حزب الله وبشار الأسد.. والدولار الرهيب

2020.06.21 | 00:00 دمشق

305220-2-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

في العام 1976، دخل حافظ الأسد بجيشه إلى لبنان الحرب الأهلية. وكان لهذا الدخول جملة أهداف كبيرة معلنة أو مضمرة. قد يكون أهمها توطيد سلطته في الداخل السوري، واكتساب نفوذ إقليمي يعزز من قوة نظامه، سياسة وأمناً واقتصاداً.

في العام 2012، بعد أقل من سنة على اندلاع الثورة، دخل حزب الله بميليشياته إلى سوريا الحرب (النظامية والأهلية و"الكونية" معاً). وكان لهذا الدخول أيضاً جملة أهداف كبيرة معلنة أو مضمرة. قد يكون أهمها منع النظام الأسدي من السقوط، وصون النفوذ الإيراني في لحظة تمدده من بغداد إلى بيروت، مروراً إلزامياً بدمشق.

لكن الأهم بالنسبة لحافظ الأسد في السبعينات، كان تحويل الحرب الأهلية اللبنانية إلى بديل موضوعي عن حرب أهلية محتملة أيضاً داخل سوريا. أي جعل لبنان حصراً هو مسرح النزاع. الحلبة التعويضية الخارجية التي فيها يتم الصراع السياسي الممنوع في الداخل السوري. هكذا يضمن النظام طمأنينته، مصدّراً المنازعات إلى "الساحة اللبنانية". بل وفيها أيضاً يكون ميدان التنافس والتحارب الإقليمي والدولي.

على هذا المنوال أيضاً، وبوضوح أكبر أعلن حسن نصر الله التدخل في الحرب السورية، كي لا تكون المعارك على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت، بل إنه قال في إحدى خطبه متوجهاً إلى خصومه اللبنانيين، بما معناه أن من يريد مواجهته فليذهب إلى الجبهات السورية ويترك لبنان في استقراره الأمني.

إذاً، كان واحداً من الأهداف الأساسية لحزب الله في تورطه بالحرب السورية، هو ضمان نفوذه وسيطرته على لبنان، وتحويل الميدان السوري كساحة بديلة عن حرب أهلية محتملة داخل لبنان، تهدد أسس سلطته التامة على هذا البلد.

فكرة الميدان البديل، كانت فعّالة بالنسبة لحافظ الأسد مدة ست سنوات فقط. ففي مطلع 1982، انفجر الصراع الدموي والعنيف في عدة مدن سورية، وخصوصاً في حماة وحلب وجسر الشغور وبعض أحياء دمشق. ثم تلاها بعد أشهر الضربة القاسية التي تلقاها الجيش أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان. منذ تلك اللحظة، أضحت "سوريا الأسد" في شبه حرب دائمة، سرية وأمنية ومخابراتية في الداخل، وعسكرية وسياسية ومخابراتية في لبنان. ربط الأسد الأب استمرارية نظامه المحاصر بهاتين الحربين الدائمتين، ومعقودتين باستمرار على ربط نزاع مع إسرائيل في جنوب لبنان، أيضاً كميدان بديل عن الجولان.

بما يشبه ذلك، يعمد حزب الله إلى ربط استمرارية نفوذه وقوته بشبه حرب دائمة، سرية ودعائية ومخابراتية في الداخل اللبناني، وعسكرية وميليشياوية وأمنية في سوريا. وبالصيغة عينها في ربط النزاع مع إسرائيل عبر مزارع شبعا، بين الجنوب والجولان.

في حقبة حافظ الأسد تلك، تأسس أيضاً اقتصاد "التهريب" بين لبنان وسوريا على نطاقه الواسع، وهو ما شوه كثيراً من النمط الاقتصادي الرسمي في سوريا، وأتاح نشوء طبقة من الأثرياء هم من حاشية النظام وضباطه، راكموا ثروات غير شرعية ومفسدة، دمرّت إلى حد بعيد مادياً وقيمياً النسيج الاجتماعي السوري وجعلت أعلاه أسفله.

واليوم مع حقبة سيطرة حزب الله على الحدود، عاد وانتعش في السنوات القليلة الماضية اقتصاد التهريب إياه، وإن بموازين اقتصادية مختلفة. ففي السابق، ورغم الحرب كان الاقتصاد اللبناني الحر والمفتوح يتمتع بالقوة والصلابة نسبياً، كما أن الاقتصاد السوري الإنتاجي كان قادراً على امتصاص هذا التسرب الاقتصادي الاستهلاكي والطفيلي الذي قام على تجارة التهريب. أما اليوم، فمع الدمار الهائل والعجز الكبير للاقتصاد السوري، ومع الإفلاس الفعلي للبنان، فإن الاقتصاد القائم بين النظام وحزب الله، لا يفعل سوى مضاعفة الكارثة والفقر والخراب. إنه اقتصاد "دراكولي" لا يعرف سوى امتصاص ما تبقى في شرايين الاقتصاد الفعلي.

بغض النظر عن صحة التسجيل الصوتي المنسوب لبشار الأسد، وحديثه المفترض عن معالجة الأزمة الاقتصادية بمواجهة "قانون قيصر"، إلا أن ما جاء في التسجيل ليس غريباً عن المجريات الفعلية والأساليب التي يلجأ إليها للالتفاف على العقوبات. كذلك، فإن خطبة نصر الله الأخيرة في شقها الاقتصادي والمالي، تكشف أيضاً عن فداحة في الاستخفاف بعواقب ما يفعله الحزب سياسياً واقتصادياً بلبنان وسوريا، متناغماً مع الأسد في توريط البلدين بحالة تشبه "اقتصاد الشحاذين". إنهما معاً اليوم لاهثان وراء ذاك الدولار الرهيب.

يتوضح مما يحدث الآن في سوريا ولبنان، أن صيغة "الساحة البديلة" ما عادت صالحة، خصوصاً وأن الحرب باتت اقتصادية بالدرجة الأولى. فشل حزب الله كما فشل حافظ الأسد قبله. وبشار كان من السوء والغباء والضعف أن أطاح باللعبة وقوانينها، وأجبر حلفاءه على توسيع ذاك الميدان ليقع لبنان في سوريا وسوريا في لبنان، وقوع الحافر على الحافر.

ولذا، ورغم أن "قانون قيصر" مصمم تحديداً لمعاقبة النظام الأسدي، نراه تلقائياً يشمل لبنان فعلياً، إن في مجالات المسارب الحدودية أو في النظام المصرفي أو في سوق العملة أو في كل عمليات الاستيراد والتصدير. فقد تكشفت في الفترة الأخيرة، مدى حيوية الدور اللبناني في توفير المدد للنظام، كما تكشفت مدى أهمية دور حزب الله في تحويل الاقتصاد اللبناني لخدمة اقتصاده الحربي له وللنظام الأسدي.

على هذا كله، يمكن القول، أن أي أمل متبقٍ في سوريا كما في لبنان، هو أمل مشترك لمصير مشترك.. معاكس ومضاد لذاك المصير المشترك الذي رسمه "حلف الممانعة" بؤساً وفقراً للشعبين.

هو أمل ضئيل لمن لم يصبح بعد لاجئاً أو جائعاً أو.. مقتولاً.