تمدد إيران وانكفاء العرب.. الحاجة إلى فضاء عربي جديد

2019.10.03 | 03:00 دمشق

lnfq_lmryky_lyrny.jpg
+A
حجم الخط
-A

بالنظر إلى خريطة المنطقة وتاريخها، يمكن رسم مثلّث قوى متنازعة تاريخيا. هذا المثلث، يشكّله العرب، والفرس، والترك أو السلاجقة. استمر الصراع بين مكونات هذا المثلث، في التاريخ الحديث، وفي الشكل الذي أنتجته الحربان العالميتان الأولى والثانية. فاستمر الصراع العربي التركي، والعربي الفارسي. تعددت المشاريع لدى العرب، بين استقلال الدول الوطنية، أو الوحدة العربية والقومية. بينما تركيا مرّت في حقبات عصيبة على الصعيد السياسي بين الترهل والانقلابات وضعف التأثير السياسي. فيما إيران التي كانت شرطي المنطقة أيام الشاه، استمرّ مشروعها بالتدخل في الشؤون العربية لتوسيع نفوذها السياسي وإعادة إحياء امبراطوريتها.

فخلال الحرب الباردة بين الأميركيين والسوفييت، عززت الولايات المتحدة الأميركية من تحالفها مع تركيا، فيما الحاجة إلى مواجهة الاتحاد السوفييتي، حتّمت ضرورة أميركية في الارتكاز إلى "التطرف" الإسلامي لمواجهة المدّ الشيوعي، فمنها أنتجت القاعدة بتطرفها، الذي نما على تطرّف أنتجته الثورة الإسلامية الإيرانية التي نجحت وتعززت بدعم أميركي وغربي.

مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وجد العرب أنفسهم على حافة تحول كبير في سياسة المنطقة، بدأت تلاميحه تظهر في الاستقطاب السنّي الشيعي، على قاعدة التطرف ينتج تطرفاً، بينما كانت المنطقة العربية، تعيش حالة استقطاب حادّ بين الإسلاميين والعسكر، ما أعدم أي خيار سياسي أو حركية سياسية جدية ومنتجة. وسط تضعضع عربي هائل، مقابل ثبات إيراني.

تحت المثلّث الأشمل، الذي يضم العرب والأتراك والإيرانيين، كان هناك مثلّث عربي

حافظ الأسد كان يمسك العصا من الوسط، بعلاقته الجيدة بالسعوديين وبالإيرانيين معاً فيعمل على توازن العلاقة بين الطرفين، ودوزنة موقف سوريا

نشأ بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وخروج مصر من المعادلة في العام 1978 في اتفاقية كامب ديفيد، تأسس المثلث من المملكة العربية السعودية، العراق، وسوريا. شكلت السعودية الدولة المحورية في مواجهة إيران، بينما العراق كان السدّ المنيع والذي انتصر في الحرب عليها، فيما حافظ الأسد كان يمسك العصا من الوسط، بعلاقته الجيدة بالسعوديين وبالإيرانيين معاً فيعمل على توازن العلاقة بين الطرفين، ودوزنة موقف سوريا.

استمر الصراع، الدولي في المنطقة، والذي أوصل إلى اجتياح العراق وإسقاط صدام حسين وسيطرة إيران عليه، بينما حافظ الأسد مات، وتولى نجله بشار رئاسة سوريا، فاختار الذهاب إلى المحور الإيراني والتماهي مع إيران بدلاً من الحفاظ على علاقته الجيدة بالعرب، عندها أصبحت السعودية وحيدة في هذه المواجهة، وأصبحت مضطرة للمواجهة عن نفسها وعن العراق وسوريا معاً، وهذا دور لا تستطيعه السعودية تاريخياً، ولا قوتها تسمح لها بذلك، هذا إلى جانب فقدان أي مشروع سياسي حقيقي وجدّي يمكن السعودية من دعم قوى متعددة، تشكّل أذرعاً لها في هذه المواجهة.

وأيضاً، هناك مثلّث أصغر، يضم دولاً أصغر، هي لبنان، الأردن، وفلسطين، التي كانت تمثّل في السنوات الأخيرة، ميزان الصراع وصداه بين السعودية وإيران، وكانت هذه الدول تعكس جزءاً لا بأس به من السياسة الدولية وتحولاتها وتوجهاتها. بسقوط العراق وسوريا، أصبح سقوط لبنان سهلاً، بينما فلسطين نجحت إيران في اختراقها وضرب قضيتها من الداخل، بتحقيق الانقسام الفلسطيني، بينما بقي الأردن ضعيفاً بسبب الضعف الاقتصادي وتحرك الإسلاميين. 

اكتمل الهلال الإيراني في المنطقة، من إيران إلى العراق فسوريا وصولاً إلى لبنان. مع اندلاع الربيع العربي، تجدد الصراع بين القوى الثلاث الأساسية، أي العرب والإيرانيون والأتراك، لكل منهم مشروع. لو نجحت الثورات العربية التي عززت دور القوى الإسلامية، لتشكل هلال ثان مقابل ومعارض للهلال الإيراني، هذا الهلال كان يمتد من تونس إلى مصر إلى غزة فيما سوريا تشكّل النقطة المحورية فيه كما تشكل النقطة المحورية بالنسبة إلى اكتمال الهلال الإيراني.

في هذا الصراع، ضاع العرب مجدداً، وبغياب أي مشروع سياسي لديهم، أكثروا من عداواتهم داخل مجتمعاتهم، وخارجها، فغلب الصراع التاريخي بين عسكر وإسلاميين. هذا الصراع الذي تلهى به العرب، أتاح لإيران تحقيق التقدّم أكثر على طريق إنجاز مشروعها في السيطرة وفي ادعاء أنها صاحبة اليد الطولى في المنطقة ككل، بينما طريق الثورات المضادة كان الأساس في إضعاف المشروع العربي أمام

تذهب إيران باتجاه الغرب، وفي يديها، أوراق عديدة، جاهزة لتقديمها، من أمن إسرائيل، إلى حماية أمن النفط

المشروع الإيراني. لتصل إيران إلى مرحلة فتح المعارك في الخليج بعد اليمن، وبالتالي نقل المعركة إلى عقر دار السعودية، مقابل استعدادها لمفاوضة العالم مجدداً على اتفاقها النووي، وعلى الاعتراف بدورها كشرطي للمنطقة، خصوصاً بعد ما حصل في الخليج، وادعائها أنها صاحبة القرار الأساسي في حماية الملاحة الخليجية.

وأكثر من ذلك، تذهب إيران باتجاه الغرب، وفي يديها، أوراق عديدة، جاهزة لتقديمها، من أمن إسرائيل، إلى حماية أمن النفط، وضبط الأوضاع السياسية والعسكرية في المناطق التي تسيطر عليها، والأهم بالنسبة إليها، أنها تدعي خوضها المعارك في العراق وسوريا ضد الإرهاب، الذي يقلق العالم، وأنها الحريصة على حماية الأقليات في هذه المنطقة، بين العراق وسوريا ولبنان، وهذا يدغدغ سياسات غربية مديدة، ويلاقيه الغرب في تأبيد الحماية لإسرائيل ويهوديتها وقوميتها. مرّت المنطقة بحالات مماثلة كثيرة، وأفشلت مخططات كثيرة. لكن الأساس في السعي لمواجهة هذا المشروع ومنع استمراره، يبدأ أولاً بالاعتراف بالهزيمة، وإجراء عملية نقد شاملة للمسار السياسي الذي سلكته الدول العربية، ومصالحة مجتمعاتها ثانياً، وبعدها الشروع في مشروع عربي موحد، لمواجهة العصر الإيراني الأميركي، ومواجهة التفتيت الذي تشهده الدول بما يتلاءم مع نظرية تحالف الأقليات.