تهريب الدولار من لبنان إلى سوريا.. وهم أم حقيقة؟

2023.03.12 | 06:10 دمشق

تهريب الدولار من لبنان إلى سوريا.. وهم أم حقيقة؟
+A
حجم الخط
-A

مع كل انهيار تشهده الليرة اللبنانية أمام الدولار، ترتفع الأصوات في لبنان لتتحدث عن تهريب الدولارات من لبنان إلى سوريا أو غيرها من الدول العربية، من باب تبرير ارتفاع سعر الصرف.

لم تقف تلك التُهم عند حدود وسائل الإعلام فحسب، بل دأب بعض السياسيين اللبنانيين كما القضاة ورجال أعمال على تبنّي تلك الفرضيات، وإطلاق العنان لها في برامج الـTalk show السياسية عبر شاشات التلفزة، أو من خلال تغريدات نشروها على صفحاتهم في "تويتر"، فيما وصل الأمر بأحد القضاة اللبنانيين السابقين (يُفترض بأنّ القاضي يجب أن يكون دقيقاً وحذراً في إطلاق التهم)، إلى حدود اتهام شركة من بين شركات تحويل الأموال، بنقل الدولارات بواسطة آلياتها إلى داخل الحدود السورية!

لكنّ أحدا من بين هذه الشخصيات، لم يخبر الرأي العام اللبناني (والسوري بطبيعة الحال) كيف تتّم عمليات التهريب؟ ومقابل ماذا تتم عمليات شراء هذه الدولار. بل اقتصر الأمر على إطلاق التهم وربط عمليات التهريب بالعصابات فحسب.

أيّ شخص مهما كانت جنسيته، يطمح لشراء الدولارات من الصرافين في لبنان، يُفترض أن يعطي الصراف مقابل تلك الدولارات عملة رديفة، وغالباً هي الليرة اللبنانية

في المبدأ، فإنّ أيّ عملية شراء لأيّ عملة، تفترض تبديلها بعملة أخرى وهذا من بديهيات الأمور. ما يعني أنّ أيّ شخص مهما كانت جنسيته، يطمح لشراء الدولارات من الصرافين في لبنان، يُفترض أن يعطي الصراف مقابل تلك الدولارات عملة رديفة، وغالباً هي الليرة اللبنانية. أمّا في حالة شراء الدولارات لصالح سوريا، فإنّ العملة البديلة المُفترضة هي الليرة السورية، وهذا منطق الأمور.

في لبنان، قلّة قليلة من الصرافين الذين يوافقون على بيع دولاراتهم مقابل الليرة السورية التي تشهد انهيارات يومية مثلها مثل العملة اللبنانية، خصوصاً صرافي الداخل في العاصمة بيروت وضواحيها، أو صرافي جبل لبنان، لأنّ عملية تبديل تلك الليرات بالدولارات مجدداً وبأيّ عملة أخرى، تفترض أنّ الصرّاف لديه وسيلة تصريف لهذه الليرات السورية.. وإلاّ ماذا سيفعل الصرّاف بكل تلك الليرات السورية؟ خصوصاً أن الاقتصاد السوري هو الآخر متعطّش للدولارات.

وعليه، فإنّ تهمة "تهريب" الدولارات إلى سوريا أو غيرها، تفترض الإجابة على سؤال محوريّ، لفهم حقيقة ما يجري، ألا وهو هذا السؤال: فما هو صنف العملة التي يسترد بها أيّ صراف أمواله مقابل الليرات السورية؟ وهذا إذا افترضنا طبعاً أنّ الدولارات تُباع مقابل الليرات.

هذا السؤال المركزي الذي لم يجب عليه أحد حتى اللحظة يفتح المجال أمام التشكيك بأنّ كل ما يُساق في هذا الشأن، ليس إلاّ عملية "ذر رماد في العيون" أو محاولة "تعمية" في محاولة لحرف الأنظار عن الأزمة الفعلية التي يمر بها لبنان (وسوريا طبعاً)، والتي تتمثل في عجز المصرفين المركزيين في البلدين، عن لجم سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية وتلك السورية.

في المقابل، يسوق البعض مجموعة من الفرضيات إضافية للتأكيد على أنّ الدولارات تخرج فعلاً من لبنان باتجاه سوريا. من بين تلك الفرضيات، الدعوة إلى مراقبة سعر الصرف في مناطق لبنانية مثل شتورة أو عكار، إي في المناطق المحاذية للحدود السورية، حيث هناك غالباً يكون سعر الصرف أعلى بمقدار بضعة مئات من الليرات عن السعر السائد في "السوق الموازي" في مناطق مثل بيروت أو جونيه أو صيدا مثلاً، وهو أمر صحيح، ومبرره أنّ المناطق الحدودية تشهد حركة عابرين بين البلدين، تستدعي تبديل العملات لزوم دفع تكاليف التنقل أو شراء الحاجيات، أو حتى من أجل التزوّد بالعملة الأميركية الخضراء لاستخدامها في الداخل السوري، خصوصاً أنّ أعداد السوريين في لبنان كبير نسبياً. لكن حتماً، هذه العمليات لا تؤثر على سعر الصرف في لبنان بالشكل الكبير أو الكارثيّ، الذي يحاول أن يصوّره البعض.

بينما الحقيقة في مكان آخر مختلفة كلياً، وقد لا تنطبق عليه صفة "تهريب" على الإطلاق.

المعلومات تشير إلى أنّ الدولارات التي تخرج من لبنان إلى سوريا، تُشترى بالليرات اللبنانية وليس بتلك السورية. هذه المعلومات مصدرها عدد من الصرافين على الحدود من الجانب اللبناني، الذين يؤكدون بأنّ أعدادا من المواطنين السوريين يشترون الدولارات بالليرات الخضراء اللبنانية وليس بتلك السورية، وهذه الليرات مصدرها سوريا وليس لبنان.

هذا يعني أنّ كميات كبيرة من الليرات اللبنانية باتت موجودة فعلاً في الداخل السوري، وهذه الليرات مصدرها عمليات تجارية تتم بين التجار اللبنانيين والسوريين نتيجة شحّ الدولار في البلدين. إذ يعمد التاجر السوري على قبض الليرات اللبنانية من نظيره اللبناني بدلاً من الدولار الأميركي الشحيح لدى الطرفين لقاء السلع التي يبيعها، وهي غالباً خضار وفواكه أو بعض المصنوعات السورية.

ما يُطلق من مصطلحات في هذا الصدد، من أجل توصيف واقع الأمر، لا تنطبق عليه صفة "تهريب". بل هو مجرد عملية بيع بضائع

بعد ذلك يقوم التاجر السوري شخصياً أو ربّما عبر صرافين وسطاء أو مضاربين، باستبدال تلك الليرات اللبنانية بالدولارات من أسواق المناطق اللبنانية المحاذية، مثل شتورة أو طرابلس أو عكار.. ليعني هذا في المحصلة، أنّ الحركة التجارية لليرة اللبنانية، توسّعت إلى ما بعد الحدود وصولاً إلى الداخل السوري.

أمّا ما يُطلق من مصطلحات في هذا الصدد، من أجل توصيف واقع الأمر، فلا تنطبق عليه صفة "تهريب". بل هو مجرد عملية بيع بضائع، بشكل رسمي أو بواسطة التهريب (هذا بحث آخر)، بالليرة اللبنانية و"إلى حين". هذا الحين موقوت باللحظة التي يقرر التاجر أو المواطن السوري استبدال ما يحمله من ليرات لبنانية بالعملة الدولار. ولعلّ فائض الليرات اللبنانية بين أيدي اللبنانيين نتيجة طبع الكثير منها بواسطة مصرف لبنان، هي السبب الذي أدى إلى ظهور هذه الأزمة!

أضف إلى هذا أنّ عمليات بيع المحروقات (بنزين ومازوت) من لبنان إلى الداخل السوري (بالتهريب وأو بطريقة نظامية) تجلب المزيد من الدولارات إلى الداخل اللبناني، وتدحض كل ما يُحكى عن نزيف بالعملة الخضراء من لبنان إلى سوريا.