icon
التغطية الحية

حرب إيران الناعمة في سوريا.. استراتيجية مستمرة رغم الغارات والخسائر

2024.02.21 | 07:09 دمشق

آخر تحديث: 21.02.2024 | 07:09 دمشق

معرض إيراني دمشق
معرض صور في جامعة دمشق بعنوان "الإمام الخميني في مرآة الفن السوري"
+A
حجم الخط
-A

يبدو أنّ إيران لم تنشغل كثيراً بقتلاها من جراء الضربات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت مراكزها ومستشاريها في سوريا والعراق، إذ تواصل العمل على مخططاتها "الناعمة" لمدّ نفوذها على الأرض السورية والتغلغل إيديولوجياً في عقول السوريين، ضمن استراتيجية مستمرة وطويلة الأمد، لا تثنيها عنها الغارات والخسائر.

يأتي خبر الاحتفال بثورة "الخميني" في السفارة الإيرانية بدمشق وبحضور مسؤولين "رفيعي المستوى" من النظام السوري، إلى جانب إقامة ندوة فكرية في المستشارية الإيرانية بالتعاون مع جامعة دمشق، تأكيداً على استراتيجية إيران، التي باتت واضحة للجميع في سوريا.

ورغم تحميل الندوة "الفكرية" أبعاداً أكاديمية وأدبية ثقافية عبر ربطها بالأدب الفارسي، إلا أنها لا تخلو من محاولة تمرير الرسائل المبطنة؛ إذ افتتح العنوان بكلمات أدبية عامّة واختتم بالتأكيد على هدفهم الإيديولوجي.

وقد قدّم الندوة أكاديميان في جامعة دمشق وهما عضوان هيئات تدريسية وعملية: ندى حسون وفخري البوش.

اختراق أكاديمي ممنهج

الأمر الذي يستوجب الوقوف عنده، هو تسخير أكاديميين من جامعة دمشق ليحاضروا في تبجيل "الثورة الإيرانية وقائدها"، ما يعطي دلالة على فرض الحضور الإيراني في الأوساط الأكاديمية واختراقها، وهو أحد الأفكار الجوهرية التي تعمل عليها حربهم الناعمة، إذ يؤمن الإيرانيون بأنّ النخبة في أي مجتمع لا تتجاوز 1%، وأن السيطرة على الرأي العام تقتضي النفاذ إلى عقول النخبة.

أدركت إيران مبكراً وبتوجيهات مباشرة من "الخميني" قواعد اللعبة، فالانتقال إلى الحرب الناعمة بعد انتهاء الحرب العسكرية أو حتى بالتوازي معها هو أساس في عملية السيطرة، وهذا ما ورد بشكل صريح في كتاب صادر عن "العتبة العباسية المقدسة" بعنوان: (الحرب الناعمة)، حيث يذكر الكتاب في الصفحة 17: "أسست الجمهورية الإسلامية في إيران مؤسسة خاصة، ومقـراً يضم غرفة عمليات مخصصة لمواجهة  الحرب الناعمة، وخصصت كليات ومعاهد ومراكز تدريبية (...) وفي لبنان حظيت مقولة الحرب الناعمة باهتمام حزب الله، فوجّه إليها الأمين العام حسن نصر الله، وحظيت باهتمام سائر قيادة حزب الله والمثقفين والإعلاميين المقاومين".

يذكر أنّ جامعة دمشق سبق أن أقامت في حرمها احتفالاً بمناسبة "يوم يلد" الإيراني، برعاية مباشرة من رئيس الجامعة وبحضور السفير الإيراني وأساتذة جامعيين في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، إذ تمّ التنسيق للاحتفال بين كلية اللغة الفارسية والمستشارية الثقافية الإيرانية.

"مثقفون وفنانون في جيب إيران وقبضة التشيُّع"

لم يقتصر الأمر على استهداف الأكاديميين السوريين وأساتذة الجامعات، بل إنّ إيران لم توفّر حتى الفنانين التشكيليين والمحسوبين على الأوساط الثقافية في مناطق سيطرة النظام.

وقد أقيمت عدة معارض فينة تشكيلية إيرانية في دمشق لنشر أفكار "الخميني" وزجّ السوريين فيها، مثل المعرض الفنيّ الذي حمل عنوان "الإمام الخميني في مرآة الفن السوري" برعاية اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وبالتعاون مع المستشارية الثقافية الإيرانية، وأقامت كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق بتاريخ 8 من حزيران 2023، معرضاً تضمن لوحات لـ"الخميني" وشخصيات شيعية ذات ثقل عسكري وعقائدي في إيران.

وكان آخر معرض أقامته إيران بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، هو ما جاء "تباكياً" على آلام الفلسطينيين في غزة تحت عنوان "وقفة تضامنية"، إذ عجزت عن إنقاذهم من مجازر الاحتلال المستمرة، واكتفت عبر وزارة خارجيتها بالتهديد والوعيد لجيش الاحتلال.

وشارك في المعرض عدد من الفنانين التشكيليين والنحاتين مثل: محمد الركوعي، فايزة الحلبي، أحمد كمال، حنان إبراهيم وغيرهم، وتضمن لقاءات "بهيجة" بين الفنانين المشاركين و(الحاج حميد رضا عصمتي) المستشار الثقافي الإيراني السابق.

وليس غريباً تكرار أسماء مثل: الفنان عرفان أبي الشامات، الشاعرة هيلانة عطالله، علي الشعيبي، ليلى الصعب (مديرة المركز الثقافي في حي الميدان)، رباب أحمد (مديرة المركز الثقافي في حي أبو رمانة)، عربي مصري (أستاذ في كلية الإعلام)، محمد الحوراني (رئيس اتحاد الكتاب العرب) وغيرهم، في ندوات ثقافية إيرانية أو أنشطة تدريبية تقيمها إيران بعد أن صاروا أداة تنفيذية لها.

وزارة الثقافة في حكومة النظام السوري، أصدرت خطة المشروع الوطني للترجمة لعام 2024، تضمنت عدداً من الكتاب لكل لغة مُختارة، لكن اللافت للانتباه هو نوعية الكتب الموضوعة على قائمة الترجمة من اللغة الفارسية.

ففي الوقت الذي تظهر فيه الكتب الإنكليزية -على سبيل المثال- بعناوين في مجالات مختلفة مثل علم الإدارة، والفلسفة وعلم النفس والاقتصاد والأدب والتنمية الذاتية، ركّزت الكتب المنتقاة من الفارسية على نقل "التجربة الإيرانية" بما تحتويه من نمط تفكير وتقاليد اجتماعية وبنية نفسية، وتحت عناوين واضحة مثل: "علم الإنسان الإيراني" و"اللغة والأدب العامي الإيراني".

وعلى الرغم من كون اللغة الفارسية ليست حكراً على دولة إيران، إلا أنّ عقلية الفقيه لا تمتنع عن تضييق التاريخ الفارسي بما يحتويه من فن وأدب، وحصره بتاريخ ثورة "الخميني" وحدّه وبحدود دولة إيران.

وفي الوقت الذي توقّفت فيه أنشطة المراكز العربية التابعة لوزارة الثقافة خلال سنوات الحرب (فيما عدا إقامة بعض الندوات الأسبوعية أو المبادرات الفردية)، ظهرت المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق والمراكز الثقافية الإيرانية في دير الزور على نقيض سابقتها السورية، إذ نشطت في استقطاب الشباب السوري من مختلف الأعمار والمستويات التعليمية، وعمدت إلى جمع بياناتهم بهدف توظيفهم لاحقاً أو تجنيدهم في صفوفها.

وتسعى المراكز الثقافية في دير الزور، لا سيما في حيي القصور والفيلات، وفي مدينة الميادين بالريف الشرقي، إلى استدراج الأطفال والشباب عبر الأنشطة الترفيهية والدورات التعليمية المجانية، ففي الوقت الذي دُمرت فيه مدارسهم وحرمتهم الحرب من استكمال تعليمهم، يظهر المارد الإيراني بأسلوب "دس السم في العسل" ليمنحهم فرصة استكمال تعليمهم ذاتياً واكتساب مهارات جديدة في التصميم والبرمجة والمونتاج والكتابة الإبداعية "مجاناً، كتعويض عمّا حُرموا منه".

أحد الشباب المتدربين في المركز الثقافي الإيراني بحي القصور أوضح لـ موقع تلفزيون سوريا كيف تمّ توظيفه في مكتب تابع لميليشيا "الحرس الثوري" الإيراني، الذي ينشط في منطقة الفرات.

يقول محمود (اسم مستعار): "اضطررت إلى ترك المدرسة منذ كنت في الرابعة عشرة من عمري بسبب الحرب، وكان المركز الثقافي الإيراني قد أعلن عن دورات في التصميم الغرافيكي مع إمكانية توظيف المتفوقين وإلحاقهم برحلات إلى دمشق".

التحق محمود كعشرات الشباب والشابات الذين لم يتجاوز بعضهم الـ18 عاماً بالدورات الإيرانية، التي أسهمت –وفق قوله- في تطوير قدراته بالتصميم الإعلاني والرسم الرقمي، وتم توظيفه مباشرةً بعد أن قابل "الحاج محمد" في دمشق، مشيراً إلى أنّه يعمل الآن في مكتب إيراني بمنطقة الفيلات بمرتب شهري 110 دولارات.

إيران تستهدف الأطفال والنساء في دمشق

المستشارية الإيرانية في منطقة المرجة بالعاصمة دمشق، تقيم الأنشطة الفنية والثقافية بشكل أسبوعي، إذ لا يمر أسبوع من دون نشاط يستهدف الشباب عموماً، إضافةً إلى الأطفال والنساء، مثل: الأنشطة الصيفية للأطفال، وندوة "تنمية ريادة المرأة من المنزل"، ومحاضرات تعريفية بالجامعات الإيرانية، ودورات الإسعافات الأولية للنساء, ودورات تعليم اللغة الفارسية بطريقة تفاعلية للأطفال.

وبينما تقتصر أنشطة "كشافة الإمام المهدي" على أطفال الشيعة من السوريين وغيرهم في مناطق تجمعاتهم، مثل منطقة السيدة زينب، وحي زين العابدين في المهاجرين، وشارع الأمين في دمشق القديمة، فإنّ أنشطة المستشارية الإيرانية مفتوحة التوجه ودعوتها عامة، بهدف جمع أكبر عدد من الأطفال ووضعهم على طريق التشيّع.

تسعى المؤسسات الإيرانية في سوريا إلى توظيف الشباب "بصفة مدنية" على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والطائفية، عبر ترغيبهم برواتب تزيد قليلاً عن متوسط الأجور (رواتب حكومة النظام)، إلى جانب منحهم الحوافز المالية والمكافآت لقاء الأعمال الإضافية أو تقديراً على "التفاني" في خدمة المشروع الإيراني.

وتقيم المستشارية الإيرانية بين الحين والآخر مسابقات "ثقافية" تتضمن تبشيراً بالفكر الشيعي ونقل مؤلفات قادته إلى العقول السورية والعربية، إذ أعلنت المستشارية، مطلع شباط الجاري، عن مسابقة للقراءة بعنوان: "قراءة كتاب (إن مع الصبر نصراً) – مذكرات قائد الثورة الإسلامية في إيران"، ومنحت المتسابقين مدة شهر كامل للقراءة مقابل "جوائز قيمة" للفائزين.

ليث (اسم مستعار) وهو من فلسطينيي سوريا وأحد موظفي المستشارية الإيرانية في منطقة مزة فيلات غربية، قال لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّه بدأ العمل مع المستشارية "بصفة مدنية"، منذ عام 2022، وفقط من أجل الراتب الجيد وعدد ساعات العمل المرنة، موضحاً: "الإيراني يكرهنا، وهو يعلم بأننا نكرهه أيضاً.. لكن نحن نستفيد منه مادياً بوجوده هنا، بينما يظن نفسه أنه كسب ولاءنا بأسلوبه الذي لا يخلو من ادّعاء اللطف والبراءة".

يشار إلى أنّ دراسة صادرة عن مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، أواخر العام 2021، حذّرت من أن إيران تعد أبرز الأطراف الفاعلة في سوريا وأخطرها على النسيج السوري، وأكثرها قدرة على التأثير في مؤسسات "الدولة السورية" المختلفة.