رسائل إسرائيلية دموية من غزة إلى دمشق

2019.11.15 | 17:59 دمشق

ghdxfhgdxghxdfhg.jpeg
+A
حجم الخط
-A

نفذت إسرائيل صباح اليوم الثلاثاء الماضي غارات متزامنة في قطاع غزة ودمشق استهدفت مسؤولين في حركة الجهاد الإسلامي نجحت في اغتيال بهاء أبو العطا المسؤول العسكري للحركة شمال القطاع أو رئيس أركان الجهاد، حسب تعبير الصحافة الإسرائيلية، بينما فشلت في النيل من أكرم العجوري عضو المكتب السياسي للحركة ومسؤولها العسكري المقيم في دمشق.

الهجمات الإسرائيلية الدموية حملت رسائل للجهاد وحماس والمقاومة في غزة، للمفارقة أن الرسالة الأساس في دمشق كانت لإيران وبدرجة أقل للنظام الذي لا وزن ولا قيمة له، مع تساؤلات ليست فقط عن كيفية جمع المعلومات وتنفيذ العملية في دمشق إنما حتى عن غياب الرد عليها.

مبدئياً نحن أمام دولة صهيونية قامت على حد السيف وعادة ما تبدأ الاستعداد للحرب القادمة مباشرة بعد الانتهاء من الحرب السابقة، ومن هنا فإن اللجوء للتصعيد والعمليات العسكرية مهم جداً ومركزي لشد العصب الداخلي فيها.

في السياق الإسرائيلى أيضاً نحن أمام شيطنة للمقاومة في غزة تصويرها كأنها تحتل تل أبيب وليس العكس من يسمع ويقرأ ويتابع الأخبار والتقارير الواردة من الإعلام الإسرائيلي التي يكتبها عادة معلقون عسكريون مجندون لصالح المؤسسة الأمنية يظن أن المقاومة الفلسطينية هي من تمتلك ترسانة هائلة تقليدية وغير تقليدية، إنها من ترتكب الجرائم ضد الإسرائيليين التقارير التي يتم تناقلها، بل الاحتفاء بها للأسف من قبل مناصري المقاومة الفلسطينية ومنابرها الإعلامية.

وفيما يخص الشهيد أبو العطا فقد قامت إسرائيل بشيطنته بشكل منهجى خلال الأشهر الماضية وتصويره كمن يمنع التهدئة ويحاصر غزة وحتى يمنع عنها الغذاء والدواء، وأنه مجرد أداة لإيران ووصل الأمر حتى للزعم أنه يشكل خطراً على حماس وسلطتها، وغزة وأهلها بشكل عام.

لا يمكن إنكار التأثير الإيراني على حركة الجهاد طبعاً لكننا نتحدث عن إنسان يعيش في غزة يرى يلمس بنفسه المعاناة ومسؤولية الاحتلال والحصار عن الأوضاع المأساوية فيها وبالتالي لا يمكن التشكيك في وطنيته ودوافعه الفلسطينية، كما أقر عاموس هارئيل معلق صحيفة هآرتس – الثلاثاء 12 نوفمبر – إلا أن هذا من جهة أخرى لا يعطيه الحق ولا أي مجموعة أخرى بالتفرد في إدارة الصراع، أو الرد على الاحتلال وممارساته بشكل منفرد دون إجراء حسابات وطنية تتعلق بالمكاسب والأضرار والأهم استيعاب حقيقة أن العسكرة  الطاغية المتبعة لم تؤدي إلى رفع الحصار عن غزة أو تحرير فلسطين بل ربما أدت إلى أن تسوء الأوضاع أكثر في غزة تحديداً.

من هنا جاء موقف حركة حماس المسؤول والحكيم أثناء التصعيد الأخير كونها فهمت أن الوقت غير مناسب لمعركة طويلة، ولا يمكن أصلاً الذهاب إلى حرب من دونها وانخراطها كان سيؤدي إلى إطالة أمد التصعيد ومضاعفة الخسائر دون تغيير جذري في النتائج أو المشهد الغزاوي والفلسطيني بشكل عام، علماً أن الاحتلال لم يحملها المسؤولية عن أفعال الجهاد، كما جرت العادة بل سعي إلى تحييدها وعدم استهداف مؤسساتها وقواعدها لإبقائها بعيداً عن المعركة على قاعدة أن هذا سيؤدي حتماً إلى تقصير أمدها وهو ما حصل فعلاً.

إذن التصعيد في غزة كان محسوبا إسرائلياً وهدفا ليس فقط إلى لفت الانتباه عن حقيقة الوضع، إنما إلى اختبار قدرات الجهاد، التخلص منها مع أكبر عدد ممكن من قادتها الميدانيين واختبار أسلحة ومنظومات جديدة، كما يفعل جيش الاحتلال في العادة، علماً أنه يذهب إلى تصعيد محسوب كل فترة بغرض تدمير البنى التحتية للمقاومة، وتصوير نفسه بصورة الضحية وليس الجلاد.

إضافة إلى المعطيات السابقة فقد سعى نتنياهو لاستغلال التصعيد من أجل جر زعيم المعارضة الجنرال بيني غانتس إلى تشكيل حكومة جديدة وتضخيم أو تهويل الأخطار الأمنية بما يرضى العسكر لجهة حصد ميزانيات جديدة. كما للمضي قدماً في إنهاء الأزمة السياسية، وعدم الذهاب إلى انتخابات مبكرة ثالثة في أقل من عام، والأهم لمواجهة لوائح الاتهام الحتمية ضده من موقع رئيس الحكومة وليس من موقع المعارضة.

العملية في دمشق كانت معقدة أكثر حيث تم استهداف منزل جديد غير معروف لأكرم العجوري، بينما تم استهداف أبي العطا في منزل العائلة بغزة، وثمة تساؤلات وسط عناصر الجهاد عن كيفية وصول إسرائيل لهذه المعلومات، وعن تنفيذ العملية أساساً مع همسات أو اتهامات للاحتلال الروسي بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي وحتى لأجهزة النظام الأمنية نفسها العاملة بوصاية وإمرة الاحتلال الروسي.

الغارة في دمشق هدفت أساساً لنفي البعد الوطني عن فعل المقاومة الفلسطينية في الداخل، والقول أنه يأتي نتيجة أوامر خارجية من قادة الخارج المتماهين مع إيران وسياساتها.

العملية الاستعراضية سعت كذلك إلى نفي التقارير الإعلامية الإسرائيلية الخادعة التي زعمت التوقف عن الغارات أو العمل في الأجواء السورية المحتلة ضمن التفاهم الذي ما زال ساري المفعول بين الاحتلالين الإسرائيلي والروسي.

الرسالة الدموية كانت موجهة أيضاً لإيران ومفادها أنه لن يتم التوقف عن استهدافها مباشرة أو عبر حلفائها، كما لاختبار ردة الفعل مع تأكد أو يقين إسرائيل من عجز إيران عن الرد لا هي ولا النظام المطالب بالوقوف جانباً حفاظاً على سلطته الشكلية، والذي لا تأخذه تل أبيب أصلاً على محمل الجد في حساباتها مع اعتبار ملفه كله جزءا من التفاهمات مع الاحتلال الروسي.

كما كان متوقعاً جاء الرد من غزة رغم الثمن الكبير في عدد الشهداء مع نجاح جزئي للمقاومة عبر تعطيل الحياة في بعض المدن الإسرائيلية وإيقاع خسائر اقتصادية جدية، قد تستغلها القيادة الإسرائيلية السياسية الأمنية بانتهازية، لتهويل الأخطار الأمنية المزعومة وحصد مزيد من الميزانيات العسكرية.

عموماً فقد جاء التصعيد محدوداً، حيث حققت تل أبيب معظم أهدافها باغتيال أبي العطا والقصف في غزة ودمشق واستيعاب الرد مع إيقاع عدد كبير من الشهداء، والتدمير في غزة وإبقاء حماس بعيداً لعدم الذهاب إلى تصعيد طويل أو حرب واسعة مع استمرار العربدة في سماء سوريا المحتلة، والاطمئنان لغياب الرد الذي لا يأتي إلا من غزة، مع الانتباه  طبعاً الى أن النجاحات الإسرائلية جد تكتيكية، مع العجز عن فرض الاستسلام التام على الشعب الفلسطينى، الذى ما زال صامداً يقاوم بكل الوسائل المتاحة أمامه، ويرفض الخضوع للأمر الواقع الذى يحاول الاحتلال فرضه فى غزة وفلسطين بشكل عام.