دراما رمضان وفوضى النقد الفني.. ابتسم أيها الجنرال نموذجاً

2023.04.07 | 03:52 دمشق

دراما رمضان وفوضى النقد الفني.. ابتسم أيها الجنرال نموذجاً
+A
حجم الخط
-A

تحول رمضان في السنوات الأخيرة من موسم للدراما العربية إلى موسم رجمٍ جماعي يشارك فيه عددٌ كبيرٌ من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يتصيدون الأخطاء الفنية، باحثين في الحلقات عما يستطيعون نقد صناع العمل به، فذلك يتحدث عن ظهور نظارة طبية وآخر وجد الميكرفون يتدلى من أعلى اللقطة وآخر التقط عربة حديثة في مسلسل تاريخي والقائمة تطول وتطول، معتقدين جميعا بأنهم يمارسون عملية نقدٍ فنية! من خلال دقة ملاحظتهم وإمساكهم بالأخطاء الإخراجية والإنتاجية والنصية.

يعرف الدكتور وليد سيف النقد في العصر الحديث في كتابه "أسرار النقد السينمائي.. أصول وكواليس" "بأنه عمليات الوصف والتفسير والحكم، هدفه تحليل العمل إلى عناصره الفكرية والجمالية المكونة له أي هو بحث في مواطن القوة والضعف في ذلك العمل" وما يحصل اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الحقيقة ليس نقداً ولا يمكن اعتباره حتى من أدنى أنواع النقد، بل هو في أفضل أحواله لا يتعدى سقف الانطباعات والآراء الشخصية وكما يقول الدكتور وليد سيف "إن مفهوم النقد في العقل الجمعي أصبح يفهم على أنه تصيد الأخطاء في الأعمال الفنية".

لم يتحدث أي من النقاد أو المشاهدين في ذلك الوقت وحتى يومنا هذا عن هذه الأخطاء ولم تنقص من قيمة العمل (الفصول الأربعة) أو أهميته، على العكس تماماً حتى اليوم يحتفي الجميع به

فلو أخذنا العديد من الأعمال السورية والتي تعتبر من أسمى ما أنتجته الدراما السورية في الـ 30 سنة الماضية ووضعنها على مقياس (السوشال ميديا)  لسقطت أعمال فنية كبيرة تعتبر من أيقونات الدراما السورية كمسلسل الفصول الأربعة الجزء الأول "إنتاج 1999" على وجه الخصوص، فالأخطاء الإنتاجية والإخراجية كانت موجودة، بداية من الكومبارس ذوي الأداء الضعيف والمتباين مع الممثلين الرئيسيين إلى الشعر المستعار الرخيص (باروكة) الذي كان يتم استعماله لبعض شخصيات العمل الرئيسية مروراً بالأزياء التي كان يرتديها الممثلون بدون كيٍّ أو تمسيد وصولاً إلى الإضاءة والتي لم تكن مضبوطة أو مدروسة بشكل صحيح في بعض المواقع.

رغم ذلك لم يتحدث أي من النقاد أو المشاهدين في ذلك الوقت وحتى يومنا هذا عن هذه الأخطاء ولم تنقص من قيمة العمل أو أهميته، على العكس تماماً حتى اليوم يحتفي الجميع به، فقد رسمت (دلع الرحبي وريم حنا) بالإضافة لحاتم علي لوحةً عن المجتمع السوري في ذلك الوقت ووثقوا من خلاله العلاقات الأسرية وما يدور في فلكها من محبة و خصام وألفة وغيرة وتضامن اجتماعي وغيرها من خصال إيجابية وسلبية في المجتمعات الشرقية الأصيلة.

"طرحت الدراما السورية خلال السنوات القليلة الماضية، العديد من الأعمال التي تتناول قضايا الجيل الشاب وأسباب «شيخوخته» المبكرة. والنهايات الحزينة حلت محل النهايات السعيدة. هي واقعية يقول البعض. فعلى النهاية أن تتراوح ما بين سلم طائرة وزنزانة في سجن، وبينهما أحلام متفسخة وروح متشظية وقهر يستقر عميقاً جداً وثقيلاً جداً، يغدو معه رفع الرأس باتجاه السماء بحاجة إلى جهد جهيد." هذا ما كتبته رزان زيتونة في العام 2008 منتقدةً الدراما السورية في سنوات أوجها، ولم تمتدح صورة أو تتصيد خطأً إنتاجياً بل كان المحتوى وسقف الحريات في الدراما السورية هو شاغلها، فمنذ فجر الدراما السورية وحتى هذا العام تحديداً لم تستطع الدراما السورية أن تتجاوز رقابة السلطة ودخلت في دوامة عرفتها الباحثة Mriam Cooke بمصطلح "النقد المفروض / Commissioned Criticism "  في كتابها (Dissident Syria: Making Oppositional Arts Official/ سوريا المنقسمة : تحويل الفن المعارض الى فنٍ رسمي) حيث تجبر السلطة القائمين على الدراما على أن ينتقدوها ضمن هوامش معينة لتظهر السلطة بصورة ناصعة وديمقراطية، ولكن على أرض الواقع القمع كان ولا زال موجوداً ولن يغير انتقاد السلطة  شيئا.

لكن هذا العام حدث شيء مختلف وللمرة الأولى يُنتج عمل درامي تلفزيوني تجاوز جميع الأسقف وكسر جميع تابوهات الدراما في الوطن العربي، ما قدمه لنا الثنائي السوري سامر رضوان والمخرج عروة محمد كان خرقاً لجميع الخطوط الحمراء، فكما قامت دلع الرحبي وريما حنا وحاتم علي بإنجاز وثيقة درامية تحت عنوان الفصول الأربعة حفظت لنا شكل الحياة الأسرية في المجتمع السوري، قام سامر رضوان وعروة محمد بتوثيق شكل الحكم الديكتاتوري العسكري العائلي والعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية القائمة من خلاله على منطق العنف والقوة مقتبسين من الواقع شخوصه وأحداثه وحملت هذه الوثيقة الدرامية عنوان "ابتسم أيها الجنرال".

إذا قررنا أن نضع "ابتسم أيها الجنرال" على مقصلة مواقع التواصل الاجتماعي القائمة على اصطياد الأخطاء الإخراجية والإنتاجية فسيفشل العمل كما سيفشل الفصول الأربعة

رفعت شركات الإنتاج العربية في السنوات الأخيرة سقف المنافسة البصرية إلى مراحل جديدة غير مسبوقة مما رفع من ذائقة المشاهد العربي وهذا ما حرم العمل من الدخول في سباق المنافسة البصرية خصوصاً مع التركيبة اللونية المختارة من قبل المخرج التي أثرت على المنتج النهائي بشكل مباشر، إلا أن العمل على صعيد الفكرة قدم نموذجاً عن حكم العصابات العسكرية التي اختطفت السلطة من المدنيين وحرمتهم من السياق الطبيعي للتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي،  وإذا قررنا أن نضع "ابتسم أيها الجنرال" على مقصلة مواقع التواصل الاجتماعي القائمة على اصطياد الأخطاء الإخراجية والانتاجية فسيفشل العمل كما سيفشل الفصول الأربعة أيضاً، إلا أن التاريخ سيسجل أن هذا العمل هو أول عمل عربي سوري لا يبجل السلطة الحاكمة و يحابيها، أو يطرح هموم المواطن بعيداً عن السلطة وفسادها, بل على العكس تماماً اتجه مباشرة إلى أرومة الفساد وجرد العصابة الحاكمة من أوسمتها وامتيازاتها وأظهرها على حقيقتها.