icon
التغطية الحية

"جمعية المهجر" في إسطنبول.. تمازج الفنون العربية والعثمانية بلمسة سورية

2023.06.23 | 12:01 دمشق

آخر تحديث: 27.06.2023 | 09:15 دمشق

المهجر
"جمعية المهجر" في إسطنبول (تلفزيون سوريا)
أروى غسان ـ إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

على خليج القرن الذهبي في حي "بَلاط" الإسطنبولي الوادع، ينسج فنانون من بلاد الله الواسعة أعمالهم وأحلامهم، ضمن "جمعية المهجر" التي أسسها النحات والفنان التشكيلي السوري مصطفى تيت بالتعاون مع الأديب التركي "توران قشلقجي" وعدد من الفنانين والأدباء، لتكون حاضنة ثقافية لفنانين من جنسيات مختلفة.

منذ أكثر من ثماني سنوات، جاء الفنان تيت إلى إسطنبول غريباً لا يعرف أحداً، واليوم أصبح مؤسساً لجميعة فنية تسعى لدمج الحضارة العربية بالحضارة العثمانية. بدأت رحلته في مجال النحت منذ أكثر من ثلاثين عاماً في مدينة حلب السورية ليتابعها اليوم وبشغف العاشق في إسطنبول.

يقول تيت في حديث خاص لـ موقع تلفزيون سوريا: "جئنا حاملين معنا المعاناة والقهر، تعبنا كثيراً ريثما استطعنا تقديم رسالتنا الفنية في بلد اللجوء. عندما خرجت من سوريا أخذت معي 5 من أعز المنحوتات على قلبي، هرّبتها من حواجز (داعش)، ولم أستطع التفريط بها. فنّي هو هويتي وكان ولا يزال كل شيء بالنسبة لي".

رحلة في العراقة والأصالة والجمال يرسمها الطريق إلى جمعية المهجر، حيث حجارة الدرب الأثرية التي تأخذ شكل مربعات سوداء عشوائية محافظة على ما أنشأها عليه بناتها الأوائل، وأجزاء من سور القسطنطينة التاريخي تلف الحي وكأنها تحتضنه، نائية به عن ضجيج المدينة.

وعن اختيار حي بلاط كمكان للجمعية يقول الفنان تيت: "بلاط حي تراثي عريق يعد خليطاً بين الثقافات الإسلامية والمسيحية واليهودية، تطغى عليه الأبنية العتيقة التي تتميز بهندسة رومانية بديعة تارة وأخرى يونانية، هناك حيث القصور والجوامع والكاتدرائيات والبحر والأجواء الحميمية، هذه العناصر الطبيعية الموجودة في المكان تقوّي بصيرة الفنان وتدعم أعماله الفنية، وتوحي له بكل ما هو مختلف وقيّم". 

تلمُّ "جميعة المهجر" الفنّ من كل أطرافه، يوضح الفنان تيت أن الجمعية تغطي غالبية أنواع الفنون البصرية كالفن التشكيلي والرسم العجمي والموزاييك والخزف والزجاج والتطريز القديم، وصناعة السجاد، إضافة لغالبية الحرف اليدوية التراثية التي تحظى باهتمام كبير، وتضمّ الجمعية عدداً كبيراً من الفنانين السوريين والأتراك والعرب والأوروبيين ينتمون إلى 13 مجالاً فنياً. ففي مجال الفن التشكيلي وحده تضم الجمعية 70 فناناً، حيث تعكف على البحث عن الفنانين الموجودين في تركيا وتقدّم لهم كل الدّعم الممكن، من خلال إقامة المعارض الفنية واللقاءات الحية وورش العمل، كما تحاول تبنّي أي مشروع فني وتدعمه لوجستيّاً.

من "جمعية المهجر" في إسطنبول

"إسطنبول مقصد الفنانين المهجّرين"

وعن أهمية مدينة إسطنبول في احتواء الفنانين المهجّرين، يرى الأديب والصحفي توران قشلقجي أن "إسطنبول أصبحت اليوم مركزاً للفنانين والمثقفين المهاجرين، وقد كان لحركة الهجرة عبر الزمن دور خاص في تطوير الفنون والثقافة عبر الزمن. نهدف لجمع الفنانين والأدباء الذين هاجروا إلى تركيا تحت مظلة واحدة ونعرّفهم ببعض، في سبيل خلق أدب جديد وموسيقا جديدة وفنون حيّة، تيمناً بالحالة الفنية التي نشأت في عدة دول من العالم التي هاجر إليها عدة فنانين، فمثلاً الأفارقة هم الذين أسسوا موسيقا الجاز في أميركا".

مزيج موسيقي مميّز

للموسيقا والأنغام الشرقية حصة وفيرة من "جمعية المهجر"، التي استطاع أعضاؤها تأسيس فرقة تتكون من موسيقيّين أتراك وأفارقة وعرب وأوروبيين وأميركيين، يحاولون عبر هذا الخليط الموسيقي تأدية الأغاني التّراثية المتعارف عليها عالمياً بعدة لغات، فمثلا أغنية فيروز الشهيرة "أعطني الناي وغني" تُرجمت وغُنّيت بأكثر من لغة، ولاقت استحساناً كبيراً من الجمهور.

وعن الفرقة الموسيقية في الجمعية، يصف مؤسسها الموسيقي السوري علاء الخطيب بأنها "نتاج جهد حثيث عبر مشاريع منفصلة كانت خارج إطار الجمعية، فمنذ سنوات مضت أسست مشروع (خميس العود) في مقهى ومطعم زيتونة الذي كان يستقطب جمهوراً يضم كل الألوان التّركية والعربية، قدّمنا أغانيَ من بلاد الشام مع موسيقيين من عدة ثقافات بما يشبه حوار الفنون، ولكن توقّف المشروع للأسف بسبب جائحة كورونا. وفيما بعد افتتحت مركز (الوتر) في حيّ الفاتح لتعليم الموسيقا، ومن هنا تعرّفت إلى مؤسّسي الجمعية واقترحنا توسعة المشروع. وفعلاً انضممت إلى الجمعية وأسّسنا ما يشبه الصالون الأدبي".

ويضيف الخطيب لـ موقع تلفزيون سوريا، أن "الفرقة بدأت تكبر، وأصبح لدينا فيما بعد مشروع موسيقا البحر المتوسط الذي يضم عدة فنانين من ثقافات مختلفة مثل كندا، كوبا، إيران، هولندا، تركيا، نستقطب الفنانين الأتراك لنعيد إحياء جميع الأغاني المشتركة بيننا على مستوى المقامات واللحن".

التراث وأدب المهجر

تشتهر إسطنبول بتاريخ عريق جعلها واحدة من أهم المدن التي تجمع  كنوزاً من أنحاء مختلفة من العالم في مجال التحف الأثرية والأنتيك، ولاسيما القطع التي تحوي على النقوش والزخارف العثمانية القديمة، ما دفع "جمعية المهجر" لتأسيس قسم خاص بترميم قطع الأنتيك، كما تم جلب قطع من مدن تركية أخرى مثل البورسلان والسيراميك الذي تشتهر به مدينة هاتاي، فأينما ولّيت وجهك في حي بلاط الإسطنبولي تكاد تجد محلاً صغيراً لبيع والتحف العثمانية والقطع النحاسية القديمة.

ويشير الفنان تيت إلى أن إسطنبول أصبحت اليوم تجمّعاً لمقتني الأنتيك من جميع أنحاء العالم، فضلاً عن وجود بازارات أو أسواق مختصة فقط ببيع الأنتيك. واستطاع تيت، المختص أيضا بترميم الآثار، الاندماج سريعاً مع تجار ومقتني الأنتيك، فهو يرمّم يومياً قرابة خمس قطع أثرية عثمانية.

ولا يُخفي مؤسسو الجمعية تأثّرهم الكبير بأدب المهجر الذي ولد في أميركا منذ أكثر من قرن مضى، هذا الأدب الذي أنتج عدة مثقفين وأدباء وكتّاب ومسرحيّين من العرب المهاجرين وعلى رأسهم الأديب اللبناني الشهير جبران خليل جبران.

وهنا يقول قشلقجي: "تأثرنا كثيراً بأدب المهجر، وحاولنا إعادة صياغته هنا في تركيا بأقسام عدة وأجواء فنية وأدبية مشابهة". ويضيف "الفنان المهاجر ينقل تراث بلده وما يتبعه من أساليب فنية خاصة، ونستطيع من خلال بعضنا أن نتعرف إلى أي مرحلة وصل التطور الفني في كل بلد وإلى أي مدى استطاع مواكبة العالمية، وكل هذا يؤدي بالطبع إلى تبادل هائل للخبرات عبر دمجها مع بعضها وتطويرها".

لجمعية المهجر بصمة واضحة في إسطنبول وحركة فنية نشطة على أرض الواقع، عبر حرصها على افتتاح المعارض والورشات الفنية، ومؤخراً كان للمهن اليدوية التقليدية نصيب من العرض والترويج أمام متذوقي الفن من الأتراك، مثل فنون النحت على الخشب، إضافة للفن العجمي وفنون النقوش السورية إضافة للموزاييك والزخرفة والفسيفساء.

وتمكّنت الجمعية من كسر حواجز الغربة بين الفنانين الوافدين، وتعريف المجتمع التركي المُضيف بإبداعاتهم، ما يسهم بتسهيل اندماج الفنان بالمجتمع التركي ثقافياً وفكرياً وفنياً، وإيصال الفكر والإبداع الذي أتى به من بلده. وتطمح "جمعية المهجر" في المستقبل إلى جمع كل الفنانين الموجودين على الأراضي التّركية من جميع الاختصاصات والجنسيّات، وتأسيس أكاديمية للتعليم والتأهيل الفني، تقدّم للفنانين المبتدئين الدورات التعليمية والتدريب العملي.