icon
التغطية الحية

رحلة الرواية العربية.. الكلاسيكية والتجديد في الأعمال الروائية

2023.08.17 | 14:49 دمشق

رواية العربية
+A
حجم الخط
-A

لم تكن الرواية العربية مجرد تسلية أو ترف، بل كانت وسيلة للتعبير عن الهُوية الثقافية والسياسية والاجتماعية للشعوب العربية؛ ففي طياتها نجد صوت الثائر والمثقف والحالم... من الجنسين. ونرصد تصويراً عميقاً للواقع والمشاعر الإنسانية.

وعلى الرغم من وجود كثير من الكتابات النثرية الخيالية في الأدب العربي خلال العصور الوسطى ومراحل ما قبل الحداثة، فإنه يصعُب الحديث عن "رواية عربية" بالمعنى الذي نفهمه عادةً إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. حيث يرتبط صعود الشكل بحركة التجديد الأدبي والثقافي المعروفة باسم "النهضة"، والتي تركزت في البداية بشكل أساسي في سوريا ولبنان ومصر، والتي جمعت بين محاولة إعادة اكتشاف التراث الثقافي والفكري العربي الكلاسيكي مع استيراد الأشكال الأدبية الغربية في المنطقة لأول مرة.

ما أول رواية عربية؟

المنافس الأقوى الذي فرض نفسه على الجدل الدائر بين الأدباء والمثقفين حول الرواية العربية الأولى، تمثّل بالعمل الضخم للكاتب اللبناني فارس الشدياق "ساق فوق ساق"، والذي نُشر عام 1855. لم يكن لعمل الشدياق خلفاء مباشرون إلا بعد ما يقارب الـ40 عاماً، وذلك مع ظهور سلسلة تزيد على 23 رواية تاريخية كتبها اللبناني- المصري جرجي زيدان بين عامي 1891 و1914، وما تزال تُقرأ على نطاق واسع حتى اليوم. ويمكن القول بأن الرواية العربية في هذه الفترة انتقلت إلى التيار الرئيسي للحياة الثقافية العربية.

بعد زيدان، سرعان ما بدأ ظهور عدد من الخيوط المختلفة في الرواية العربية، حيث بدأت الكتابة الروائية تنتشر في مناطق أخرى من العالم العربي. ومن المعالم البارزة رواية "زينب" عام 1913 للمصري محمد حسين هيكل، والتي جمعت بين الأجواء المصرية المعاصرة مع حبكة رومانسية بنمطية غربية، والتي شكلت بداية الأعمال الرومانسية في الرواية العربية.

هيكل

وقد اتضح الاهتمام المتزايد بكتابة الرواية في الدول العربية من خلال تنظيم مسابقة كتابة الرواية في أوائل الثلاثينيات، والتي فاز بها إبراهيم المازني بعمل تحت عنوان " إبراهيم الكاتب" ويتضح من خلال العنوان أن العمل كان أشبه بالسيرة الذاتية للكاتب، وهذه الخاصية كانت مشتركة بين العديد من روايات النصف الأول من القرن العشرين .

المرأة والأدب الروائي العربي

كان للمرأة دورٌ مهمٌ في الأدب الروائي العربي ولكن التعصب لفكرة "المركزية المصرية" التي أرادت ترسيخ اعتبار مصر قاطرة الثقافة العربية، وأن كل جديد في ثقافة العرب مصدره مصر اعتبر "زينب" الباكورة الأولى للرواية العربية، فرددها المصريون وتداولها المفكرون العرب بقصد أو بغير قصد، حتى هٌمّشت روايات عربية كان لأصحابها دور ثقافي متميز في مصر والشام ومن بينهم زينب الفواز (اللبنانية) التي استقرت سنين في مصر ونشرت عدة مقالات في صحف مصرية وصدر لها عدد من الكتب في مصر مثل "الدر المنثور في طبقات ربات الخدور"، وكتاب الرسائل الزينبية"، وفيها ناصرت قضايا المرأة وحقها في التعليم والعمل قبل أن تظهر دعوة قاسم أمين التي جعلها المصريون أول صيحة من أجل تحرير المرأة العربية، وكتاب "مدارك الكمال في تراجم الرجال" وكتاب "الجوهر النضيد في مآثر الملك الحميد" إضافة إلى ديوان شعري جمعت فيه منظومات لها، ومسرحية  "الهوى والوفاء"، ورواية "حسن العواقب" 1898 التي اعتبرت من بواكير الرواية العربية، حيث كُتبت ونشرت قبل رواية "زينب" للأديب محمد حسين هيكل بأكثر من 15 عاما.

الفواز
زينب الفواز

وكذلك كانت لبيبة هاشم (اللبنانية ) قد استقرت بمصر وأسست مجلة "فتاة الشرق" وأصدرت إلى جانب رواية "قلب رجل" عدداً من الأعمال منها كتاب(حسنات الحب) الصادر بالقاهرة 1898، وكتاب (الفوز بعد الموت) القاهرة 1899، ومجموعتها القصصية الأولى "جزاء الخيانة" القاهرة 1903، وبعدها المجموعة الثانية "جزاء الإحسان".

الواقعية في الرواية العربية

يعود الفضل في إدخال اتجاه "واقعي" حقيقي في الرواية العربية إلى الكاتب المصري توفيق الحكيم، الذي تصور روايته المكونة من جزأين "عودة الروح" حياة أسرة مصرية خلال الحرب العالمية الأولى. جذبت كتابة الروايات أيضاً مفكرين بارزين آخرين، بما في ذلك المصري طه حسين، الذي ظلّت سيرته الذاتية الخيالية "الأيام"، التي نُشر الجزء الأول منها في عام 1926، من بين أفضل المنشورات المحبوبة في تلك الفترة المبكرة.

وقد استمر الاتجاه الواقعي في الرواية العربية ولاقى اهتماماً كبيراً من القراء، حيث كتب نجيب محفوظ الفائز بجائزة نوبل للآداب (1988)، ثلاثيته (بين القصرين- قصر الشوق- السكرية) التي نُشرت لأول مرة في عام 1956، وسرد فيها بالتفصيل حياة أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة في الفترة ما بين الحربين العالميتين.

وظلت أعمال محفوظ فريدة من نوعها بين الكتاب العرب، ليس فقط من حيث طولها وإنتاجيتها ولكن أيضاً لأن رواياته غالباً ما تعكس التغييرات في المزاج الأدبي السائد في الوطن العربي.

نجيب
ثلاثية نجيب محفوظ

وقد لوحظ مراراً أن نقاط التحول في تاريخ الأدب العربي قد سارت جنباً إلى جنب مع التطورات السياسية، وظهور اتجاه جديد للواقعية الاجتماعية في أوائل الخمسينيات في أعقاب حرب عام 1948 بفلسطين، وظهور الضباط الأحرار المصريين مع ثورة 1952. مثال على ذلك المؤلف اللبناني سهيل إدريس الذي دفع في عام 1953 بفكرة "الالتزام" إلى الصدارة (ومصطلح الالتزام مشتق من جان بول سارتر). ولفترة من الزمن، سيطر هذا الاتجاه على الكتابة في معظم أرجاء العالم العربي. ولعل أفضل مثال نجده في رواية عبد الرحمن الشرقاوي "الأرض المصرية" التي صدرت لأول مرة عام 1954 ثم تحولت بعد ذلك إلى فيلم ليوسف شاهين.

ومع ذلك، فإن الشعور بالتفاؤل الناجم عن الثورة (الناصرية) لم يدم طويلاً، وتفاقمت حالة خيبة الأمل المتزايدة التي اجتاحت المنطقة بفعل الهزيمة العربية في حرب 1967 "الأيام الستة" مع إسرائيل.

الرواية العربية المعاصرة

في الآونة الأخيرة، شهدت الرواية العربية ظهور جيل جديد من المؤلفين الموهوبين، والذين تأثر مسار أعمالهم بشكل كبير بـ الربيع العربي (2010) وما بعده، وكذلك بالانفجار في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للنشاط الأدبي. وظهرت أنماط واتجاهات جديدة ساعدت بتسليط الضوء ليس فقط على الحالة المضطربة في المنطقة اليوم ولكن أيضاً على المواقف المتطورة تجاه اللغة العربية والأشكال الأدبية التقليدية بشكل أكثر، وذلك جنباً إلى جنب مع استمرار الروايات في الشكل التقليدي.

وأمام تطوّر حالة الرواية العربية المعاصرة، لا يسعنا إنكار دور الرقابة السياسية والدينية المستمر في تقييد النشر، في أجزاء كثيرة من المنطقة العربية، والعديد من الكتاب ما يزالون غير قادرين على نشر أعمالهم في العالم العربي، علاوة على تناقص أعداد القراء أيضاً. كما أن الاهتمام بالكتّاب والناشرين يبقى محدوداً، وقليلٌ من الكتاب هم القادرون على كسب عيشهم من الأنشطة الأدبية وحدها. وبالرغم من أهمية إنجازاتهم، إلا أن الروائيين العرب سيبقون في مواجهة تلك التحديات.