icon
التغطية الحية

ثغرات ومعتقلون خارج الحسابات.. مرسوم عفو لـ"الأسد" بتوقيت مثير للجدل

2023.11.20 | 06:42 دمشق

ئءؤر
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

اعتاد السوريون على مراسيم عفو شكلية موسمية، صادرة عن رئيس النظام السوري بشار الأسد، تتزامن عادة مع أدلة قضائية دولية تدين النظام بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية واستخدام الأسلحة الكيماوية، أو ضغوط وحراك قانوني لعدد من الدول الغربية يعيد للأذهان سجل الجرائم المرتكبة بحق السوريين، ويقطع الطريق على أي محاولات لإعادة تأهيل النظام أو التطبيع معه.

مع الكم الكبير من الضغوط القانونية، يحاول بشار الأسد تقديم ما يشبه ورقة "لا حكم عليه" للمجتمع الدولي، والظهور بلبوس التائب عن ذنوبه وجرائمه، وآخر خطواته على هذا الطريق، تمثلت، بإصدار مرسوم عفو هزيل مليء بالثغرات، تجاهل عمداً عشرات الآلاف من المختفين قسراً في سجونه.

مرسوم العفو.. من شمل ومن استثنى؟

في 16 من الشهر الجاري، أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم (36) لعام 2023 القاضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ صدور المرسوم.

ونص المرسوم على العفو عن كامل العقوبة في الجنح والمخالفات، وعن جميع تدابير الإصلاح والرعاية للأحداث، وكامل العقوبة المؤبدة أو المؤقتة للمصاب بمرض عضال غير قابل للشفاء، وكامل العقوبة المؤبدة أو المؤقتة للمحكوم عليه بحكم مبرم وبلغ السبعين من عمره بتاريخ صدور المرسوم، والعفو عن جريمة الخطف إذا بادر الخاطف إلى تحرير المخطوف بشكل آمن ودون أي مقابل أو قام بتسليمه إلى أي جهة مختصة خلال عشرة أيام من تاريخ المرسوم.

شمل المرسوم أيضا، العفو عن جرائم الفرار الداخلي والفرار الخارجي، إذا سلّم الفارون أنفسهم خلال ثلاثة أشهر بالنسبة للفرار الداخلي، وستة أشهر بالنسبة للفرار الخارجي، وتخفيف عقوبة الإعدام إلى عقوبة السجن المؤبد، وتخفيف عقوبة السجن المؤبد إلى السجن لمدة 20 عاماً، والعفو عن ثلث العقوبة الجنائية المؤقتة، وثلث العقوبة في جرائم الأحداث، ونصف العقوبة في الجنح المنصوص عليها في المادة 134 من قانون العقوبات العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950 وتعديلاته، بينما لا تطبق أحكام التخفيف للجنايات التي تسببت بضرر شخصي إلا إذا أسقط الفريق المتضرر حقه الشخصي.

يُستثنى من العفو "جريمة حمل السلاح في صفوف العدو ضد سوريا، وكذلك تهريب الأسلحة والاتجار بها، إضافة للجرائم المتعلقة بقانون ضابطة البناء، وجريمة إضرام النار قصداً بالحراج والجرائم المنصوص عنها في قانون حماية المستهلك".

كما يستثنى من العفو "الجرائم التي أدت إلى موت إنسان، ولا يؤثر هذا العفو على دعوى الحق الشخصي وتبقى هذه الدعوى من اختصاص المحكمة الواضعة يدها على دعوى الحق العام".

ولا يستفيد من العفو "المتوارون عن الأنظار والفارون من وجه العدالة في الجنايات المشمولة جزئياً بأحكام هذا المرسوم التشريعي إلا إذا سلموا أنفسهم خلال ستة أشهر من تاريخ صدوره إلى السلطات المختصة"، وفق نص المرسوم.

‏المرسوم لا يشمل معتقلي الرأي والحراك الشعبي

قالت نور الخطيب، مديرة قسم المعتقلين والمختفين قسرياً في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إنه وبالتزامن مع مرسوم العفو بدأت الشبكة السورية بتلقي الرسائل من أهالي المختفين قسرياً للسؤال عن مضمونه، وهو أمر تكرر حدوثه مع كل مرسوم عفو يصدره النظام السوري وما تصاب به العائلات من حالة الأمل ثم الخيبة ‏التي ترافق المراسيم، وخاصة هذا المرسوم الذي لا يشمل حتى نظريا معتقلي الرأي والثورة ولا حتى المختفين من العسكريين.

وذكرت الخطيب، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "المرسوم شمل فقط مادتين تمسان حرية الرأي والتعبير وهما عادة من التهم التي توجه لكافة المعتقلين مع جملة تهم أخرى، وهما من الجرائم الواقعة على أمن الدولة 285 و286 من قانون العقوبات العام  اللتين جرى تعديلهما في المرسوم رقم 15 لعام 2022، وقد حدد القانون رقم 15 عقوبة كل سوري يذيع أنباء كاذبة أو مبالغاً فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها بالحبس ستة أشهر على الأقل ويستحق العقوبة نفسها، بحسب القانون، كل سوري يُذيع أنباء من شأنها تحسين صورة دولة معادية للمساس بمكانة الدولة السورية، كما يُعاقب بالحبس سنة على الأقل كل سوري قام بكتابة أو خطاب يدعو فيه إلى اقتطاع جزء من الأرض السورية أو التنازل عنها".

وأضافت الخطيب: "بالنظر إلى هذين الجرمين نعتقد أنه سيستفيد من المرسوم عدد محدود جداً لكونهما عادة لا توجهان بمفردهما بل مع تهم أخرى غير مشمولة بالمرسوم، أما باقي مرسوم العفو فـ باختصار، المرسوم خص العفو عن كامل العقوبة لجرائم الخطف وحيازة المخدرات والفرار الداخلي والخارجي بشكل رئيسي، ولم يشمل المعتقلين والمختفين قسريا على خلفية الرأي أو الحراك الشعبي".

نظرة قانونية على المرسوم

أفاد رئيس هيئة القانونيين السوريين، خالد شهاب الدين، بأن النظام السوري يحاول صرف النظر عن أي قضية حقوقية تثار ضده، حيث تزامن مرسوم العفو الذي أصدره بشار الأسد مع أمر محكمة العدل الدولية للنظام بوقف جرائم التعذيب في سجونه، وضمان الحفاظ على أي دليل محتمل حول "مزاعم التعذيب" بما في ذلك التقارير الطبية وسجلات الوفاة، وذلك في إطار القضية التي رفعتها هولندا وكندا ضده.

وقال شهاب الدين في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إن العفو المزعوم لا يمت بصلة إلى ما طلبته محكمة العدل الدولية بشأن التدابير الخاصة بوقف التعذيب، حيث لا يشمل المرسوم المعتقلين على خلفية المشاركة في الثورة السورية.

وأضاف أن المرسوم استثنى القانون رقم 19 لعام 2012، والذي يتعلق - حسب وصف النظام - بـ"جرائم تخص الثورة السورية"، وبالتالي لن يخرج أي معتقل جرى اعتقاله بسبب الانخراط في الثورة.

وأشار إلى أن المرسوم شمل بعض الجرائم الجنائية العادية، مضيفاً أن المرسوم يهدف إلى إعطاء فرصة للمغتربين المطلوبين للخدمة الإلزامية لدفع البدل المالي عبر استغلال الضعاف منهم، والاستفادة من القطع الأجنبي والدولار.

ووصف شهاب الدين المرسوم بأنه لا يحمل أي نفع لمعتقلي الرأي والحراك الشعبي، إذ تعوّد النظام على هكذا مراسيم من أجل خدمته واستغلال الظروف والأحداث على الساحة الدولية، لافتاً إلى أن المنظمات الحقوقية الدولية باتت تعلم جيدا الهدف الرئيسي من هكذا مراسيم، ولذا لا تعيرها أي اهتمام.

مرسوم هزيل وخداع قانوني

يرى مدير رابطة المحامين السوريين الأحرار في هاتاي، عمار عز الدين، أن مرسوم العفو جاء هزيلاً، خبيثاً في مواده القانونية التي تحتوي على خداع قانوني، في محاولة من النظام السوري لإيصال رسالة للسوريين بتغيير نهجه وأنه بموجب هذا المرسوم حتى التهم التي لفقت للسوريين سيتم العفو عنها، ولكن في الواقع وعند قراءة المرسوم تقنيا بشكل قانوني يتوضح أنه لا يختلف كثيرا عما سبقه من المراسيم التي أصدرها النظام.

وفي حديث مع موقع تلفزيون سوريا، ذكر عز الدين، أن العفو استثنى الأفعال التي أفضت إلى موت إنسان، وجاء النص على إطلاقه  دون أن يبين أن هذه الأفعال تؤدي بشكل مباشر لقتل إنسان، أي أن الغموض في النص يجعل أي فعل قد ينسب للمتهم ولو كان فعل المتهم لا يؤدي بشكل مباشر لمقتل إنسان فلا يشمله العفو، حيث يكفي انتماء المتهم لجماعة معارضة، وقيام هذه الجهة بأي فعل يؤدي لمقتل إنسان، فيكون الشخص غير مشمول بالعفو، وبالتالي هذا يفتح باباً للابتزاز المالي من الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية.

من جهة أخرى، يعتبر النظام السوري الفصائل المسلحة المعارضة في شمالي سوريا عبارة عن متمردين، ويعتبر تركيا دولة معادية، وبالتالي العسكريين الذين لم يلتحقوا بالخدمة بعد، وفروا داخليا إلى المناطق المحررة، أو فروا خارجيا إلى تركيا، يمكن محاكمتهم وفق مواد المرسوم، ولن يستفيدوا من مرسوم العفو كونه يمكن للأجهزة القضائية التي تسيطر عليها الأجهزة الأمنية بكل مفاصلها، تغيير التوصيف الجرمي، ليشمل الفرار إلى العدو، وأما المنشقين الذين انتسبوا أو أسسوا هذه التشكيلات هم غير مشمولين بالعفو وتطبق عليهم مواد قانون العقوبات العسكري التي تصل عقوبتها للإعدام.

وبحسب عز الدين، يعتمد النظام على سياسة إغراق المجتمع الدولي في التفاصيل وإلهاء الشارع السوري بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية الأخير، ليوصل رسالة مفادها أنه الطرف الذي يتّبع نهج المتسامح، والذي سيخلي سبيل المعتقلين، وبالتالي لن يوجد جرم التعذيب مستقبلا، وهذا ما عاد استنساخه عند ظهور فضيحة مجزرة التضامن وما سُرّب من فيديوهات وحشية، إذ أصدر النظام حينذاك المرسوم رقم 7 لعام 2022.