icon
التغطية الحية

رواية "أسْوَد" لـ وسيم الشرقي.. تشظّي الشباب السوري

2021.07.16 | 14:35 دمشق

aswd-_tlfzywn_swrya1.png
أحمد طلب الناصر
+A
حجم الخط
-A

"أسوَد" اسم رواية واسم بطلها وراوي أحداثها (أحمد أسود) عامل الخياطة (الدرزة) المقيم في دمشق والذي يضطرّ إلى الهرب من سوريا بعد سلوكيّات غير مسؤولة وغير محسوبة النتائج. وفي مكان إقامته الجديد، تحاصره الأحداث الماضية التي رماها خلفه، بذكرياتها الكابوسية المرعبة، فيعيش حالة من الفِصام بين أرض الواقع وعالم خيالي صنعه لذاته.

تطرح الرواية الصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع والتي جاءت في 175 صفحة، العديد من الأسئلة؛ حول المكوّنات الاجتماعية السورية وتعقيداتها، من خلال فصل الرواية الأول الذي حمل عنوان (أنا) حيث يتحدث أحمد فيه عن أسرته ونشأته الأولى:

".. هم مسلمون (عائلة والده) بينما والدتي مسيحية، ولم تستطع عائلتهما تقبّل ذلك تحت أي ظرف".

وتطرح الرواية أيضاً أسئلة عديدة تدور حول الذاكرة والشوق والحنين، والحب بالتأكيد.

الفصل الثاني حمل عنوان (الزيارة الأولى.. الانتحار)، فالفصل الثالث (البيت الزجاجي).. وهكذا وصولاً إلى الفصل الأخير من الرواية (جمال العالم في اليوم ما قبل الأخير)!

ميادين الرواية

وصولاً إلى إسطنبول، يتنقل الشاب أحمد أسود بين أحياء دمشق: الزبلطاني ودويلعة، ومن ثم إلى ريفها، مدينة صيدنايا. وخلال ذلك يروي أسود قصّة حياته كما يراها منذ أن كان صغيراً -عبر الفصل الأول (أنا)- تلك الحياة الحافلة بالتقلّبات والتحولات والمغامرات: انطلاقاً من وقوعه في علاقة حُب ومن ثم السفر، وتخطيطه لاحقاً لارتكاب جريمة قتل.

من خلال أسود، الرواية/ الشخصية، أن يثير جوانب كثيرة مخبوءة في حياة فئة واسعة من السوريين قبل عقد الثورة السورية

يحاول وسيم الشرقي، من خلال أسود، الرواية/ الشخصية، أن يثير جوانب كثيرة مخبوءة في حياة فئة واسعة من السوريين قبل عقد الثورة السورية -قبل آذار 2011، عبر سردٍ لغوي مُحْكَم لا يخلو من السخرية والانفعالات الوجدانية.

ومن بين عناصر تلك الفئة السورية، يتناول الشرقي حياة العاملين في معامل الخياطة على سبيل المثال، بالإضافة إلى حياة المهرّبين بين لبنان وسوريا، والمهووسين بأندية بناء الأجسام (كمال الأجسام) ورواد خمّارات وبارات الحارات الدمشقية القديمة، وعناصر أخرى مختلفة.

إلا أن الرواية في نهاية الأمر ترتبط ارتباطاً عضوياً بأحمد أسود، بحياته القصيرة نسبياً، وبطريقة موته/ انتحاره، عبر إلقاء نفسه من على أحد جسور مضيق البوسفور وسط إسطنبول، تلك الجسور التي شهدت انتحار الكثيرين قبل أسود.

ومن دون أن يرهق القارئ نفسه، سيدرك أن زائري أسود في بيته الضيّق الذي يقيم فيه رفقة قطته "كارا" -وتعني "السوداء" باللغة التركية، وهي بالأصل سوداء اللون!- ما هم إلا ذكرياته القديمة وكوابيسه وهلوساته، التي تدفعه للتصرف بغرابة وطرح أسئلة عشوائية بعيدة عن العقلانية:

"حين أصبح تحت الضوء، استطعت تمييز وجهه المطابق لوجهي.. باغتني من دون مقدمات بسؤاله: لماذا لم تنتحر؟ لم يسعفني عقلي إلا بجواب وحيد: لأنني خفت. وأضاف باقتضاب: هذا يعني أنك لم تجب عن الأسئلة كلها؟".

وعلى هذا النحو تدور دوامة الأسئلة في ذهن أسود، لتسبح الرواية في فلك الإجابة عنها.

عودة إلى دمشق

في وسط حياة أسود داخل مشغل الخياطة، تلك الحياة الروتينية المنمّطة، تتحوّل حياة أسود، بالصدفة، إلى الجانب الآخر من دمشق، بعد تعرّفه على "نسرين" ووقوعه في حبّها، إذ تدخله تلك الحبيبة عوالم دمشق الأخرى الزاخرة بالحيوية والمتعة: المسرح والفنون الأخرى، وجلسات النقاش، وكل ما هو متمرد على حياة أسود الأولى.

تستمر التحوّلات في عالم أسود بعد أن تخبره زميلته في المشغل "أميرة" أن صاحب المشغل "أبا محمد"، قد تحرّش بها. وبعد أن تتضخم لديه الهلوسات وتتشعّب، خصوصاً حين يشكّ أن أبا محمّد قد تحرّش بوالدته أيضاً أثناء إنجازها أعمالاً لصاحب المشغل، ورغبته الشديدة في قراءة رواية ديستوفسكي (الجريمة والعقاب)؛ ينتهي به الأمر إلى قتل أبي محمّد!

انتقال آخر

تموت أم أسود بعد أن تمرض، وقطعت نسرين علاقتها معه ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد حصولها على منحة دراسية هناك، واختفت أميرة بعد إغلاق المشغل. ولم يكن أمامه إلا الهرب من البلاد التي أصبح مطلوباً للعدالة فيها.

وتبدأ معالم الرواية بالوضوح بعد أن يخبرنا أسود بأنه توجّه إلى إسطنبول، المليئة بمشاغل الخياطة والخياطين بعد انطلاقة الثورة السورية، وكل همّه يدور حول طبيعة العلاقات التي انقطعت بين تركيا والنظام في سوريا، وبالتالي لن تتمكن السلطة القضائية التابعة للأخير من القبض عليه مطلقاً.

"أسود" رواية تستحق أن نتمعّن جيداً ونحن نقرأ عباراتها وتفاصيلها، لنتمكن من بلوغ مقاصدها من دون انزياح أو شطط. لأننا سندرك في النهاية أن أحمد أسود ليس قاتلاً وليس شريراً، وليس عابثاً أو جاهلاً؛ هو ليس سوى واحد من آلاف الشبان السوريين الذين تشظّوا بالأمكنة ونمطية الوجود.  

سيرة.. وسيم الشرقي

كاتب ومسرحي سوري من مواليد طرابلس الليبية عام 1989 ويقيم اليوم في ألمانيا. تخرّج في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق- قسم الدراسات المسرحية.

عمل في الصحافة الثقافية وينشر مقالاته في العديد من المواقع والمنصات العربية، وعمل أيضاً دراماتورج في عروض مسرحية قدمت في كل من سوريا ولبنان وتركيا.

صدرت له رواية بعنوان "الحاجب" عام 2015 عن دار الساقي.