icon
التغطية الحية

ثلاثة دوافع رئيسية للانفتاح الدولي الجديد على النظام السوري

2024.05.31 | 04:41 دمشق

آخر تحديث: 31.05.2024 | 09:52 دمشق

بشار الأسد
ثلاثة دوافع رئيسية دفعت لإعادة الاتصالات مع الأسد تتراوح بين الاحتياجات الأمنية والرغبة في احتواء أزمة الهجرة والمتغيرات السياسية
إسطنبول ـ فراس فحام
+A
حجم الخط
-A

انطلقت موجة انفتاح دولية جديدة تجاه بشار الأسد اعتباراً من نيسان في العام الجاري، تمثلت بزيارة وزير الدولة التشيكي للشؤون الخارجية راديك روبيش، تلاها حضور الأسد لقمة الجامعة العربية بالمنامة في شهر أيار 2024 ولقاؤه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما زار دمشق في الآونة الأخيرة عدة مسؤولي استخبارات أوروبيين.

وأتى تعيين السعودية سفيراً لها في دمشق آواخر أيار 2024 ليكون أبرز خطوة في سياق التطبيع بين الأسد والدول العربية منذ انطلاقه عام 2019، وقد تمت هذه الخطوة بعد مرور أقل من أسبوع على اللقاء بين الأسد وبن سلمان.

ويمكن القول إن ثلاثة دوافع رئيسية دفعت العديد من الجهات الدولية لإعادة الاتصالات مع الأسد، تتراوح بين الاحتياجات الأمنية، والرغبة في احتواء أزمة الهجرة غير الشرعية، والمتغيرات السياسية.

المتغيرات السياسية

شهدت المنطقة متغيرات سياسية دفعت دولاً عديدة لمراجعة سياساتها تجاه بعض الملفات، ومن ضمنها الملف السوري، ولعل أبرز متغير اتجاه السعودية لتصفير مشكلاتها مع دول المنطقة، والتخلي عن دور الداعم لأحد أطراف الصراع في اليمن وسوريا، والعمل على الوساطات لإنهاء هذه الصراعات، وكانت البداية منذ شباط 2023 عندما أنهت الرياض القطيعة الدبلوماسية مع طهران، على أمل تخفيف النزاع في منطقة الخليج، والتوصل إلى تسوية سياسية نهائية للحرب اليمنية، وامتدت هذه السياسة إلى سوريا فتطورت الاتصالات السعودية مع الأسد لإظهار جدية على تغيير الموقف.

بعد اندلاع الحرب في غزة آواخر عام 2023، ازدادت المخاوف الدولية والإقليمية من امتداد آثار الحرب إلى دول الجوار، فكثفت روسيا والدول العربية وعلى رأسها الإمارات والسعودية الاتصالات من أجل تأطير المواجهة قدر الإمكان وعدم امتداد آثارها إلى دول أخرى وخاصة سوريا، وفي هذا السياق حصل مزيد من الانفتاح على النظام السوري، حيث يتم حالياً نقاش آليات الحفاظ على الهدوء، خاصة بعد اتصالات غير مباشرة بين النظام السوري وإسرائيل من أجل ضمان عدم استخدام الأراضي السورية للتصعيد ضد إسرائيل، وهذا ما حصل فيما يبدو بضوء أخضر إيراني أيضاً، حيث لا ترغب طهران هي الأخرى في التأثير على مسار تطبيع علاقات الأسد مع المجتمع الدولي.

أيضاً، شهدت الأوساط الأوروبية منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا نقاشات حول ضرورة عدم ترك سوريا ساحة نفوذ لروسيا، خاصة بعد إظهار الأسد انحيازه الكامل لبوتين، وإرسال مرتزقة من الفرقة 25 ولواء القدس للقتال إلى جانب القوات الروسية على جبهات أوكرانيا، وتمت ترجمة هذا التوجه من خلال إجراء رئيس البعثة الأوروبية إلى سوريا دان ستوينيسكو زيارات متكررة إلى دمشق، بدأها في آب 2022، أي بعد 6 أشهر من اندلاع الحرب في أوكرانيا.

الهجرة غير الشرعية

إن ملف الهجرة غير الشرعية يؤرق دول الجوار السوري، والدول الأوروبية بشكل أكبر، خاصة في ظل ظهور نزاعات جديدة في أوكرانيا وإفريقيا وبوادر عودة النزاع في ليبيا، وهو ما يهدد بموجات لجوء أكبر من تلك التي وصلت من سوريا، خاصة مع قرب الدول المذكورة من الجغرافية الأوروبية.

تتحرك إيطاليا في ملف مكافحة الهجرة بالنيابة عن أوروبا، حيث تجري مناقشات منذ عدة أشهر مع حكومة غرب ليبيا من أجل إقناعها على احتواء المهاجرين الأفارقة والقادمين من السودان، والعمل على تجنيسهم تدريجياً، لأنها تريد الحيلولة دون توجههم عبر البحر إلى البلدان الأوروبية، وتحاول فعل الشيء ذاته مع تونس عن طريق إقناعها بتوطين اللاجئين الأفارقة.

وفي مطلع 2024 عقدت إيطاليا تفاهمات مع تركيا من أجل مكافحة تهريب البشر انطلاقاً من غرب ليبيا، نظراً لامتلاك تركيا قواعد عسكرية في المنطقة، كما تبلور توجهاً داخل الاتحاد الأوروبي يقوم على عقد تفاهمات مع بلدان تدفق المهاجرين لمحاولة تقليص حجم الهجرة، وفي هذا السياق لا تمانع بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا التوسع في عمليات إعادة التعافي المبكر على أمل تحسين الخدمات وتلافي مزيد من موجات اللجوء.

وتناقش العديد من الدول بما فيها إيطاليا ضمن الأروقة الأوروبية العمل على تأسيس مناطق آمنة في سوريا بموافقة النظام السوري مقابل التوسع في عمليات التعافي المبكر.

الاعتبارات الأمنية

تعتبر الأردن وتركيا من أبرز الأمثلة على البلدان التي دفعتها الاعتبارات الأمنية لإعادة الاتصالات مع النظام السوري، حيث تريد الأولى إقناع النظام بالحد من تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأراضي الأردنية، في حين تريد الثانية من النظام إظهار جدية في استعادة الأراضي السورية من حزب "العمال الكردستاني" وفرعه السوري "وحدات حماية الشعب".

على الرغم من هشاشة السيطرة الجغرافية للنظام السوري، وترهل مؤسسته العسكرية وازدياد نفوذ الميليشيات المدعومة في مواجهة الجيش الرسمي، لكن حافظ الأردن على اتصالاته مع النظام حتى في ظل الاستياء من عدم استجابته لمطالبها، ومؤخراً باتت تعول على دور إيراني من أجل تحقيق مطالبها الأمنية، مقابل الانفتاح السياسي على طهران، وهذا الأمر بات مرغوباً لإيران التي تنظر بعين الترقب إلى المنطقة في مرحلة ما بعد حرب غزة، وتسعى لتحسين علاقاتها مع دول المنطقة تحسباً لما هو قادم.

على أية حال، يعيش النظام السوري حالة من النشوة في ظل الاتصالات الدولية الأخيرة معه، ويأمل أن يستطيع إقناع الدول بحل سياسي يقوم بتفصيله وفق رغباته ليكون بديلاً عن الانتقال السياسي، لكنه يدرك بأن شمالي سوريا، وشمال شرقيها هما عقدتان كبيرتان، نظراً لوجود هياكل تقدم نفسها بديلة لمؤسساته، وتحظى برعاية دولية حيث تنتشر القوات التركية في الشمال، بالمقابل تحتفظ القوات الأميركية بقواعدها في مناطق تنظيم قسد شمال شرقي البلاد، ومن دون حل هاتين العقدتين سيبقى النظام عاجزاً عن استعادة كاملة لسلطته وعلاقاته الدولية.