روسيا وإيران: صراع "الأباطرة" على الأرض السّوريّة

2022.09.12 | 06:02 دمشق

روسيا وإيران: صراع "الأباطرة" على الأرض السّوريّة
+A
حجم الخط
-A

لم يستطع الرّوس والفرس التعايش قربَ بعضهم البعض بسلامٍ منذ فجر التّاريخ.

خاضَت الإمبراطوريّات الرّوسيّة والفارسيّة المُتعاقبة عشرات الحروب والمعارك منذ القرن التاسع.

يومٌ للرّوس وآخر للفُرس. ملايين القتلى، احتلالٌ متبادَل، دعمُ الخصوم. من منّا لا ينسى كيفَ وقَفَ الخُميْني في وجه المدّ الشّيوعيّ الآتي من موسكو، وكيف دعمَ الاتحاد السّوفييتي نظام صدّام حسيْن بالسّلاح والعتاد في حربه ضدّ نظام الملالي؟

الخُلاصة أنّ روسيا وإيران لا تنظران إلى بعضهما بعيْن الثّقة، مهما تبادَل علي خامنئي وفلاديمير بوتين الابتسامات وكلمات الغزل، إلّا أنّ ما خفيَ بين "الإمبراطوريْن" كانَ أعظم.

تُخبّئ الابتسامات المُتبادلة بين مُرشِد طهران وسيّد الكرملين لكماتٍ مُتبادلة فوق الجغرافيا السّوريّة.

اجتمَع الطّرفان على دعم نظام بشّار الأسد، لكن من قال إنّهما يتّفقان في صفّ من ينبغي أن يكون الأسد؟ في صفّ موسكو أو طهران؟

مهما قيلَ عن شدّة "ذكاء وحكنة" قائد قوّة القدس السّابق قاسم سُليْماني، إلّا أنّه لم يكُن "موفّقاً" يوم جاء بـ"الدبّ الرّوسيّ إلى كرمِ الحرس الثّوريّ".

كُلّنا يذكُر تلك الرّواية التي ينشرها محور إيران عن أنّ سليْماني طارَ إلى العاصمة الرّوسيّة صيفَ 2015 وشرَحَ لبوتين ضرورةَ التّدخّل لإنقاذ نظام الأسد، حتّى لبّى بوتين طلبَ الجنرال الإيرانيّ وجاءَ بجحافل أساطيله البحريّة والجويّة إلى الأرض السّوريّة.

بدأت حرب النّفوذ داخل نظام الأسد. يريدُ الإيرانيّون حصّتهم من النّظام والأرض والسّماء. بينما روسيا تعتبر نفسها قوّة عُظمى ولها الفضل ببقاء الأسد والإيرايين معاً في سوريا

كانَ الطّرفان يلتقيان على الهدف: "ضربُ المعارضة السّوريّة وحماية النّظام". صبّ بوتين حِمَمَ طائراته على السّوريين في مناطق حلب وحماة والغوطة وحمص، بينما كانت ميليشيات الحرس الثّوريّ تُهجّر السّوريين على الأرض، وتُعلن "تحرير المناطق".

انتهَت مفاعيل هذه الثّنائيّة بعد سقوط مدينة حلب والغوطة، واستعادة النّظام لمدينتيْ تدمر ودير الزّور. ذابَ الثّلج وبان المرج.

صارَ حلفاءُ الأمس خصوم اليوم. بدأت حرب النّفوذ داخل نظام الأسد. يريدُ الإيرانيّون حصّتهم من النّظام والأرض والسّماء. بينما روسيا تعتبر نفسها قوّة عُظمى ولها الفضل ببقاء الأسد والإيرايين معاً في سوريا، وبالتّالي فهي لا تُشارِكُ أحداً في مُقاطعتها الجديدة التي ضمّها بوتين إلى إمبراطوريّته الرّوسيّة.

بالطّبع لن يتواجه الإيرانيّون والرّوس بشكلٍ مباشر. وجدَت روسيا ضالّتها في "إسرائيل" التي تنظر بقلق إلى تعاظم نفوذ طهران من جنوبي دمشق وريفها والقلمون والقصير إلى حلب.

لم يشنّ سلاح الجوّ الإسرائيليّ غارةً من غاراته الـ3000 ضدّ إيران وميليشياتها في سوريا إلّا بإذنٍ روسيّ، وهذا ليسَ خافياً في الخطّ السّاخن الذي يعمل بين تل أبيب وقاعدة حميميم الرّوسيّة.

اليوم وسّعَت روسيا الحدّ المسموح للغارات الإسرائيليّة. فمن السّذاجة الاعتقاد أنّ إسرائيل استهدفت مطار حلب مرّتيْن من دون إخطار الجانب الرّوسيّ.

وللمصادفة، جاءَت الغارات على حلب بالتزامن مع تعزيز الشّرطة العسكريّة الرّوسية حضورها قُرب الجولان المُحتلّ.

هُنا سقَطت عبارة "أبو علي بوتين". لم يعُد الرّئيس الرّوسيّ ذلك القائد الذي سيُحرّر القدس. ولم يعُد هذا الذي سيُخرج إسرائيل من الوجود. صارَت روسيا هدفاً لحملات محور إيران.

لن تتسِع سوريا لأطماع إمبراطوريْن. فالأباطرة لا يتشاركون العرش، فإمّا بوتين الحالم بحكم القياصرة، وإمّا خامنئيّ الحالم بـ"ولاية أمر المُسلمين وتصدير ثورته".. وأمنيتنا أن يخرجَ المُحتلّان معاً..

بعد غارة حلب الأخيرة خرجَ عضو المكتب السّياسيّ في حزب الله غالب أبو زينب عبر حسابه على تويتر بانتقادٍ غير مسبوق من محور إيران لروسيا: "غضّ النظر والتواطؤ الرّوسيّ عن الاعتداء الصهيونيّ المستمرّ على سوريّا، يُؤكد أنّ الروسيّ لا يمكن تصنيفه حليفاً، فيما هو صديق مخلص للعدو. هل تريد روسيا أن تُكَرّسَ هذه الصّورة لدى شعبِنا وإنّها أميركا أخرى مُعادية عليها أن تختار بين عمقها الاستراتيجي أو خروجها منحازة للعدو حربة الغرب في المنطقة".

صارَ كلّ شيء واضحاً. لن تتسِع سوريا لأطماع إمبراطوريْن. فالأباطرة لا يتشاركون العرش، فإمّا بوتين الحالم بحكم القياصرة، وإمّا خامنئيّ الحالم بـ"ولاية أمر المُسلمين وتصدير ثورته".. وأمنيتنا أن يخرجَ المُحتلّان معاً..