icon
التغطية الحية

خيارات "قسد" الصعبة في مواجهة التصعيد التركي

2022.11.29 | 06:16 دمشق

آلية عسكرية تابعة للجيش التركي (رويترز)
آلية عسكرية تابعة للجيش التركي (رويترز)
تلفزيون سوريا - فراس فحام
+A
حجم الخط
-A

وضعت تركيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) تحت ضغط عسكري كبير منذ منتصف تشرين الثاني 2022، حيث وسعت القوات التركية من النطاق الجغرافي لعملياتها الجوية، لتشمل ريف دير الزور، ومحافظة الحسكة، وريفي الرقة وحلب، واللافت أن العمليات التركية الأخيرة، اعتمدت بشكل رئيسي على الطيران الحربي. 

وأكد مصدر أمني لموقع تلفزيون سوريا، أن الطائرات الحربية التركية استخدمت بالفعل الأجواء السورية خلال الغارات على كل من عين العرب ومنغ بريف حلب، والمكمن بريف دير الزور، وأهداف أخرى في ريف الرقة، مما يعني أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة الأميركية فتحتا الأجواء السورية أمام الغارات التركية. 

الحرب الروسية – الأوكرانية عززت من هامش تركيا في الملف السوري 

خلقت الحرب الروسية – الأوكرانية فرصة مهمة لتركيا، خاصة مع سعي بعض الدول الإسكندنافية إلى الدخول في حلف شمال الأطلسي لمواجهة التهديدات الروسية، التي بدت أنها لن تتوقف عند أوكرانيا، حيث استخدمت أنقرة حقها في معارضة انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، للضغط على الدولتين لوقف دعم قسد في سوريا. 

واستطاعت تركيا دفع الدولتين في حزيران 2022 لتوقيع مذكرة تفاهم في مدريد، متعلقة بالتعاون في مكافحة المنظمات الإرهابية، وتسليم مطلوبين لتركيا، ووقف تمويل ودعم نشاطات قسد

وفي 26 من تشرين الثاني أصدرت تركيا والسويد وفنلندا، بياناً مشتركاً أعلنت فيه إحراز تقدم، في تنفيذ مذكرة مدريد، كما أن الخارجية السويدية استنكرت بشكل واضح تفجير تقسيم في إسطنبول، الذي اتهمت قسد بتنفيذه.

من جهة أخرى، فإن الضغوطات الاقتصادية التي تتعرض لها روسيا جراء غزوها لأوكرانيا، أرغمتها على اللجوء إلى تركيا للاعتماد عليها كوسيط في إجراء المبادلات التجارية، بما فيها بيع الغاز، حيث أعلن كل من الرئيس التركي أردوغان، ونظيره الروسي بوتين في 19 من تشرين الأول 2022، عن إنشاء مركز للغاز الطبيعي في تركيا، مع مقترح روسي لتحويل إمدادات الغاز التي كانت مخصصة لخطوط نورد ستريم باتجاه تركيا، مما يعطي أنقرة أهمية بالغة بالنسبة لروسيا والدول الأوروبية على حدٍ سواء. 

ورعت تركيا في منتصف تشرين الثاني 2022، محادثات استخبارية هي الأولى من نوعها بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، جمعت بين الاستخبارات الروسية والأميركية، حيث انعقدت المباحثات بمبادرة من واشنطن التي وجدت في تركيا جهة موثوقة ومؤثرة قادرة على إقناع روسيا بحضور المباحثات المخصصة لقضية منع استخدام الأسلحة النووية، وقد أكد الرئيس التركي في أعقاب المحادثات أن كلاً من موسكو وواشنطن لن يستخدما الأسلحة النووية. 

وسبق أن شددت ألمانيا في أيار 2022 بعد أشهر قليلة من الغزو الروسي لأوكرانيا، على رفضها المطالبات الخاصة بشطب حزب العمال الكردستاني من على قوائم الإرهاب، حيث أكد وزير الداخلية ماكسيمليان، أن برلين ستواصل تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية. 

ومن الواضح أن تركيا عملت على استغلال الفرص التي خلقها الصراع الروسي – الغربي، والتأثير الكبير الذي حصلت عليه في الساحة الدولية، خاصة بعد رعاية صفقة توريد الحبوب من أوكرانيا إلى العالم بإشراف الأمم المتحدة، وانخرطت في مفاوضات متعددة الجوانب مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية لبحث مصير الإدارة الذاتية وقسد، والحصول على هامش أكبر في الملف السوري عموماً. 

وأفاد مصدر دبلوماسي مطلع لموقع تلفزيون سوريا، بأن التصريحات الأخيرة التي تطلقها تركيا حول إمكانية تحسين العلاقات مع النظام السوري، هدفها رغبة أنقرة بتعزيز دورها في الملف السوري، ومحاولة توسيع تأثيرها على جميع الأطراف عن طريق فتح قنوات تواصل مع الجميع، بما يتيح لها كسر حالة الجمود في مسارات الحل السياسي السوري، وتركيز الأولويات على تقويض الإدارة الذاتية تمهيداً لبحث الانتقال السياسي لاحقاً. 

الخيارات تضيق أمام قسد 

بدت الخيارات المتاحة أمام قسد أضيق من ذي قبل، بحكم التطورات التي عصفت بالساحة الدولية منذ مطلع العام الجاري، وارتدادات هذه التطورات على الملف السوري. 

وأوضح مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا، أن تركيا هدفها في الوقت الراهن أبعد مع تنفيذ عملية عسكرية برية محدودة ضد تنظيم قسد، وتسعى بشكل حثيث لفرض تغيرات جوهرية في هذا الملف، وتتطلع إلى تفكيك الإدارة الذاتية عن طريق إبعاد كوادر حزب العمال الكردستاني، وفرض مكونات أخرى في شمال شرقي سوريا على رأسها المجلس الوطني الكردي ومكونات عربية، بالإضافة إلى التفاهم حول آلية لإدارة النفط السوري، وعدم بقائه تحت سيطرة قسد، وهذا ما كشفته بشكل واضح مسألة استهداف المنشآت النفطية شمال شرقي سوريا، كنوع من التعبير عن عدم رضا تركيا عن بقائه تحت سيطرة قسد، واللافت أن الضربات التركية لم تركز على تدمير المنشآت وإنما تعطيلها، بما يوحي أنها حصلت لتعزيز الموقف التفاوضي حول مصير النفط. 

ولا يبدو أن الولايات المتحدة تعترض على إحداث تغييرات في واقع شمال شرقي سوريا بما يسهم في تهدئة مخاوف أنقرة، ويثنيها عن إطلاق عمليات برية موسعة قد تؤدي إلى تطورات غير مرغوب بها بالنسبة للجانب الأميركي. 

أيضاً، فيما يبدو فإن قسد فقدت ورقة الاتفاق مع النظام السوري لمواجهة التهديدات التركية، فمن غير المحتمل أن تسمح روسيا بمثل هكذا سيناريو في ظل الحرص البالغ على عدم إغضاب تركيا، ورغبة روسيا في زيادة التقارب بين أنقرة ودمشق، أيضاً فإن قسد تشترط الحفاظ على خصوصية قواتها كي توافق على العمل تحت مظلة النظام السوري، وهذا شرط لم يوافق عليه النظام مراراً. 

بناء على ما سبق، فإن قسد تبدو أنها أمام خيارات ضيقة، إما مواجهة عمليات عسكرية تركية برية، أو مغادرة الشريط الحدودي مع تركيا بعمق 30 كيلومتراً، وخسارة التمدد الجغرافي الذي حققته بين عامي 2015 و2019، بانتظار موجة الضغوطات التالية التي قد تفقدها المزيد من الجغرافية، أو إحداث تغييرات حقيقية في بنية الإدارة الذاتية وفق التفاهمات التركية – الأميركية، التي على الأرجح لن تعترض عليها موسكو كونها ستسهم في تفكيك الإدارة الذاتية التي تعتبرها موسكو بمثابة دولة داخل دولة.