة فعلاً، إذ يصف مسؤول غربي حال القوات الأوكرانية في الدونباس، فيقول: "سيأتي وقت تقرر فيه القوات الروسية بأنها فعلت ما يكفي في ماريوبول، وعندها ستفكر بالتوسع شمالاً ومحاولة تصعيد عملية التطويق الواسعة هذه".

ومع نجاح الروس بالاستيلاء على المدن، ستصبح أقصى طموحات القوات الأوكرانية الاستعانة بأساليب حرب العصابات لمنع العملية العسكرية من التحول إلى واقع سياسي، وهذا يعني سحب الموارد الروسية من الخطوط الأمامية الصلبة، وهنا تصف جينيفر كافاريلا وهي رئيسة الأركان لدى معهد دارسات الحرب في الولايات المتحدة ذلك الوضع بقولها: "إن تغير الموقف هذا سيحمل معه تكلفة كبيرة".

بعد تراجع طموحات بوتين بالسيطرة على أوكرانيا، أصبح هذا الرجل ميالاً للتدمير الممنهج الذي يجعل من كلفة إعادة إعمار البلاد باهظة إلى الحد الذي يدفع الجميع للإحجام عن المشاركة أو الخوض في تلك العملية، إلا أن روسيا لن تنتصر في تلك الحرب أبداً، ولكن أوكرانيا ستخسر شعبها واقتصادها.

يدعي حلف شمال الأطلسي أنه لم يتدخل حتى لا تقوم حرب عالمية ثالثة، إلا أن أي حرب تمتد لفترة طويلة تخلف عواقب على المستوى العالمي، إذ لن تتمكن موجة اللاجئين الأوكرانيين التي توجهت نحو الغرب من العودة إلى الوطن، كما أن هؤلاء اللاجئين لن يكونوا اللاجئين الوحيدين في تلك البلاد، وذلك لأن شعوب الشرق الأوسط وأفريقيا ووسط آسيا مهددة في حال تراجع الاقتصاد الروسي وانقطاع صادراته الغذائية بموجة هجرة جديدة، وهذه القضية تقض مضجع الدول الديمقراطية الغربية.  

 المصدر: بوليتيكو