جولة وداعية استيطانية تطبيعية لمايك بومبيو

2020.11.27 | 23:05 دمشق

w1280-p4x3-usa-israel-pompeo_netanyahu.jpg
+A
حجم الخط
-A

قام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأسبوع الماضي بجولة وداعية على المنطقة شملت فلسطين المحتلة والسعودية والإمارات وقطر، هي الأخيرة له كونه سيرحل عن منصبه بعد شهرين مع إدارة دونالد ترامب الخاسرة مخلياً مكانه لوزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن.

الجولة حملت في طياتها أبعاداً متعددةً استيطانية عبر زيارة بومبيو مستوطنة بسغوت في الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية المحتلة وتطبيعية عبر زيارته لأبو ظبي بصفتها عاصمة التطبيع العربية المركزية، ثم رعايته لقاء السرّ المعلن بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة نيوم السعودية، ولا يقل عن ذلك أهمية البعد الانتخابي للجولة تحديداً فيما يتعلق بمراكمة إدارة ترامب المهزومة في الانتخابات الرئاسية. وقائع سياسية جديدة أمام إدارة الرئيس المنتصر جو بايدن إضافة إلى تأسيس قاعدة سياسة شخصية لبومبيو في ظل الحديث عن احتمال ترشيح نفسه للرئاسة أو كنائب رئيس مع ترامب أو أي مرشح جمهوري آخر في الانتخابات الأميركية القادمة بعد أربع سنوات.

محطة فلسطين المحتلة بدت وكأنها تختصر أو تعبر عن جزء كبير من الملفات والعناوين السابقة عبر زيارة غير مسبوقة أميركياً قام بها بومبيو لمستوطنة بسغوت التي أقيمت على ممتلكات فلسطينية خاصة في الأراضي المحتلة عام 1967، ما مثّل اعترافاً أميركياً رسمياً بشرعيتها، كما المستوطنات المماثلة في المنطقة.

الزيارة غير المسبوقة بدت كذلك ردّاً مباشراً من إدارة ترامب على إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بعدما امتنع في أواخر ولايته الثانية قبل أربع سنوات تقريباً عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي يجرم الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967، بما في ذلك القدس والضفة الغربية وهضبة الجولان، طبعاً التي زارها بومبيو أيضاً مادحاً إدارة ترامب كونها فعلت ما لم تجرؤ عليه إدارات سابقة ومستثمراً من جهة أخرى جرائم نظام بشار الأسد لتسويغ الاعتراف الأميركي بشرعية ضمّها لإسرائيل.

محطة الإمارات كانت تطبيعية بامتياز. ومن هناك تباهى بومبيو بدور إدارته في دعم التطبيع العربي الإسرائيلي

البعد الاستيطاني تضمن محتوىً انتخابياً أيضاً عبر مغازلة اليمين المتطرف، خاصة القاعدة الإنجيلية الصهيونية في الولايات المتحدة، ليس فقط بزيارة بسغوت والجولان وإنما بالقرارات التي أعلنها بومبيو على هامش زيارته فيما يتعلق بوسم بضائع المستوطنات بعبارة صنع في إسرائيل ما يضفي شرعية سياسية وحماية قانونية عليها، إضافة إلى اعتبار حركة بي دي أس الداعية لمقاطعة إسرائيل معادية للسامية، علماً أن إدارة ترامب تسعى لتجريم وانتقاد إسرائيل وممارساتها باعتباره أيضاً معاداة للسامية.

محطة الإمارات كانت تطبيعية بامتياز. ومن هناك تباهى بومبيو بدور إدارته في دعم التطبيع العربي الإسرائيلي، معلناً عن التحاق دول عربية أخرى بالمسيرة التطبيعية بتعاون نشط من الإمارات التي تلعب دور رأس الحربة في المسيرة، كما في العلاقات العربية مع إسرائيل بشكل عام، متجاوزة بذلك مصر والأردن ما قد يفسر من جهة أخرى أسباب استبعاد القاهرة وعمان من زيارة الوزير الأميركي الوداعية للمنطقة.

هنا ثمة بعد انتخابي أيضاً بمعنى أن تكريس التطبيع - التحالف مع إسرائيل يمثل حماية للإمارات من الإدارة الأميركية الجديدة التي قد تحاسبها أو على الأقل تمنعها من ممارساتها غير الشرعية وعلاقاتها مع مجموعات إرهابية متطرفة بما يخالف القوانين الدولية والشرعيات المحلية في بلادها، كما هو الحال مع ميليشيا خليفة حفتر في ليبيا والانفصاليين الجنوبيين في اليمن.

المحطة السعودية كانت الأهم طبعاً في السياقين التطبيعي والانتخابي عبر رعاية بومبيو لقاء بات بمثابة سرّ معلن بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما اعتبر خطوة جديدة في مسيرة التطبيع العربية الإسرائيلية ولا يقل عن ذلك أهمية تجيير الإنجاز لصالح إدارة ترامب الخاسرة والراحلة.

انتخابياً؛ هدف لقاء نتنياهو – بن سلمان إلى خلق وقائع سياسية جديدة أمام إدارة جو بايدن التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التحالفات والاصطفافات العربية الإسرائيلية الجديدة عند بلورة سياساتها الإقليمية تحديداً فيما يخص إيران وملفها النووي.

وكما في الحالة الإماراتية ثمة أمل أن تمثل العلاقات المتنامية مع إسرائيل حماية للسعودية "وولي عهدها" أمام الإدارة الأميركية الجديدة التي قد تعاقبها على انتهاكاتها الفظّة لحقوق الإنسان في الداخل وجرائمها في الخارج تحديداً في اليمن، إضافة إلى تورطها الموصوف والموثق في جريمة اغتيال الصحافى جمال خاشقجي البشعة في القنصلية السعودية بإسطنبول قبل عامين تقريباً.

انتخابياً أيضاً؛ ثمة بعد يتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يتأهب للذهاب إلى انتخابات عامة قريباً، وتسريب خبر اللقاء كان متعمداً، كما إخفاؤه عن منافسي وخصوم نتنياهو داخل الحكومة وزيري الدفاع والخارجية بيني غانتس وغابي أشكنازي في محاولة لتصوير نتنياهو بصورة الزعيم الباحث عن إنجازات لصالح الدولة العبرية، بينما ينشغل خصمه غانتس بألعاب سياسية صغيرة خاصة أن اللقاء تزامن وعن عمد طبعاً مع قرار وزير الدفاع بتشكيل لجنة تحقيق داخلية في فضيحة شراء الغواصات الألمانية التي تورّط فيها مقربون ومساعدون شخصيون لرئيس الوزراء نتنياهو.

المحطة القطرية لم تكن ذات علاقة مباشرة بالتطبيع في ظل موقف الدوحة الواضح والمعلن، حيث أنها لا تخفي علاقاتها مع إسرائيل المتعلقة أساساً بتقديم المساعدات الإنسانية لغزة وأهلها، بينما تربط التطبيع الرسمي بحل نهائي عادل للقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية.

سعى  وزير الخارجية الأميركي المنصرف لتكريس ما يمكن وصفه بإرث إدارة ترامب "الخاسرة" في المنطقة

غير أن زيارة بومبيو أتت في سياق التنسيق مع الدوحة بملفات إقليمية ودولية مختلفة، إضافة إلى سعي إدارة ترامب لحل الأزمة الخليجية التي كانت سبباً من أسبابها أصلاً عبر ضوء أخضر أو برتقالي في الحد الأدنى للرياض، وأبو ظبي لافتعال الأزمة وحصار قطر. أما الهدف الآن فيتمثل بمراكمة الإنجازات والادعاء أن حلّ الأزمة ولو بعد حين نتاج جهد وعمل إدارة ترامب وليس إدارة بايدن الجديدة.

في العموم سعى  وزير الخارجية الأميركي المنصرف لتكريس ما يمكن وصفه بإرث إدارة ترامب "الخاسرة" في المنطقة، والمتضمن أساساً تجاهل القضية الفلسطينية، والعمل على حلها عبر شطب ملفاتها الرئيسية الثلاث القدس والحدود واللاجئين لصالح الرؤى والمطامع الإسرائيلية، وفي الحد الأدنى إزالتها عن جدول الأعمال وتمتين التطبيع - التحالف العربي الإسرائيلي بعيداً عنها بحجة مواجهة إيران وملفها النووي، وفي السياق طبعاً مراكمة الصعوبات أمام أي خطوات إقليمية محتملة لإدارة بايدن "المنتصرة" في ظل اصطفاف إقليمي عربي إسرائيلي ضدها. أما شخصياً وانتخابياً فقد سعى بومبيو لتكريس هويته السياسية اليمينية المتطرفة كمرشح محتمل للرئاسة الأميركية وقادر على مواصلة وتطوير ما يعرف مجازاً بإرث ترامب ليس داخلياً فقط وإنما خارجياً أيضاً.